كلام فنون: يا صانع صنع لي طيارة
هذا عنوان واحد من أصوات الربوبة المشهورة في مدينة صلالة وفي عُمان، وهو للشاعر والملحن جمعان ديوان (رحمة الله عليه). في الواقع ألحان الربوبة قليلة العدد، ولكن معظم ألحان البرعة إذا ما كان كلها ممكن أن تؤدى على ضرب الربوبة الإيقاعي كنوع من السلفة إن جاز التعبير، ولكن قصيدة الربوبة حسب رواية صديقي العزيز مانع جمعان ديوان «أبياتها قليلة العدد في معظم الأحيان، وتطول عندما يتم إنشاؤها في المساجلات الشعرية»، وهذا خلاف لنصوص البرعة المبنية على قالب النص الحُميني الغنائي في العادة. وأعتقد أن التسمية الشائعة هي تحريف من الكلمة الشحرية/الجبالية «إروت» «إريب» ومعناه: يا رب أو الغناء للرب، وللتمسية في الغناء الشحري الجبالي رواسب ثقافية عربية قديمة، وحسب معلوماتي لا يستعمل الناطقون بالعربية الشحرية من أهل هذا الفن الغنائي الاستعراضي في حواضر ظفار الشرقية إلا الأصل المشار إليه.
صوت ربوبة: «يا صانع صنع لي طيارة» حظي هذه الأيام بشهرة متجددة بعد أن قدمه الفنان المحترم حمزة نمرة على قناة العربي2 بمصاحبة فرقة إيرلندية (حسب معلومات التواصل الاجتماعي)، أعادت الحياة إليه من جديد وإن كانت هذه المرة بطابع عربي/إيرلندي، واستقبل باستحسان ملحوظ من الجمهور العُماني.
هذا الصوت كان قد غناه سفير الأغنية العُمانية الفنان سالم بن علي سعيد، ولكن لم يحظى بتلك الشهرة التي كانت من نصيب صوت «الديرة الشرقية/ ياصولي» الذي غناه في فترة سابقة عندما كان الإنتاج الفني العُماني الرسمي والخاص في أفضل أحواله.
وأتوقع كذلك أن صوت ربوبة: «حبيبي من سافر ما رسل لي مكتوب» لن يكون أقل من سابقيه لو تسنى أدائه من جديد. وقد أثبتت الألحان التقليدية العُمانية عبر الموضوع الوطني قبولًا واسعًا وانتشارًا كبيرًا بين الجمهور العُماني وأن بعض الموسيقيين العُمانيين لديهم رؤية فنية واضحة تجاه ما يختارونه، والمثال على ذلك (لا الحصر) أغنية الفنانة المحترمة نورة النظيرية «شطفة فؤادي». ومتأكد أن عدداً جيدًا من المطربين (ذكورًا وإناثًا) وهم يمتلكون مهارات أداء عالية يستطيعون إحداث فارق مهم في الأغنية العُمانية المعاصرة بكل موضوعاتها المتنوعة عندما تحين فرصتهم. والحقيقة أن الموسيقى تعتمد اعتمادًا كاملًا على أصحاب المهارات العالية في العزف والغناء والتلحين. وفي هذه المناسبة أذكر منهم (لا الحصر) الفنان الشاب مؤيد حبراس حافظ تراث صلالة الغنائي التقليدي وتلميذ الفنان القدير عمر جبران، الذي أتطلع إلى أن يحظيا معًا بعناية من قبل من يهمه أمر هوية الغناء العُماني، علمًا بأن صناعة الهوية الثقافية للموسيقى العُمانية المعاصرة قضية استراتيجية وتحدي تنموي في نفس الوقت نفسه. مع العلم أن أكبر تحدٍ يواجه النشاط الموسيقي المحلي هو قلة عدد العازفين الماهرين على الآلات العربية الوترية والزامرة بشكل خاص.
مناسبة تأليف صوت: «يا صانع صنع لي طيارة» كانت مع إنشاء مطار صلالة القديم (المحطة) في عهد السلطان سعيد بن تيمور -طيب الله ثراه- على ما اعتقد، حيث يبدو لي أن الشاعر جمعان ديوان كانت له مهام عمل هناك، وتطلع إلى أن يسافر بطيارة مع محبوبته يوما ما، بعد أن كان يمشيها في موتر (سيارة).
سوينا محطة في جرزيز.. وجمع الناس فيها مِحتارة
با مشي محبي موتر.. يا صانع صنع لي طيارة
أول تسجيل لهذا الصوت كان في التلفزيون العُماني بصوت الفنان عوض القعيطي والفنان عمر جبران. وفي كتابي بعنوان: «من الغناء العُماني المعاصر دراسة في ألحان سالم بن علي وجمعان ديوان» الصادر عام 2018 عن النادي الثقافي في مسقط، ذكرت أن ألحان الربوبة المعروفة لنا هي الأقل عددًا من بين بقية أنماط الغناء العُماني عامة، وأن أكثرها تداولًا وشهرة الأصوات المذكورة أعلاه وذلك حتى ظهور صوتي الربوبة: «يا حافظ حفظها من ديرة» للشاعر الدكتور مسلم بن محسن المسهلي، والملحن مستهيل كلالي، وصوت «حلوة عُمان» للشاعر يعرب عبدالحميد والملحن ياسر علي نور الدين السوداني المقيم في صلالة، وقد تفوق كل واحد منهم (شاعر وملحن) على الآخر في صياغة هذين العملين الرائعين، وتمكنا من إعادة الربوبة إلى المشهد الفني مجددًا بعد أن كادت تختفي وتقتصر على الألحان القديمة لنصيب أبوسلاسل وجمعان ديوان الذي قال أيضًا معاتبًا الحبيب بقوله: «حبيبي من سافر»:
نساني من قلبه ما درى بي متعوب
حبيبي من سافر مارسل لي مكتوب