علماء يقترحون "مسارًا تصالحيًّا" لمواجهة تغير المناخ
أريجون "العُمانية": اقترح فريق دولي من العلماء، بقيادة باحثين من جامعة ولاية أوريجون الأمريكية، خطة رائدة باستخدام مجموعة بيانات فريدة مدتها 500 عام لتحديد "مسار تصالحي" مع كوكب الأرض بهدف التخفيف من العواقب البيئية والاجتماعية الأكثر خطورة لتغير المناخ.
ويركز الفريق من خلال المسار المقترح على العدالة الاجتماعية والاقتصادية إلى جانب الاستدامة البيئية، ليشكّل بذلك نقلة نوعية في معالجة التحديات المناخية.
واتسم مسار البشرية منذ منتصف القرن الـ19 بارتفاع سريع في استهلاك الموارد، ما أثار المخاوف بشأن مستقبل عالمي غير مستدام.
وقال المؤلف الرئيسي لدراسة ويليم ربيل "يمكن إن تؤدي تداعيات أنماط الاستهلاك هذه إذا استمرت، إلى تغير مناخي كارثي وأزمات واسعة النطاق"، مُشيرًا إلى أنّه لمعالجة هذا التهديد الذي يلوح في الأفق تم اقتراح مسار رائد، وهو المسار الذي يُعطي الأولوية للرفاهية المجتمعية على أنماط الاستهلاك المفرط للأثرياء.
وأوضح ربيل أنّ المسار الجديد يعتمد في الأساس على وجود عالم أكثر إنصافًا ومرونة مع التركيز في الحفاظ على الطبيعة كحل طبيعي للمناخ، والرفاه المجتمعي، ونوعية الحياة، والمساواة، وارتفاع مستويات التعليم للفتيات والنساء، والذي يؤدي إلى انخفاض معدلات الخصوبة وارتفاع مستويات المعيشة، والانتقال السريع نحو الطاقة المتجددة.
ويرى الباحثون أن دمج هذا المسار التصالحي في نموذج واحد مع المسارات الخمسة التي وضعتها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، يُمكن أن يحدث فارقًا كبيرًا يحدّ من عواقب تغير المناخ، وأنّ دمج مفاهيم المساواة والتعليم وتكافؤ الدخل يعد جزءًا لا يتجزأ من هذا المسار "ومع إدراك العلاقة بين تغير المناخ والأزمات الاجتماعية الأوسع نطاقاً، ويؤكد المسار على عدم كفاية الحلول التكنولوجية وحدها" بحسب الدراسة المنشورة في دورية Environmental Research Letters.
وكانت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ مجموعة قد وضعت المسارات الاجتماعية والاقتصادية المشتركة، مع تحديد الظروف والمسارات الاجتماعية والاقتصادية المستقبلية المحتملة المختلفة للعالم في ظل التغير المناخي.
وتستخدم هذه المسارات في أبحاث تغير المناخ لاستكشاف كيف يمكن أنْ تُؤثر الخيارات والتطورات المجتمعية المختلفة على انبعاثات غازات الدفيئة، وتأثيرات تغير المناخ، وجهود التكيف، واستراتيجيات التخفيف.
وتوجد 5 مسارات اجتماعية واقتصادية مشتركة رئيسة وهي الاستدامة، ومنتصف الطريق، والتنافس الإقليمي، وعدم المساواة، والتنمية المعتمدة على الوقود الأحفوري.
ويركز مسار الاستدامة على التنمية المستدامة، وزيادة المساواة الاجتماعية، وانخفاض النمو السكاني، وإدارة الموارد بكفاءة مفترضًا التقدم التكنولوجي السريع، والإدارة الفعالة، والتركيز في الحفاظ على البيئة.
ويتخيل مسار "منتصف الطريق" مستقبلًا تستمر فيه الاتجاهات الحالية، دون التركيز على الاستدامة القوية أو التدهور الكبير، ويعكس نموًا سكانيًّا معتدلًا، وتنمية اقتصادية معتدلة، وتقدمًا اجتماعيًّا، مع استمرار التحديات وعدم المساواة.
ويتسم مسار "التنافس الإقليمي" بالتفاوتات الإقليمية العالية، والحكم المجزأ، والنمو الاقتصادي البطيء مع معدلات نمو سكاني مرتفعة، فيما يصف مسار "عدم المساواة" مستقبلًا يتسم بارتفاع مستوى عدم المساواة، إذ يُفيد النمو الاقتصادي والتكنولوجي شرائح محددة من المجتمع، ويفترض النمو السكاني المرتفع، والاستخدام غير المستدام للموارد، والاهتمام البيئي المحدود.
ويعتمد مسار "التنمية المعتمدة على الوقود الأحفوري" على النمو الاقتصادي والتقدم التكنولوجي بشكل كبير على الوقود الأحفوري، مع فرضية ارتفاع الطلب على الطاقة، والنمو السكاني السريع، ومحدودية جهود التخفيف من آثار تغير المناخ.
وأشار المؤلف الرئيسي للدراسة ويليم ربيل إلى أنّ البشرية استخدمت منذ عام 1850 تقريباً موارد الأرض بمعدل متصاعد بسرعة، لذلك فأنماط الاستهلاك العالمية الحالية ليست مستدامة، ويمكن أن تؤدي إلى وفاة الملايين بسبب تغير المناخ الكارثي والأزمات الأخرى.
ورأى أنّ التعامل مع هذا الوضع جاء يؤكّد المسار الذي يدعو إلى الرفاهية المجتمعية بدلًا من الاستهلاك المُفرط من قبل الأثرياء.
ويواجه تنفيذ المسار التصالحي تحديات هائلة، وفقًا لريبل الذي رأى أنّ المصالح الراسخة للدول والأفراد الأثرياء تقف عقبة كبيرة أمام التغيير التحويلي، معتبرًا أنّ التغلب على هذه العقبة يحتاج دعوة إلى التدرج الجذري، وهو نهج يدعو إلى تغييرات صغيرة قابلة للقياس، كمقدمة لتقييم وتعزيز فعاليتها، و هذا ما يمهّد الطريق تدريجيًّا لتحولات نظامية كبيرة".