ندوة مسندم قبل 1970 تستعرض الأبعاد الاقتصادية لشبه جزيرة مسندم
- د.عبدالله السعدي: مدحاء قديما أرض خصبة لكثرة الأمطار ووجود الأودية والعيون المائية.
- محمد الشحي: الندوة تقدم للجميع إضاءات رائعة وإضافة قيمة من الرصيد المعرفي المعزز للوعي العلمي بقيمة الإرث الحضاري للمحافظة
- د.محمد السلمان: مسندم ومنطقة رؤوس الجبال ممر تجاري دولي إبّان القرن السادس عشر الميلادي.
- ميسر الكمزاري: التنوع المعماري بالمنطقة في تمازج متناسق ويرجع ذلك للموقع الاستراتيجي المطل على مدخل الخليج العربي المهم منذ الأزل.
- محمد سليمان الشحي: عصا الجرز له دلالات تاريخية وموروث أصيل لمحافظة مسندم.
نظم فرع النادي الثقافي بمحافظة مسندم بالتعاون مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار ندوة بعنوان "مسندم قبل 1970 م - أبعاد تاريخية حول التجارة والصناعة"، وذلك إبرازا للدور التاريخي الكبير الذي مثلته محافظة مسندم بتكوينها الجغرافي وموقعها الاستراتيجي الفريد واعتبارها حلقة وصل بين الشرق والغرب في التجارة البحرية التي تمخر عباب أهم مضائق العالم وهو مضيق هرمز، وسلطت الندوة الضوء على تاريخ حافل من الإنجازات الحضارية، خاصة في مجال التجارة والصناعة ودور الحواضر في تنشيط المجال بالمحافظة.
أدار الندوة محمد بن عبدالله الشحي الذي أشار في افتتاحية الندوة بأهمية الأوراق العلمية التي تتضمنها الندوة والتي تقدم للجميع إضاءات رائعة وإضافة قيمة من الرصيد المعرفي المعزز للوعي العلمي بقيمة الإرث الحضاري للمحافظة والذي يحملنا مسؤولية عظيمة من أجل المضي في مسيرة البحث العلمي الموجه للكشف عن الكنوز التاريخية التي تزخر بها المحافظة، مضيفا أن مشروع دراسة الشخصيات العمانية المشتغلة بالتجارة والصناعة قبل 1970م الذي تنفذه وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار في مختلف محافظات السلطنة يعد من المشاريع الرائدة التي تسعى إلى دراسة الشخصيات العُمانية التي أسهمت في المجالين التجاري والصناعي زمانيا ومكانيا وبيان الدور الحضاري لعُمان من خلال تواصل التجار العُمانيين مع مختلف الشعوب والأمم وإبراز دور التُجّار والصنّاع العُمانيين إعلاميًا وسينمائيًا.
مقومات تجارية
بداية تناول الدكتور عبدالله بن علي السعدي رئيس الفريق البحثي بمسندم لمشروع الشخصيات المشتغلة بالتجارة والصناعة قبل 1970م، تناول التجارة في ولاية مدحاء قبل عام 1970م حيث أشار بأن ولاية مدحاء أو (وادي مدحاء) قديما، هي إحدى الولايات التابعة لمحافظة مسندم تقع في الجانب الشمالي من محافظة مسندم وهي جيب خارجي تحيط به دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة من كل الجهات وتقع بين سلاسل جبيلة، وقبل الحديث عن التجارة لابد من معرفة المقومات التجارية التي جعلت البعض من أهل مدحاء تجارًا وصناعًا إذا تتميز ولاية مدحاء عن باقي ولايات محافظة مسندم والمناطق المجاورة بوجود الأفلاج حيث كانت مدحاء قديما أرض خصبة لكثرة الأمطار ووجود الأودية والعيون المائية - حيث يبلغ عدد الأفلاج ثمانية وعشرين فلجًا.
استيراد وشراء
مضيفا الدكتور عبدالله السعدي بأن وجود هذه الأفلاج ووفرة المياه جعلت من مدحاء أرض زراعية اشتهرت بزراعة النخيل والليمون والمانجو وبعض المزروعات مثل الشعير والبر والذرة والدخن والكثير من المزروعات الأخرى كما ساعدت هذه الزراعة على تربية الأغنام والأبقار والجمال والحمير والدواجن، وقد شكلت هذه المزروعات والأشجار سلعًا تجارية جعلت من أهالي مدحاء يبيعوا ويصدرون إلى الشارقة وعجمان ودبي وخورفكان في دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة بحكم الموقع، ومن بين هذه السلع التي يتم تصديرها وبيعها قبل 1970 م (الذرة والدخن والشعير والبر والفندال والغليون والأغنام والأبقار والسمن والعسل والرطب والتمر والدبس والسعفيات و الدعون و الحبال و الحطب) - كما تم استيراد وشراء بعض المنتجات غير المتوفرة في ذلك الوقت في وادي مدحاء والتي كانت تجلب من الهند وإيران عن طريق دبي والشارقة وخورفكان قبل عام 1970م مثل (الأرز و القهوة والملابس والحلي والمجوهرات و البهارات و الأدوية والعطور والأسلحة).
القوافل التجارية
وتابع السهدي حديثه: "وعندما نتحدث عن القوافل التجارية (المطراش) وهي رحلة سفر تجارية إلى عجمان أو الشارقة أو دبي تستغرق ثمانية أيام ذهابا وعودة في الصيف، وفي الشتاء اثني عشر يوما وهنا يختلف تجارة كل فصل عن الآخر فقد كانت تجارة الصيف تختلف عن تجارة الشتاء ففي فصل الصيف يحمل الرطب والليمون والمانجو والموز مع شيء من السمن والعسل وفي فصل الشتاء تباع الأغنام والأبقار مع شيء من السمن والتمر وفي السوق يباع ما جاؤوا به من سلع ويتزودوا ببعض المشتريات وعن العملات النقدية سابقا قبل السبعين في مدحاء كانت بيزة وبرغش ثم الريال الفرنسي ثم الروبية الهندية ثم ريال قطر ودبي".
ممر تجارة دولي
كما قدم الدكتور محمد حميد السلمان من مملكة البحرين ورقة عمل بعنوان (ملامح اقتصادية حول مسندم في الوثائق البرتغالية والإنجليزية). ألقى فيها الضوء على الأهمية الاقتصادية لمسندم ومنطقة رؤوس الجبال في ممر التجارة الدولي (مضيق هُرمز) إبّان القرن السادس عشر الميلادي اعتمادًا على الوثائق البرتغالية كما عرج إلى مكانة شبه جزيرة مسندم استراتيجياً في الخرائط البرتغالية بين القرنين 16-17 م متطرقا إلى إبراز أهمية بعض التجارة في منطقة (خصب) بمسندم في القرن السادس عشر للميلاد (تجارة التوابل الشرقية)؛ وأهمية تلك التجارة في دعم ميزانية مملكة هُرمز.
كما أظهر الدكتور محمد حميد السلمان في ورقة العمل التي قدمها ملامح مسندم الاقتصادية في خلال الحقبة البريطانية بالخليج بين القرنين 19-20م وذلك من خلال جعلها ميناءً حرًا ومحطة تزويد بالفحم، وموقعا متقدما للتليجراف يخدم القوات البريطانية في الخليج.
توسع التوطن والتمدن
أما الورقة التي قدمها المهندس المعماري ميسر بن علي بن محمد الكمزاري فكانت بعنوان (الشخصيات العمانية المشتغلة بالتجارة والصناعة في محافظة مسندم قبل عام ١٩٧٠ م) وتحدث فيها عن الحواضر والمدن الرئيسية في محافظة مسندم قديما و أثر الحركة الاقتصادية في تنميتها وشواهد من الأبراج والحصون المنتشرة في مراكز القرى بولاية دبا وولاية مدحاء وولاية خصب وولاية بخاء، متناولا الوضع الحضري لمسندم و عوامل الجغرافيا التي ساهمت لتكون مراكز المدن و التجمعات السكانية الرئيسية و موضوع الأنماط المعمارية الموجودة بها واقتصاد البناء في القدم، كما تناول الكمزاري شواهد من الحواضر المدنية في مسندم بنهاية القرن التاسع عشر و دور مراكز المدن المحلية في توسع التوطن و التمدن حيث تم أخذ قرية بخاء القديمة كنموذج لهذه المراكز.
بيت القفل
أما عن النمط المعماري السائد في الجبال فسلط ميسر الكمزاري الضوء على دور المستوطنات الجبلية المنتشرة في أعالي رؤوس الجبال و دورها في الاستقرار الاجتماعي لكونها موردا هاما للمنتجات الزراعية والحيوانية لأسواق المحافظة ومحيطها قديماً كما تناول نموذج السكن المنفرد بها والمعروف باسم بيت القفل و طريقة بناءه و المواد المستخدمة فيه من المحيط المحلي.
تبادل السلع
وقال الكمزاري: "إن السهول الجبلية بقمم الجبال كانت تزرع بمنتجات مختلفة في فصل الشتاء حيث كانت تستخدم لزراعة الحب وكان يصدر إلى مختلف مناطق الخليج في القدم وكانت رافدا مهما لتبادل السلع التي كان يتبادل بها الأهالي مع البضائع المستوردة، كما إن هذه المناطق هجرت بعد اكتشاف السفن ذات المحركات البخارية والتي جلبت القمح و الطحين من أقاصي العالم بقيمة أرخص بكثير في القرن الماضي وجعلت منافسة المنتجات المستوردة تدخل الأسواق وبكميات كبيرة أثرت على المنتج المحلي وهجر العدد الأكبر منها بعد النهضة المباركة لتوافر المدن الحديثة والقرى المتطورة وتوسع الخدمات ومع طول الفترة إلا أن هذه النوعية من المناطق ما زالت يحتفظ كثير منها بشكلها القديم مع تأثرها بعوامل التعرية لكنها ما زالت تعطي لمحة وافية عن الحياة بالماضي".
مسكن مؤقت
كما استعرض المهندس المعماري ميسر الكمزاري نموذج العريش والذي كان ممتدا على طول الشواطئ والقرى البحرية والذي يعتبر مسكنا مؤقتا لأهل الجزر والقرى البحرية والجبلية أثناء نزولهم للحواضر فترة الصيف حيث بساتين النخيل وتوفر المياه و حصاد التمر و يأتي التصميم المنفرد للعريش في مسندم بحيث يكون مرتفعا عن الأرض بما يسمح بالتهوية من خلاله والحماية من الدواب والحشرات و تستخدم مواد البناء من محيط الموقع من جذوع و سعف النخيل ومكن هذا التنوع المعماري بالمنطقة لتعطي مشهدا تحتضن فيه الطبيعة ما صنعته يد الإنسان في تمازج متناسق اكتسبت فيه تنوعها لموقعها الاستراتيجي المطل على مدخل الخليج العربي المهم منذ الأزل.
تكيف الإنسان مع الظروف البيئية
محمد بن سليمان بن علي الشحي المتخصص بالتاريخ استعرض من خلال ورقته قراءات حول دور الصناعات الحرفية في بناء المجتمعات قديما بمحافظة مسندم مشيرا إلى أن محافظة مسندم تقع في أقصى شمال سلطنة عُمان وتطل على مضيق هرمز وهي بمثابة البوابة التي تربط بين الخليج والبحار المفتوحة في بحر عُمان والمحيط الهندي وتضم محافظة مسندم أربع ولايات هي خصب ودبا وبخاء ومدحاء، ومركز المحافظة ولاية خصب وقد استقر الإنسان قديما في المناطق السهلية والجبلية بالمحافظة مطوعا ومستفيدا من مقومات الحياة التي حبا الله تعالى بها هذه المحافظة الأصيلة من صيد بحري وفير وتربة خصبة في السهول ومدرجات قام ببنائها في الجبال ساعدت الإنسان في التكيف مع الظروف البيئية الصعبة من خلال إنتاج زراعي متنوع وقد اعتمد أهالي محافظة مسندم على المياه الجوفية والبرك المائية التي بناها الإنسان في الجبال لري المزروعات والشرب ناهيك عن وجود بعض من العيون في الجبال والسهول ساهمت في تركز السكان.
استخدام خامات البيئة
ومع تقدم الحياة ابتكر الإنسان العماني في محافظة مسندم العديد من الصناعات التي فرضتها عليه مقومات الحياة وبنيتها في المحافظة والتي كانت شاهدا على براعته وإبداعه في ظل ظروف الحياة الصعبة وهنا نقف مع نماذج من هذه الصناعات التي برزت في نيابة ليما برع فيها أهالي الجبال وساهمت في تسهيل أمورهم وبناء الإنسان عرفت في وقتنا الحالي بالصناعات الحرفية وذلك لحرفة صاحبها واعتمداه في عمله على مهاراته الفردية الذهنية واليدوية التي اكتسبها من أجداده وذلك باستخدام الخامات الأولية المتوفرة في البيئة الطبيعية المحلية أو الخامات الأولية المستوردة بحيث يتم التعامل معها في الإنتاج بصورة يدوية أو باستخدام بعض الأدوات البسيطة.
وفرة البيئة الطبيعية
وأضاف محمد بن سليمان بن علي الشحي بأن الأواني الفخارية ومثال عليها أواني الطبخ وملحقاتها والأدوات المصنوعة من الجلود مثل قرب نقل الماء من البرك وغيرها من الأدوات التي اعتمد الإنسان فيها على دبغ جلود الحيوانات والأدوات المصنوعة من شعر الحيوانات كالمنسوجات والحبال والأدوات المصنوعة من السعفيات والتي أخذت حيز كبير من الصناعات الحرفية بسبب وفرة البيئة الطبيعية للمحافظة المرتبطة بزراعة أشجار النخيل المصدر الأساسي لهذه الحرفة وكما اشتهرت أيضا بصناعة الأدوات الخشبية والتي جسدها باب بيت القفل الذي تشتهر فيه المحافظة وأيضا المناديس والشبرية وغيرها من الأدوات وأخيرا نختم هذا التصنيف بأعمال الحدادة والتي مثلت عصا الجرز محورها بما تحمله من دلالات تاريخية وموروث أصيل لمحافظة مسندم.