لماذا ستصبح الهند قوة عظمى؟
«لدي اعتقاد لا يتزعزع بأن الهند عندما تحتفل بمئوية استقلالها في عام 2027 ستكون هندا متقدمة اقتصاديا،» هكذا خاطب ناريندرا مودي رئيس الوزراء الهندي شعب بلاده في عيد الاستقلال العام الماضي.
هل تطلعه قابل للتحقيق؟ نعم. هل يبدو معقولا؟ لا. لكن مع ذلك يظل من المرجح أن الهند ستكون قوة عظمى بحلول ذلك التاريخ وباقتصادٍ مساوٍ في حجمه لاقتصاد الولايات المتحدة، وفقا لأحد المقاييس.
السؤال: كيف يمكن أن تكون الهند كذلك؟ ماهي التحديات التي تواجهها؟ وماذا يمكن أن يعني ذلك للعالم؟
تطرقت الى موضوع المستقبل الاقتصادي للهند في محاضرات قدمتها هذا الشهر بالمجلس الوطني للبحوث الاقتصادية التطبيقية وجمعية وحدة وثقة المستهلكين في نيودلهي. ولكي أصوّر تحدي التحول الى بلدٍ مرتفع الدخل قارنت الهند بأفقر بلد يُصنَّف كبلد «متقدم» بواسطة صندوق النقد الدولي وهو اليونان.
في عام 2023 كان الناتج المحلي الإجمالي للفرد في الهند على أساس تعادل القوة الشرائية أقل من ربع نصيب الفرد في اليونان. وإذا حقق الناتج المحلي الإجمالي للفرد في اليونان نموا بنسبة 0.6% فقط (وهو اتجاهه في الفترة 1990-2029 حسب توقعات صندوق النقد الدولي) وفي الهند بنسبة 4.8% (وهو نفس اتجاهه في الفترة 1990-2029) سيساوي الناتج المحلي للفرد في الهند 60% فقط من الناتج المحلي للفرد في اليونان في عام 2047.
ولكي يتساوى نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الهند مع نصيبه في الناتج المحلي الإجمالي لليونان عام 2047 يجب أن يرتفع نمو ناتجها المحلي الإجمالي للفرد الى 7.5% في العام. ولن يكون معدل النمو هذا أقل كثيرا من معدل النمو في الصين خلال الفترة من 1990 الى 2012 عندما حققت بكين المعدل السنوي المذهل الذي بلغ 9%.
صورة الحجم الإجمالي مختلفة. فتوقعات الأمم المتحدة تشير الى أن عدد سكان الهند بحلول عام 2050 سيبلغ 1.67 بليون نسمة مقابل 1.32 بليون نسمة في الصين و380 بليون نسمة في الولايات المتحدة. وبعدد سكان يبلغ أربعة أضعاف سكان الولايات المتحدة لن يكون من الصعب على الهند مضارعة إجمالي الإنتاج الاقتصادي للولايات المتحدة.
في الواقع إذا حققت الهند نموا سنويا لناتجها المحلي الإجمالي بنسبة 5% فقط حتى عام 2047 (وهذا أقل كثيرا من اتجاه معدلها السنوي في الفترة 1990-2029 والذي يبلغ 6.3%) وحقق الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة نموا بنسبة 2.3% (وهو اتجاه معدلها في الفترة 1990-2029 بناء على قاعدة مماثلة) سيساوي اقتصادُ الهند اقتصادَ الولايات المتحدة على أساس تعادل القوة الشرائية.
رغم ذلك ستظل الولايات المتحدة والى حد بعيد أكثر تقدما تقنيا وأعلى إنتاجية. أيضا من المستبعد على الإطلاق أن تماثل البراعة التصنيعية للهند نظيرتها الصينية. فحصة قطاعها الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي ليست أقل فقط ولكنها تتدهور. مع ذلك الحجم مهم. فالهند بتعداد سكانها الهائل واقتصادها الكبير ستكون قوة عظمى. نعم لن تضارع الصين أو الولايات المتحدة تماما ولكنها ستكون قوة عظيمة دون شك.
ما الذي يمكن أن يمنع ذلك من أن يحدث. ربما أحد الأسباب التباطؤ في النمو الاقتصادي العالمي الذي أشار اليه صندوق النقد الدولي في تقريره عن آفاق الاقتصاد العالمي والصادر في أبريل 2024.
أثر ونطاق هذا التباطؤ الهيكلي (مع وضع تباطؤ الصين وعناصر التغير الديموغرافي في الصورة) يمكن أن يزدادا سوءا بقفزة كبيرة للحمائية في حال إعادة انتخاب ترامب.
في الأجل الطويل قد تؤثر أزمة المناخ على النمو الاقتصادي والرفاه البشري بشكل عام. أيضا ليس بعيدا عن التصور نشوب حرب بين القوى العظمى. في مواجهة كل هذا يأمل البعض أن يطلق الذكاء الاصطناعي مجددا النمو الاقتصادي. لكن ذلك أمر قابل للأخذ والرد.
النقطة الجوهرية هي أن الهنود بحاجة الى نمو اقتصادهم على الأقل بما يعادل ضعف سرعة نمو انتاج العالم. هذا يعني أن صادرات الهند سيلزمها أن تنمو بسرعة تساوي على الأقل ضعف سرعة نمو الإنتاج العالمي حتى لا يهبط معدل التجارة. بخلاف ذلك سيصبح الاقتصاد أكثر انغلاقا.
في ورقة حديثة يحاجج شوميترو شاتيرجي وارفيند سوبرامانيان ضد تجدد نوبة النفور من التجارة الخارجية إنهما يشيران الى الاعتقاد الواسع الانتشار بأن «الهند بلد كبير له سوق كبيرة.» لكن حجم السوق الحقيقي للسلع والخدمات القابلة للتبادل التجاري مع الخارج يتراوح بين 15% الى 45% من الناتج المحلي الإجمالي نظرا الى الانتشار الواسع النطاق للفقر.
مرة أخرى، يجادل البعض بأن «الصادرات لم تكن مهمة لنمو الهند وليست كذلك.» لكن الصادرات في الحقيقة بالغة الأهمية ليس أقله لأنها تسدد تكلفة الواردات الضرورية وتعزز المنافسة وتمكِّن من الحصول على الخبرة العالمية. وأخيرا يجادل الناس بأن «الفرص العالمية تختفي.» لكن نصيب الهند من صادرات السلع العالمية (باستبعاد التجارة البينية لبلدان الاتحاد الأوروبي) شكَّلت 2.2% فقط في عام 2022 مقابل 17.6% للصين. بل حتى صادراتها من الخدمات التجارية بلغت 4.4% فقط من الإجمالي العالمي. وهذا أدنى كثيرا من حصة الولايات المتحدة (12.8%) والصين (6%).
إضافة الى ذلك، وهذا أمر بالغ الأهمية، الهند لديها مواضع قوة. إنها «زائد واحد» واضح في عالم «الصين زائد واحد.» (تتبنى الشركات الأجنبية داخل الصين استراتيجية «الصين زائد واحد» والتي تعني بها نقل جزء من عملياتها هناك الى أحد البلدان الصاعدة الآسيوية الأخرى. ويوحي كاتب المقال بأن الهند يمكن أن تكون إحداها– المترجم.)
فالهند لديها علاقات طيبة مع الغرب والتي هي مهمة له استراتيجيا. لكنها أيضا مهمة بقدر كافٍ لكل أحد آخر. فهي يمكن أن تكون ما يدعوه صندوق النقد الدولي بلدا رابطا (حلقة وصل) في اقتصاد العالم. في الواقع يمكنها وينبغي لها أن تلعب دورا قياديا في تحرير التجارة داخليا وعالميا.
للهند أيضا ميزة تتمثل في جالياتها بالمهجر والتي لها تأثير ضخم خصوصا في الولايات المتحدة. فموارد الهند البشرية لا أقل من أن تمنحها القدرة على تنويع الاقتصاد وترقيته بمرور الوقت. ويجب عليها أن تستغل ذلك. فالحجم باختصار يمنحها وزنا. الهند ليست فقط مقيدة بواسطة العالم بل يمكنها ويجب عليها تشكيله.
لكن كيفية تدبير الهند لأمورها هي التي ستكون الأكثر أهمية. فالتحدي الأكبر الذي يواجهها داخلي. إنه الحفاظ على الاستقرار وتحسين التعليم والدفاع عن حكم القانون وترقية البنية التحتية وتوفير بيئة ممتازة للاستثمار وتشجيع الاستثمار الوافد وتسريع التحول الى الطاقة النظيفة.
الانتخابات الأخيرة في الهند جعلتني أكثر تفاؤلا. فالهند تلزمها حكومة مستقرة. لكن حزب مودي «بهاراتيا جاناتا» تم تحجيمه. أملي أن يقنع هذا الحكومة بتركيز جهودها على الاقتصاد ورفاهية السكان بدلا عن الحروب الثقافية الداخلية. فالهند يمكن أن تتحول الى قوة مؤثرة وبالغة الأهمية لبسط الاستقرار في العالم.علينا كلنا أن نأمل في أن تكون بقدر هذه المسؤولية.
مارتن وولف كبير معلقي الاقتصاد بصحيفة الفاينانشال تايمز