استعدادا للهزيمة
ترجمة أحمد شافعي
أكتب هذه السطور من سوكبي في شمال مقدونيا حيث أقيم هنا منذ الأسبوع الماضي للتدريس ضمن برنامج «أكاديمية القيادة من أجل التنمية» «Leadership Academy for Development ». ولا تختلف متابعة الحرب الأوكرانية هنا من حيث توفر المعلومات، في ما عدا أنني أقيم في منطقة زمنية مجاورة، وفي ما عدا حقيقة أن لبوتين دعما في البلقان أكبر مما له في بقية أوروبا. والكثير من هذا يوعز إلى صربيا واستضافتها لسبوتنيك.
ولسوف أخاطر بالعديد من التكهنات.
1. روسيا في طريقها إلى هزيمة سافرة في أوكرانيا. فالتخطيط الروسي لم يكن كفئا، وقام على فرضية معيبة مفادها أن الأوكرانيين يرحبون بروسيا وأن جيشهم سوف ينهار في أعقاب الغزو على الفور. بدا واضحا أن الجنود الروس خرجوا إلى القتال مزودين بالأزياء الرسمية للمشاركة في موكب نصر في كييف بدلا من أن يخرجوا مزودين بمزيد من الذخيرة والمؤونة. ولقد سخَّر بوتين في هذه المرحلة أغلب جيشه الكامل لهذه العملية، فما من احتياطيات ضخمة من القوات يمكنه استدعاؤها لتضاف إلى المعركة. والقوات الروسية عالقة خارج العديد من المدن الأوكرانية في مواجهة مشكلات إمدادات ضخمة وهجمات أوكرانية مستمرة.
2. يمكن أن يكون انهيار موقعهم مباغتا وكارثيا، بدلا من أن يحدث ببطء عبر حرب استنزاف. وسوف يصل الجيش في الميدان إلى نقطة لا يمكن فيها إمداده أو انسحابه، وتتلاشى الروح المعنوية. ويصدق هذا في الشمال على الأقل، فالروس أفضل أداء في الجنوب، لكن سوف يصعب الحفاظ على هذه المواقع في حال الانهيار في الشمال.
3. ما من حل دبلوماسي ممكن لهذه الحرب قبل حدوث هذا. ولا يمكن تصور تسوية تكون مقبولة لكل من روسيا وأوكرانيا في ضوء الخسائر التي منيتا بهما حتى هذه المرحلة.
4. لقد برهن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مرة أخرى على أنه عديم القيمة. فالشيء الوحيد النافع هو تصويت الجمعية العامة الذي يساعد على تحديد اللاعبين السيئين والمراوغين في العالم.
5. كانت قرارات إدارة بايدن بعدم إعلان مناطق حظر للطيران أو بالمساعدة في نقل طائرات ميج البولندية في آن واحد قرارات جيدة، إذ حافظت لهم على هدوئهم في وقت بالغ الانفعال. وأفضل كثيرا أن نترك الأوكرانيين يهزمون الروس بأنفسهم، ويحرمون موسكو من مبرر أن الناتو هو الذي هاجمهم، وكذلك لاجتناب جميع احتمالات التصعيد الواضحة. وطائرات الميج البولندية بالذات ما كانت لتضيف الكثير إلى القدرات الأوكرانية. وأهم كثيرا من ذلك أن استمرار الإمداد بجافلينز «صواريخ مضادة للدبابات» وستينجرز «صواريخ أرض-جو» وطائرات تي بي تو، والإمدادات الطبية، وتبادل المعلومات. بل إنني أفترض أن مخابرات الناتو العاملة من خارج أوكرانيا هي التي توجِّه القوات الأوكرانية.
6.التكلفة التي تتكبدها أوكرانيا هائلة بالطبع. لكن الضرر الأفدح ناجم عن الصواريخ والمدفعية اللذين لا تستطيع طائرات الميج أو منطقة حظر الطيران أن تفعلا الكثير حيالهما، والشيء الوحيد الذي سوف يوقف المذابح هو إلحاق الهزيمة بالجيش الروسي على الأرض.
7. لن ينجو بوتين في حال هزيمة جيشه. فهو يحظى بالدعم بسبب رؤيته باعتباره رجلا قويا، فما الذي يبقى بوسعه تقديمه إذا ظهر عدم كفاءته وتجرد من قوته القسرية؟
8. لقد أضر الغزو فعلا بالشعبويين في جميع أنحاء العالم، ممن كانوا يعربون في ما قبل الغزو عن تعاطف غير رسمي مع بوتين. وذلك يتضمن ماتيو بالفيني وجايير بولسونارو وإريك زيمور وماري لوبان وفكتور أوربان وبالطبع دونالد ترامب. فقد فضحت سياسات الحرب ميولهم الاستبدادية وأبدتها للعلن.
9. كانت الحرب حتى هذه اللحظة درسا جيدا للصين. فالصين ـ شأن روسيا ـ أقامت خلال العقد الماضي قوات عسكرية تبدو على قدر رفيع من التكنولوجيا، لكنها تفتقر إلى الخبرة القتالية. ومن المرجح أن يتكرر الأداء البائس للقوات الجوية الروسية مرة أخرى مع القوات الجوية لجيش التحرير الشعبي الذي يفتقر مثلها إلى الخبرة في إدارة العمليات الجوية المعقدة. ونرجو ألا تضلل القيادة الصينية نفسها في ما يتعلق بقدراتها ـ على غرار ما فعل الروس ـ وهم يخططون لخطوة مستقبلية ضد تايوان.
10. يرجى أيضا أن تفيق تايوان نفسها وتنتبه إلى الاحتياج للاستعداد للقتال مثلما فعل الأوكرانيون، وترجع إلى التجنيد الإلزامي. فلا تجعلونا انهزاميين قبل الأوان.
11. ستصبح الطائرات المسيرة التركية من السلع الأكثر مبيعا.
12. هزيمة الروس سوف تحقق إمكانية «ميلاد جديد للحرية» وتخرجنا من خوفنا في ظل حالة تدهور الديمقراطية العالمية. سوف تتجدد روح عام 1989 بفضل حفنة من الأوكرانيين الشجعان.
فرانسيس فوكوياما عالم وفيلسوف واقتصادي سياسي اشتهر بكتابه «نهاية التاريخ والإنسان الأخير»، والمقال مترجم عن بيربوس.