مناظرة هاريس - ترامب تكشف عن أهمية السياسة الخارجية في الانتخابات الرئاسية

15 سبتمبر 2024
15 سبتمبر 2024

ترجمة - قاسم مكي -

عمدت كامالا هاريس إلى الهجوم على دونالد ترامب في مناظرة الثلاثاء. ووجد استطلاع أجرته شبكة «سي أن أن» أنها تفوقت على خصمها بنسبة كاسحة بلغت 63% إلى 37%. لكن استطلاعات عديدة أيضا أكدت أنهما لا يزالان متعادلين في السباق ولا يمكن تحديد المتفوق منهما في ذلك العدد الصغير من الولايات المتأرجحة والتي ستحسم نتيجة الانتخابات.

الناخبون الذين لم يحزموا أمرهم بعد مهمّون، وهنالك عدد قليل منهم في أمريكا اليوم. لذلك معدل المشاركة في الانتخابات هو كل شيء. والديمقراطيون في الولايات المتأرجحة يصعب حشدهم للتصويت مقارنة بأنصار ترامب.

يقول مستطلعو الآراء أن الناخبين الأمريكيين على كلا الجانبين (الديمقراطي والجمهوري) تحركهم قضاياهم المعيشية. وفي الانتخابات الأمريكية يعني ذلك أسعار الطعام والسكن والبنزين والعلاج. أيضا من القضايا المهمة الخشية من أن تتسبب الهجرة في إحلال القوى العاملة الأمريكية ونشر الجريمة في شوارع الولايات المتحدة واستنزاف الخدمات.

بالنظر إلى هذا السياق، من المذهل أن المرشَّحين الرئاسيين استهلكا جزءا كبيرا من وقت المناظرة في الحديث عن السياسة الخارجية.

غطت المناظرة سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين والخروج من أفغانستان والحرب بين إسرائيل وحماس والسيطرة على الحدود والهجرة والحرب في أوكرانيا. السؤال: كيف احتلت السياسة الخارجية مركز الصدارة في انتخابات ركزت على ولايات ميشيجان وويسكونسن وبنسيلفانيا؟ (وهي الولايات المتأرجحة والحاسمة الأهمية في الانتخابات الرئاسية- المترجم.) الإجابة تعود بالذاكرة عام 2016. وقتها قاد انتخاب دونالد ترامب ورسائله عن «المذبحة الأمريكية وأمريكا أولا» إلى أول جدال حقيقي ومستدام حول الدور العالمي للولايات المتحدة منذ نهاية الحرب الباردة.

لم يُحسم ذلك الجدل بعد. إنه إشكالي وفي الوقت ذاته تترتب عنه نتائج مهمة. وهو أيضا يقود بلدا اشتهر عنه الهوس بمشاغله المحلية إلى حد يدفعه إلى عدم الاهتمام الجاد بالسياسة الخارجية.

الصين

طوال المناظرة قدم المرشحان هاريس وترامب سرديتين متنافستين عن الوضع الحالي للبلد. بالنسبة لترامب كانت التصورات العالمية عن تدهور أمريكا في صلب هذه السردية. وحوَّلت هاريس في الأثناء سؤالا عن اقتصاد الولايات المتحدة إلى مناقشة سياسة ترامب تجاه الصين.

وعندما سئلت عن التضخم اتجهت إلى الهجوم محولة بذلك نقطة ضعفها المحلية الرئيسية إلى مهاجمة ترامب. فقد زعمت أن الرئيس السابق «باع» المستهلكين وقوض الأمن القومي للولايات المتحدة بفرض «ضريبة مبيعات» على الشعب الأمريكي من خلال الرسوم الجمركية والتي ادَّعت إنها قادت إلى حرب تجارية مع الصين وزادت العجز التجاري الأمريكي، كما اتهمت الرئيس السابق أيضا ببيع الرقائق الإلكترونية الأمريكية إلى الصين لمساعدتها في تحديث جيشها.

إذا فازت هاريس ستواصل وضع الأمن الاقتصادي في صدارة أجندة سياساتها. وسيعني ذلك في الغالب الاستثمار المحلي في الصناعة وخصوصا رقائق أشباه الموصلات واستمرار التركيز على تشييد سلاسل توريد مرنة. (تصنيع الرقائق في المكسيك سيكون واردا أيضا بالنسبة لإدارة هاريس).

أدوات السياسات المتاحة وفيرة وتمتد من أندية دعم المعادن الحيوية (مجموعات البلدان التي تنسق سياساتها لدعم إنتاج هذه المعادن كالليثيوم والكوبالت - المترجم) وإلى الاتفاقيات التجارية حول قطاعات محددة. لكن من المستبعد كما يبدو أن تكون الرسوم الجمركية الأداةَ المفضلة لهاريس على نحو ما ستكون عليه لترامب.

وبالنسبة لهاريس ستظل الشراكات والتحالفات في قلب استراتيجية الولايات المتحدة. لكن الديمقراطيين ينخرطون في جدل حول وضع التنافس الأمريكي الصيني في مركز السياسة الخارجية أو اعتماد استراتيجية دولية تكون الصين جزءا منها. كان ترامب أكثر وضوحا. فمقاربته سترتكز على المقايضة كما ستكون أيضا متحررة من قيود تعددية الأطراف أو التحالفات.

الهجرة

كلا المرشحين يتشددان في حديثهما عن الهجرة وتركز سياستهما على فرض القانون. لكن التماثل بينهما ينتهي عند هذا الحد. في المناظرة سعي ترامب لاستحضار تصورات عن المهاجرين «المجرمين» الذين يأكلون الكلاب وربما القطط أيضا. وحمَّلت هاريس ترامب مسؤولية حث الجمهوريين على قطع الطريق أمام إجازة مشروع قانون حول أمن الحدود تقدم به الحزبان في وقت سابق من هذا العام وذلك ببساطة لإثارة الفوضى وتعزيز حظوظه الانتخابية. من جانبه، سارع ترامب إلى تذكير مشاهدي المناظرة بأعداد المهاجرين المتزايدة عند الحدود فيما اتضح أنها كارثة ديسمبرية للديمقراطيين (تقصد الكاتبة بالكارثة الديسمبرية واقعة إلقاء القبض على 250 ألف مهاجر غبر الحدود مع المكسيك في ديسمبر 2023 - المترجم)

كان هجوم ترامب على المهاجرين فعالا في إثارة مخاوف الرأي العام وأجبر الديمقراطيين على اتخاذ موقف محافظ. لقد تراجعت الحلول الخلاقة والمسارات القانونية مفسحة المجال للمقاربة التي تمنح الأولوية لتطبيق ضوابط صارمة في الحدود. ووجد التفكير الخلاق مجالا بديلا. فمنظمة الهجرة العالمية تحاول إحداث تحول في استراتيجية الهجرة يربط جهات التوظيف التي تحتاج إلى القوى العاملة بالمهاجرين الباحثين عن عمل.

مثل هذه المقاربة المرتكزة على العمل يمكن أن تفيد المجتمعات الغربية التي يشيخ سكانها (وتواجه بالتالي نقصا في القوى العاملة) وأيضا المهاجرين الذين هم بحاجة إلى العمل. لكن الآن تجذرت سردية ترامب المعادية للمهاجرين وأزاح التنافسُ الانتخابي الحوارَ الأكثر جدية حول الهجرة.

أوكرانيا

أتاحت المناظرة لأولئك الناخبين الذين حددوا خيارهم مجالا واسعا لتأكيد تحيزاتهم.

وبالنسبة للناخبين الذين التزموا بالتصويت لترامب لن تكون المناظرة مهمة كثيرا. فترامب أحكم تماما صياغة رسالته لهم وهي أن هاريس تشغل المنصب الثاني في إدارة أمريكية شهدت حربين كبيرتين وفوضى في المسرح العالمي «والضحك على الأمة الأمريكية في كل أرجاء العالم».

بالنسبة للأوروبيين خطاب ترامب في المناظرة سيؤكد مخاوفهم. فمن بين انتقاداته التي أصبحت مألوفة الآن اتهامه أوروبا بالاستفادة المجانية من سخاء الولايات المتحدة واستمراره في مطالبة أوروبا بسداد نفقاتها الدفاعية.

إلى ذلك إطراؤه لفيكتور أوربان رئيس وزراء المجر اليميني (والمعروف جيدا بعلاقته الوثيقة مع فلاديمير بوتين ونفوره من أوكرانيا) سيغذي المخاوف من العواقب المثيرة التي يمكن أن تترتب عن عودته إلى الرئاسة على سيادة أوكرانيا. وكانت أفكاره حول الحرب سطحية ومألوفة. فهو سيُنهي الحرب (حتى قبل تنصيبه) والحرب ما كانت لتبدأ أبدا إذا كان رئيسا.

ذكّرت هاريس الناخبين بأن ترامب يقوض الاستقرار ورسومه الجمركية كلفتهم الكثير ماديا وأمنيا. أيضا اتهمته بتبني خيارات سيئة في السياسة الخارجية وعزَت الانسحاب المذلّ من أفغانستان إلى اتفاقه مع طالبان.

وحذرت من أن ترامب سيضحِّي بأوكرانيا (ومبدأ السيادة الدولي) واتهمته بالافتقار إلى استراتيجية لتحقيق السلام في الشرق الأوسط. وعززت كل ذلك بقولها لترامب «الدكتاتوريون والمستبدون يتطلعون إلى أن تكون رئيسا مرة أخرى لأنهم، وهذا واضح، سيكون بمقدورهم التلاعب بك بالمداهنة والمجاملات».

طرحُ السياسةِ الخارجية ضمن القضايا الرئيسية في المناظرة الرئاسية كان لافتا. فمعظم الأمريكيين يصوتون بناء على قضايا أقرب كثيرا إلى الهموم الداخلية. على أية حال وبصرف النظر عن النتيجة، لقد عثرت الولايات المتحدة على عزيمة جديدة لإعادة تقييم دورها في العالم.

ليزلي فينجاموري مديرة برنامج الولايات المتحدة والأمريكتين بالمعهد الملكي للشؤون الدولية (شاتام هاوس) وأستاذة العلاقات الدولية بمدرسة الدراسات الشرقية والآسيوية - جامعة لندن ورئيسة هيئة التدريس بأكاديمية الملكة اليزابيث الثانية بالمعهد.