كلام فنون .. في ذكرى رحيل سفير الأغنية العُمانية
يروي لي الفنان القدير سالم بن علي في تسجيل صوتي بتاريخ 14 يناير عام 2017 إن زيارته الفنية الثانية إلى مسقط كانت بدعوة من الشاعر الأستاذ عبدالله بن صخر العامري في 1981، ذلك بعد أن رتب له الأستاذ حماد الغافري مدير الإذاعة بصلالة زيارته الأولى إلى مسقط واللقاء بالعامري سنة 1979م.
والواقع إن الزيارتين مثلتا منعطفا مهما في حياة سالم الفنية.. فهذا هو ولأول مرة يغني بمصاحبة فرقة موسيقية محترفة ويستمع من خلالها إلى أغانيه بأداء آلات موسيقية غير آلة العود. والمعروف إن هذا اللقاء نتج عنه عدد من الأعمال الغنائية ذائعة الصيت في عُمان وخارجها منها على سبيل المثال:
يا ناس ياهل الهوى، أهوى جمال العيون
من يوم خلي رحل، زادت علي الظنون
والكتابة عن سفير الأغنية العُمانية يطول ويتشعب بسبب مكانته في الغناء العُماني المعاصر، والعلاقات الكثيرة التي كان يتمتع بها مع العديد من الشخصيات المؤثرة في عُمان والجزيرة العربية والخليج، والخارطة الجغرافية الواسعة التي كانت يتنقل فيها ملبياً دعوات محبي فنه.. لذلك لا تزال كتاباتنا عنه فيها الكثير من القصور.
وأنا أستعد لإعداد مقالي هذا عن سفير الأغنية العُمانية اطلعت على مقال دسم وعميق للكاتب القدير سليمان المعمري الذي نشره في تاريخ 22 نوفمبر الموعد الذي يصادف وفاة الفنان سالم بن علي رحمة الله عليه. ويسمح لي الكاتب القدير أن أضيف إلى ما كتب ثلاث نقاط مهمة في هذه الذكرى المؤلمة ربما تكون غير معروفة لبعض محبي أبو هشام.
الأولى؛ إن سالم بن علي حمل السلاح فعلا، وربما لصغر سنه في ذلك الوقت لم يكن يُسمح له أن يشارك مباشرة في القتال ويستعان به في الحراسات وبعض الخدمات العسكرية الأخرى. وقد ذكر لي مرة من المرات إنه كاد أن يقتل في واحدة من الليالي عندما أصابت قذيفة المكان الذي كان مناوبا فيه، وربما نجم عن قصف مدفعي أو بسبب هجوم على مقر الفرقة التي كان يعمل فيها.. لا أتذكر الأسباب بالضبط ولكن هذا ما حصل بالفعل، وربما الذين عملوا معه في ذلك الوقت يتذكرون هذا الموقف وغيره من المواقف المشابهة.
الثانية؛ إن سالم بن علي بصعوبة كبيرة قبِل أن يغني من ألحان غيره، وأنا اتفهم هذا المنحى الذي ظل حريصا عليه حتى وفاته. وقد لا يكون سبب تمسكه بألحانه مفهوماً للبعض الذين يعتقدون بأنه ضيع على نفسه فرص التعاون مع ملحنين عرب كبار، ذلك إن منتقديه هنا ينظرون للأمر من زاوية غير تلك التي كان ينظر منها سالم بن علي وهو الذي كان همه الأول جمهوره في الداخل. هو ببساطة لا يرى ضرورة غناء ألحان غيره حتى لو كانت لموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب نفسه طالما قد تفقده الطابع المحلي الذي كان يرتاح له، وهو قد يكون محقا ومنسجما مع نفسه في هذا التوجه، فسالم الملحن تأثر بكبار الموسيقيين العرب ونلاحظ ذلك في بعض ألحانه حيث لعب دوراً ريادياً في تطوير القوالب الفنية اللحنية والإيقاعية وأثرى بألحانه الكثيرة تجربة التلحين في الغناء العُماني المعاصر، ولو ترك أمر التلحين لغيره ما حصلنا على النتيجة التي حصلنا عليها من خلال تجربته هذه.
الثالثة؛ سالم بن علي لم يتغير بعد سابكو وظل بنفس القدرات والمهارات بل إن خبرته تعاظمت في التلحين والأداء الفني وهذا هو الطبيعي في الأمر وهذا ما حصل بالفعل، ولكن الذي تراجع وانسحب هو الإنتاج الفني الذي بلغ ذروته مع سابكو وسالم بن علي. من هنا وإذا كان لنا من نقد سيكون باتجاه الأسباب التي أدت إلى تراجع الإنتاج الفني الرسمي والخاص، واستسهال التخلي عن المبدعين أمثال سالم بن علي القادرين على إحداث الفارق الفني في الغناء والتلحين والعزف..
لقد استمر الفنان سالم بن علي بالنهوض بعمله الفني وقدم روائع الألحان بمصاحبة آلة العود حينا وبعض الأحيان مع آلات موسيقية حسب ما يتوفر له من إمكانيات مالية..
سنظل نكتب عن مطربنا وملحننا الأول سنوات كثيرة، وستظل حياته الفنية تجربة ملهمة للأجيال على مر العصور.