كلام فنون.. للعشق فنون
الحديث عن الأغاني العُمانية التراثية وقصصها وحكايتها حديث يستعيد شجون الصلات والجذور الاجتماعية والثقافية العميقة بين مواطني الجزيرة العربية عندما كانت الحدود مفتوحة يرتحل عبرها الشعراء المغنون من جنوبها إلى شمالها، ومن شرقها إلى غربها.
وما أكثر قصص السفر والترحال في الصحاري أو مجاهل المحيط الهندي، ومغامرات البحارة العُمانيين الذين خبروا هذا البحور البرية والبحرية باتجاهاتها الأربعة.
أغنية " يحيى عمر قال للعشق فنون " من بين الأغاني الكثيرة التي كانت ولا تزال ترددها حناجر المغنين في عُمان والجزيرة العربية، وشكلت مع عدد كبير من أغاني القرن السابع عشر القوالب الفنية اللحنية والإيقاعية للغناء العودي في هذه المنطقة، وهذه الأغنية وهي من نوع الختم بسبب شهرتها وانتشارها لا تجد لها نصا واحدا ثابتا كما لا يتفق على ترتيب أبياتها وخاصة في بداية مطلعها الذي يبدأ حسب طريقة ذلك الزمان بالدعاء للنبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام والذي يقول:
يا رب سالك بطه ثم نون
يا رازق الطير في أطناب العشش
وألفين صلوا عدد ما يقرأون
ما حن رعد السماء والمزن طش
وكل من فى المنابر يخطبون
على شفيع الأمم يوم الدهش
سجل الفنان العُماني سالم بن راشد الصوري هذه الأغنية في الأربعينات من القرن العشرين في الهند مع أغنية أخرى من نوع الصوت بعنوان : "يقول خو علوي" وهما أقدم تسجيلات الصوري بل وكذلك أقدم تسجيلات الغناء العودي العُماني حسب علمي، وربما كان ذلك التسجيل السبب في اختيار الصور الفن والتجارة فيه. وتعود هذه الأغنية للشاعر المغني يحيى عمر أبو معجب اليافعي الذي عاش في القرن السابع عشر متجولا من اليمن وعُمان والخليج والهند ..
يحيى عمر قال
للعشق فنون.. ما هو لمن قد تملس وانتقش العشق ما هو بدحراج العيون .. ولا هو لمن يبتلش فيه البلش
بحر الهوى طاح فيه كم من زبون .. ويكون داحق على رأس الحنشويبات يفتك من أثمار الغصون .. زهر البساتين اللي تطلع غبش
ويُعتقد أن الشاعر يحيى عمر يصف أميرة هندية أعجب بها عندما كان يقيم في تلك البلاد ضمن جالية عربية كبيرة. يبرز الشاعر أوصاف تلك الأميرة ومكانتها الاجتماعية، ويصف مسكنها والرفاهية التي كانت تتمتع به، وجمالها الذي سحر العشاق من أهل الهند والسند العرب والأتراك، قائلا:
سلام يا حصن يا عالي الحصون
فيك البنادق وفيك أهل النبش
وبعد يا من جمالك ما يهون
يا سمهري يا هلي حسنك دهشيا
من جعيده له أربع ينزلون
وأربع يلفون جعده لي انتفش
وأربع يطرحون في المبخر دخون
وأربع يرشون له من طيب المرش
وأربع يصفون وأربع يفرشون
وأربع يقربون من طيب المعاش
وأربع على العود له هم ينقشون ..
وأربع يقولون أنت يا سيدي تمش
وأربع مجامل عساكر يحرسون ..
هندي وسندي عد ما لهم دهش
يخضع له الناس لي ما هم يخضعون ..
عربي وتركي وحمادي البوش
ألف صلاتي عدد ما يقرءون ..
وما ركع بالعشية والغبش
لا تزال هذه الأغنية خالدة ومعبرة عن التراث المشترك لأبناء الجزيرة العربية، لهذا من النادر أن نجد من لا يعرفها، أو لم يسمع بلحنها. وهذه الأغنية بكلماتها الظريفة ولحنها البسيط تلقفها المغنون عبر الأجيال وارتحلت من موطنها الأصلي اليمن إلى عُمان والمملكة العربية السعودية والكويت والهند وربما أبعد من ذلك، تحكي قصة من قصص السفر والارتحال لمواطني هذه المنطقة العريقة.