حركة «ماغا» قائمة على الخوف وليس على الواقع
ترجمة ـ قاسم مكي -
كريستي نويم الحاكمة الجمهورية لولاية داكوتا الجنوبية من متشدِّدي حركة ماغا. وكانت تُذكَر أحيانا كمرشحة محتملة لمنصب نائب الرئيس مع دونالد ترامب. (ماغا اختصار لعبارة باللغة الإنجليزية تعني «لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى». وهي شعار استخدمه ترامب لحملته الانتخابية عام 2016 وتحول لاحقا إلى هتاف استقطاب وحركة سياسية لمؤيديه. (يرتكز الشعار حسب الموسوعة البريطانية على الاعتقاد بأن أمريكا كانت يوما ما بلدا عظيما ثم فقدت مكانتها بسبب النفوذ الأجنبي عبر الهجرة والتعددية في الداخل وفي الخارج من خلال العولمة وازدياد التكامل بين الاقتصادات الوطنية المختلفة - المترجم)
قبل أيام قليلة حذرت كريستي نويم من أن الرئيس بايدن «يعيد تشكيل» أمريكا ويحوِّلنا إلى «أوروبا».
أول فكرة خطرت ببالي بعد سماعي تحذيرها هي: إذن هل يحاول (بايدن) رفع متوسط أعمارنا بحوالي خمس إلى ست سنوات؟
إذا وضعنا الأمور في سياقها من الواضح أن نويم تعتقد أو تتوقع من مستمعيها أن يعتقدوا بأن أوروبا مشهدٌ لفوضى تسببت فيها جحافل المهاجرين.
خلال العام الماضي قضيت بعض الوقت وأنا أتجول في مدن أوروبية مختلفة ولم أجد أيا منها أرضا يبابا. نعم بشكل عام أوروبا لديها مشاكل في التعامل مع المهاجرين. والهجرة أصبحت قضية سياسية ساخنة هناك. نعم، تخلَّف التعافي الاقتصادي لأوروبا عن تعافي الولايات المتحدة. لكن التصورات عن أوروبا كقارة دمرتها الهجرة تخيلات وأوهام.
غير أن مثل هذه التخيلات أصبحت الآن عملة سياسية رائجة عند اليمين الأمريكي. هل تذكروا تلك الأيام التي أعلن فيها الخبراء في جدية أن الترامبية سببها القلق الاقتصادي؟ حسنا. على الرغم من ازدهار الاقتصاد لا يزال هنالك الكثير من القلق المبرر والذي يعكس صراعات حقيقية للعديد من الناس. فأمريكا لا تزال بلدا يعاني من اللامساواة وعدم الأمان والافتقار إلى العدالة.
لكن القلق الذي يحرك «ماغا» لا يحركه الواقع الفعلي. بل تحركه بدلا من ذلك تصورات كارثية لا علاقة لها بالتجربة الواقعية.
ذلك يعني في هذه الآونة أن الإستراتيجية السياسية للجمهوريين تعتمد إلى حد كبير على تخويف الناخبين الذين تشهد أوضاعهم المادية تحسنًا على الصعيد الشخصي ليس فقط حسب الإحصاءات الرسمية ولكن وفقا لما يقولونه هم أنفسهم. الجمهوريون يفعلون ذلك بأن يقولوا لهم هنالك أشياء سيئة تحدث لأناس آخرين.
هذا أوضح ما يكون عندما يتعلق الأمر باقتصاد الولايات المتحدة والذي كان أداؤه جيدا في عام 2023. بل جيدا على نحو أقرب إلى المعجزة. فالنمو الاقتصادي لم يقتصر فقط على دحض التنبؤات واسعة النطاق بانكماشٍ وشيك في الولايات المتحدة ولكنه فاق التوقعات بقدر كبير. لقد انحسر التضخم الذي هو الآن على نحو أو آخر عند المعدل الذي يريده البنك المركزي الأمريكي. والناس يشعرون بذلك في حياتهم. فحوالي 63% من الأمريكيين الذين استُطلِعت آراؤهم ذكروا أن وضعهم المالي جيد أو جيد جدا.
مع ذلك قالت نيكي هيلي في جولاتها الانتخابية قبل أيام قليلة «لدينا اقتصاد يتداعى وتضخم منفلت». والراجح أن الجمهوريين الذين استمعوا لها صدقوها. فوفقا لاستطلاع أجرته شركة «يوجوف» يقول حوالي 72% من الجمهوريين إن اقتصادنا (عند معدل نمو يبلغ 3% وتضخم بنسبة 2% تقريبا) يزداد سوءا. فيما يقول ما يزيد قليلا على 6% إنه يتحسن.
مرة أخرى هذا الحكم السلبي على الاقتصاد لا يعكس تجربة شخصية. ففي ديسمبر طلبت «يوجوف» من الأمريكيين تقييما عاما لعام 2023. قال الجمهوريون: إنه كان عاما فظيعا للبلد حيث ذكر 76% إنه كان عاما سيئا أو رهيبا. لكن من الغريب أن 69% من الجمهوريين (وهذه نسبة قريبة من النسبة السابقة) قالوا العام الفائت كان لا بأس به أو جيدا أو عظيما بالنسبة لهم بصفة شخصية.
لم يقتصر هذا الاستطلاع الأخير تحديدا على وضع الاقتصاد. فمن المفترض أيضا أنه عكس أشياء مثل التصورات حول الجريمة. لكن الجريمة تراجعت بقدر مهم في عام 2023. وهذا التراجع «في العالم العقلاني» يشكل إضافة إلى الاقتصاد الجيد من خلال تعزيز الإحساس بتحسن الأوضاع.
لكن العالم «وخصوصا عالم ماغا» ليس عقلانيا. فمن الملاحظ على مدى فترة طويلة أن الأمريكيين يميلون إلى القول بتصاعد الجريمة حتى عندما تتراجع وحتى عندما يقرون بأنها تنحسر في الأمكنة التي يعيشون فيها.
مرة أخرى التصورات الخاطئة شديدة الارتباط بالتحزب (الولاء الحزبي) مع استعداد مذهل من جانب الجمهوريين للاعتقاد بصحة أشياء ليست صحيحة. من ذلك الاعتقاد الزائف بأن أوروبا قارة على وشك الانهيار (على الرغم من أن ملايين الأمريكيين يزورون أوروبا ويحصلون بالتالي على فرصة مشاهدة أوضاعها بأنفسهم في كل عام).
ومن الصعب إيجاد عذر للاعتقاد بأن نيويورك وهي إحدى المدن الكبيرة الأكثر أمانا في أمريكا «صحراء حضرية». إذ تقول التقديرات إن أكثر من 50 مليونا من الأمريكيين زاروا التفاحة الكبيرة (نيويورك) في العام الماضي. وكثير من الذين لم يزوروها يعرفون شخصا زارها أو مقيما فيها (مثلي أنا أحد سكانها). مع ذلك يقول 22% فقط من الجمهوريين إن المدينة مكان آمن لزيارتها أو العيش فيها.
التهوين من شأن نيويورك يثير سؤالا حول مدى استعداد مؤيدي ماغا لتجاهل الأدلة التي يشاهدونها بأعينهم. الناس يشترون البنزين في كل الأوقات وعندما يقول ترامب: «أسعار البنزين الآن 6 دولارات أو 7 دولارات أو حتى 8 دولارات للجالون» وهذا يساوي حوالي ضعف السعر المبيَّن على لوحات كبيرة في أرجاء الولايات المتحدة هل يصدقه أتباعه؟
ثم هنالك بالطبع جائحة كوفيد التي يبدو أن تسييس ماغا لقضية اللقاحات ساهمت أثناءها في ارتفاع معدلات الوفيات وسط الجمهوريين.
ماذا يعني ذلك عن مستقبل أمريكا؟ ما يعنيه لا يمكن أن يكون طيبا. لقد انضم فعليا جزء كبير من جسمنا السياسي إلى «عبادة شخصية» عقائدها لا تكاد تتأثر بحقائق الواقع.
كيف حدث هذا لنا؟ الحقيقة هي أني لا أعلم. لكن لا يمكن لك أن تتحدث بجدية عن حال أمريكا دون الإقرار بانتشار نظرة ماغا «المرتكزة على الخوف» للعالم.
بول كروجمان أستاذ اقتصاد متميز بمركز الدراسات العليا - جامعة مدينة نيويورك وحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2008.
الترجمة لـ «عمان» عن «نيويورك تايمز»