صدمة بوتين وأثرها المحتمل على الاقتصاد العالمي
ترجمة أحمد شافعي
لعل من الإنصاف القول إن كثيرا من المراقبين توقعوا عندما غزا بوتين أوكرانيا أن يفلت بفعلته. فمن المؤكد أن جيش روسيا الضخم سوف يستولي على كييف في غضون أيام قلائل، ومن المؤكد أن الغرب سوف يرد بجبنه المعتاد، فلا يعدو رده على روسيا لطمة خفيفة على ظاهر اليد.
بدلا من ذلك، ها نحن وقد مر أربعة عشر يوما، ولا تزال كييف وخركيف صامدتين، والقوات الغازية تتعثر أمام مقاومة أوكرانية ضارية (في عونها فيض سريع من الأسلحة الغربية) ومشكلات لوجستية كارثية. في الوقت نفسه، من الواضح أن للعقوبات الغربية على الاقتصاد الروسي آثارا فادحة بل إنها قد تزداد قوة.
من الواضح أن كل هذا يمكن أن يتغير: فالقوات الروسية قد تعيد تجميع نفسها وتستأنف الهجوم، والحكومات الغربية واهنة العزيمة قد تبدأ رفع العقوبات. لكن بوتين في الوقت الراهن يواجه عواقب أسوأ كثيرا مما كان يمكن أن يتخيل.
من سوء الحظ، أن الوقوف في وجه العدوان لا يكون بالمجان. فالأحداث في أوكرانيا وفي روسيا سوف تكبد الاقتصاد العالمي ـ على وجه الخصوص ـ تكاليف جسيمة. والسؤال هو ما مدى جسامتها؟
إجابتي المبدئية هي أنها سوف تكون سيئة، لكنها لن تكون كارثية. وبشكل محدد، يبدو من غير المرجح أن تبدو صدمة بوتين في مثل سوء صدمات النفط التي أزعجت الاقتصاد العالمي في سبعينات القرن العشرين.
ومثلما وقع في السبعينات، تأتي ضربة الاقتصاد العالمي من أسعار السلع. فروسيا من المصدِّرين الأساسيين للنفط والغاز، وكل من روسيا وأوكرانيا من مصدِّري القمح الأساسيين أو كانتا كذلك. لذلك سيكون للحرب أثر ضخم على أسعار كل من الطاقة والغذاء.
بداية بالطاقة. واضح أن العقوبات المفروضة من أوروبا حتى الآن على روسيا لا تطبق على صادرات النفط والغاز، ومع أن الولايات المتحدة تحظر واردات النفط من روسيا، لكن لن تكون لهذا أهمية كبيرة، لأن أمريكا قادرة أن تشتري من أماكن أخرى، وروسيا قادرة أن تبيع في أماكن أخرى. ومع ذلك تتصرف الأسواق وكأن الإمدادات في طريقها إلى التعطل، إما بسبب العقوبات أو لأن شركات الطاقة العالمية تعمد خوفا من رد الفعل الشعبي إلى «معاقبة ذاتية» ومنع لمشترياتها من الخام الروسي. بل إن شركة شيل التي اشترت النفط الروسي بتخفيض قبل أيام اعتذرت عن ذلك وقالت إنها لن تكرره مرة ثانية.
ونتيجة لذلك، فإن سعر النفط الحقيقي المعدل حسب التضخم ارتفع تقريبا إلى المستوى الذي بلغه خلال الثورة الإيرانية سنة 1979
للأمانة، أنا حائر قليلا في حجم هذا الارتفاع في السعر. نعم، روسيا منتج رئيسي للنفط. لكنها لا تنتج إلا 11% من الإنتاج العالمي في حين أن منتجي الخليج العربي كانوا يستخرجون ثلث النفط العالمي في السبعينات.
ومن المحتمل أن تجد روسيا سبلا لبيع جزء غير قليل من نفطها برغم العقوبات الغربية.
فضلا عن أن الاقتصاد العالمي أقل اعتمادا على النفط مما كان عليه. فـ«الكثافة» النفطية ـ أي عدد براميل النفط المستهلكة لكل دولار حقيقي من إجمالي الناتج المحلي ـ تبلغ نصف ما كانت عليه في السبعينات.
ماذا عن الغاز الطبيعي؟ تعتمد أوروبا على روسيا في الكثير من إمداداتها. لكن استهلاك الغاز موسمي بشدة.
لذلك فإن تأثير التوقف الروسي لن يكون شديد الضخامة حتى وقت متأخر من العام الحالي، بما يتيح لأوروبا وقتا لاتخاذ إجراءات تقلل من تعرضها للخطر.
بشكل إجمالي، ستكون أزمة الطاقة البوتينية خطيرة لكن لا يحتمل أن تكون كارثية. لكن تخوفي الأكبر على الولايات المتحدة هو تخوف سياسي على الأقل. قد لا تتصورون أن الجمهوريين يمكن أن يطالبوا بإيقاف شراء النفط الروسي ويهاجموا في الآن نفسه الرئيس بايدن بسبب أسعار الوقود المرتفعة. أعني أنكم قد لا تتصورون ذلك لو كنتم أنفقتم ربع القرن الماضي نائمين في كهف. ففي واقع الأمر ذلك ما يوشك أن يحدث.
وإذا نحينا السياسة جانبا، قد يكون الغذاء قضية أكبر من الطاقة. قبل حرب بوتين، كانت روسيا وأوكرانيا مجتمعتين تمتلكان أكثر من ربع صادرات القمح في العالم. والآن روسيا معاقبة وأوكرانيا منطقة حرب. فلا عجب أن قفز سعر بوشل القمح من أقل من 8 دولارات قبل بدء روسيا حشد قواها حول أوكرانيا إلى قرابة 13 دولارا الآن.
في المناطق الثرية مثل أمريكا الشمالية وأوروبا، سيكون ارتفاع السعر على هذا النحو مؤلما لكنه بصفة عامة مقبول، وذلك ببساطة لأن مستهلكي البلاد المتقدمة ينفقون جزءا صغيرا نسبيا من دخلهم على الطعام. أما في البلاد الفقيرة، حيث يمثل الطعام جزءا هائلا من ميزانيات الأسر، ستكون الصدمة أعنف كثيرا.
أخيرا، ما الأثر الذي ستتركه الحرب الأوكرانية على السياسة الاقتصادية؟ سوف يؤدي ارتفاع أسعار النفط والغذاء إلى زيادة معدل التضخم، وهو أساسا مرتفع بصورة غير مريحة. فهل سيستجيب بنك الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة ضاربا النمو الاقتصادي؟
ربما لا. فبنك الاحتياطي الفيدرالي منذ زمن بعيد لا يركز على التضخم «الكلي» headline بل التضخم الأساسي core الذي يستثني أسعار الغذاء والطاقة المتقلبة، وقد أعانه ذلك التركيز في الماضي على أن يكون في وضع جيد. ولذلك فإن صدمة بوتين هي من النوع المحدد الذي يتجاهله بنك الاحتياطي الفيدرالي في العادة. ويبدو أن المستثمرين يعتقدون أنه سوف يفعل ذلك بالضبط، فلا يبدو أن التوقعات السوقية لسياسة الاحتياطي الفيدرالي خلال الأشهر القليلة التالية تغيرت على الإطلاق.
إجمالا، ستكون الصدمة الروسية للاقتصاد العالمي سيئة، لكن ليس من المحتمل أن تكون بالغة السوء. ولو أن بوتين يتصور أنه سوف يبتز العالم، فقد وقع إذن في حسبة أخرى خاطئة وقاتلة.
بول كروجمان كاتب عمود آراء في نيويورك تايمز وهو أيضًا أستاذ في مركز الدراسات العليا بجامعة مدينة نيويورك.
«خدمة نيويورك تايمز»