عمان اليوم

نقص الانتباه وفرط النشاط.. أعراض مرضية تستدعي الوعي والتعامل الفعّال

24 يناير 2025
24 يناير 2025

د. خالد الكلباني: المفاهيم الخاطئة وقلة الوعي تجعل الكثير يعتقدون أنه مجرد كسل

- أخطاء الأهل والمعلمين مثل معاقبة الأطفال أو مقارنتهم بالآخرين تفاقم المشكلة

- التشخيص المبكر مهم لتقديم العلاج المناسب ودعم الطفل في النمو بشكل صحي

يُعد اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط (ADHD) من أبرز الاضطرابات العصبية التي تواجه تحديات كبيرة في التشخيص والعلاج، وهو من الاضطرابات التي تحمل الكثير من المفاهيم الخاطئة وقلة الوعي والتي تؤدي إلى سوء الفهم حول كيفية التعامل مع الأطفال المصابين بهذا الاضطراب، ويعتقد الكثيرون أن هذا الاضطراب يرتبط فقط بتصرفات غير محكومة مثل التشتت المستمر وصعوبة التركيز أو حتى السلوك العصبي، لكن الواقع يختلف كثيرًا عما يظنه البعض.

في هذا الإطار، تحدثنا مع الدكتور يحيى بن خالد الكلباني رئيس قسم الطب النفسي للأطفال والمراهقين بمستشفى المسرة، الذي شاركنا بمعلومات مهمة حول هذا الموضوع، وأوضح العديد من النقاط المتعلقة بـ ADHD، بما في ذلك المفاهيم الخاطئة عنه، وعلاقته بمشاكل سلوكية أخرى، وكيفية التعامل الصحيح مع الأطفال الذين يعانون من هذا الاضطراب.

أوضح الدكتور يحيى أن العديد من السلوكيات التي يمكن أن تكون طبيعية في بعض الأطفال، قد تكون مؤشرًا على وجود اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط (ADHD) تتعرض للتصنيف الخاطئ، ومن أبرز هذه السلوكيات التشتت المستمر، صعوبة التركيز، والتحرك المفرط، والانفعالات المبالغ فيها. يوضح الدكتور الكلباني أن هذه السلوكيات ليست نتيجة عناد أو نقص في الانضباط كما يعتقد الكثيرون، بل هي في الأساس ناتجة عن مشاكل في التحكم بالانفعالات والتركيز، وهي الأعراض الرئيسة لهذا الاضطراب العصبي. لذلك، من المهم أن يدرك الجميع أن هذه التصرفات هي أعراض مرضية وليست سلوكيات غير مرغوب فيها فحسب.

القضايا النفسية

من التحديات الكبيرة التي تواجه تشخيص ADHD هي التفرقة بينه وبين القضايا النفسية أو التربوية الأخرى، ويبين الدكتور يحيى أن ADHD يتسم بوجود سلوكيات تظهر منذ الطفولة المبكرة وتستمر على مدار الزمن، وتتميز هذه السلوكيات بصعوبة في التحكم والتركيز، وتستمر حتى في مرحلة البلوغ إذا لم يتم علاجها، وعلى النقيض، فإن السلوكيات الناتجة عن مشكلات نفسية أو تربوية قد تكون مرتبطة بمواقف معينة مثل ضغوط الحياة أو مشاكل في بيئة المنزل أو المدرسة، وعادةً ما تختفي هذه السلوكيات بمجرد انتهاء المواقف الضاغطة. وبالتالي، فإن الفارق الرئيسي بين ADHD ومشاكل نفسية أو تربوية أخرى هو أن أعراض ADHD تظهر في مجموعة واسعة من المواقف وتستمر لفترات طويلة.

يُعد الاعتقاد بأن ADHD مجرد "كسل" أو نقص في الانضباط من أكثر المفاهيم الخاطئة التي تروج بين الناس، حيث يعتقد البعض أن الأطفال المصابين بـ ADHD يفتقرون إلى الدافع أو الإرادة أو أنهم ببساطة غير مهتمين بما يحدث حولهم. لكن الحقيقة، كما يؤكد الدكتور الكلباني، هي أن هؤلاء الأطفال غالبًا ما يكونون موهوبين وذوي قدرات عالية، لكنهم يحتاجون فقط إلى بيئة تدعم احتياجاتهم الخاصة. ولذا، فإن هذه المفاهيم الخاطئة تؤدي إلى إلقاء اللوم على الطفل أو العائلة بدلاً من تقديم الدعم الكافي للطفل المصاب.

أما على مستوى الفهم العصبي لهذا الاضطراب، فقد أظهرت الدراسات الحديثة أن ADHD لا يتعلق فقط بمشاكل سلوكية، بل هو اضطراب عصبي مرتبط بتغيرات في بنية الدماغ ووظائفه. على سبيل المثال، أظهرت دراسة نشرتها مجلة The Lancet Psychiatry باستخدام تقنيات التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) أن الأطفال المصابين بـ ADHD يعانون من تأخر في نمو بعض مناطق الدماغ المسؤولة عن التحكم في الانتباه والتخطيط، مثل القشرة الأمامية (Prefrontal Cortex)، وهي المنطقة التي تعد أساسية لتنظيم الانتباه، وضبط النفس، واتخاذ القرارات، وحل المشكلات.

إضافة إلى ذلك، أظهرت دراسات أخرى أن الأشخاص الذين يعانون من ADHD يمتلكون مستويات غير طبيعية من الناقل العصبي "الدوبامين"، والذي يلعب دورًا رئيسيًا في تنظيم السلوك والانتباه، هذا النقص في الدوبامين قد يفسر الاندفاع وصعوبة التركيز، بالإضافة إلى فرط النشاط الذي يعاني منه المصابون، وهذه الاكتشافات العلمية تساهم في تعزيز الفهم بأن ADHD ليس مجرد اضطراب سلوكي بل هو اضطراب عصبي حيوي، مما يبرز أهمية التشخيص المبكر والعلاج المناسب لضمان تقديم الدعم الكافي للأطفال المصابين.

أخطاء الأهل والمعلمين

من الأخطاء الشائعة التي يرتكبها الأهل والمعلمون في التعامل مع الأطفال المصابين بـ ADHD هو فرض عقوبات قاسية على السلوكيات غير المتوقعة أو المزعجة دون فهم حقيقتها. في كثير من الأحيان، يعتقد الأهل والمعلمون أن هذا السلوك ناتج عن عدم الانضباط أو الكسل، ما يجعلهم يوجهون اللوم للطفل، كما أن مقارنة الأطفال المصابين بـADHD بأقرانهم الذين لا يعانون من الاضطراب يشكل خطأً كبيرًا، ويؤكد الدكتور يحيى أن هذه المقارنات قد تساهم في تعزيز الشعور بالعزلة لدى الطفل وتزيد من صعوبة عملية علاجه، ويضيف أن العديد من المعلمين يفتقرون إلى التدريب الكافي حول كيفية تقديم الدعم الهيكلي المناسب للأطفال الذين يعانون من ADHD، مما يعيق تطور الطفل ويسهم في تعميق المشكلة.

يُعد التشخيص الدقيق للاضطراب خطوة أساسية في علاج ADHD، ويقول الدكتور يحيى: "إن التشخيص المبكر والدقيق يساعد في توفير العلاج المناسب، ويجنب الربط العشوائي بين السلوكيات العادية والاضطراب"، ويشير الدكتور إلى أن التشخيص يتطلب تقييمًا شاملًا يتضمن التاريخ العائلي للطفل، والملاحظات السلوكية، والتقييم النفسي، واختبارات القدرة على التركيز والتحكم. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يتضمن التشخيص مراقبة سلوك الطفل على مدى فترة طويلة لضمان أن الأعراض ليست مجرد رد فعل لمواقف معينة أو مشكلات عابرة، لذلك، يجب على الأهل والمختصين التحقق من التشخيص قبل اتخاذ أي إجراءات علاجية.

ويُشير الدكتور يحيى إلى أن الأطفال المصابين بـADHD قد يعانون من "الوصمة" الاجتماعية نتيجة التفسير الخاطئ لسلوكياتهم، هذه الوصمة تؤدي إلى تأثيرات نفسية كبيرة على الطفل، مثل تراجع احترام الذات والشعور بالعزلة الاجتماعية والقلق، في العديد من الأحيان، يؤدي سوء الفهم للمجتمع بشأن ADHD إلى أن الأطفال يشعرون أنهم غير مقبولين أو غير قادرين على النجاح مثل أقرانهم، هذا النوع من التأثيرات يمكن أن يخلق عواقب اجتماعية ونفسية طويلة المدى، مثل الاكتئاب أو القلق الاجتماعي، لذلك، من الضروري أن تتم معالجة الوصمة المرتبطة بـ ADHD من خلال تحسين الوعي وتوفير الدعم النفسي للأطفال والأسر.

استراتيجيات التعامل

من الطرق المهمة في التعامل مع ADHD هي إيجاد برامج تدريبية على المهارات الاجتماعية التي تهدف إلى مساعدة الأطفال على التفاعل بشكل أفضل مع الآخرين، ويُوصي الدكتور يحيى بتشجيع الأطفال المصابين بـ ADHD على المشاركة في الأنشطة الجماعية وتعلم كيفية التعبير عن مشاعرهم بشكل مناسب، هذه الأنشطة بدورها يمكن أن تساعد في تعزيز ثقتهم بأنفسهم وتحسين مهاراتهم الاجتماعية، كما يعتقد أن توفير بيئة تعليمية مرنة تلائم احتياجات الأطفال المصابين بـ ADHD هي خطوة أساسية نحو تحسين أدائهم الأكاديمي، فعلى سبيل المثال، قد يحتاج هؤلاء الأطفال إلى فترات راحة متكررة أو تعليم فردي لتحسين قدرتهم على التركيز.

من المشاكل الكبيرة في المجتمع هي التشخيص غير الدقيق لـ ADHD، مما يؤدي إلى تصنيف السلوكيات بشكل خاطئ، ويوضح الدكتور يحيى أن هذا التشخيص غير السليم قد يؤدي إلى تعزيز المفاهيم الخاطئة حول ADHD ويزيد من وصمة العار المرتبطة به، لذلك من الضروري أن يتم توفير تدريب كافٍ للمختصين في مجال الصحة النفسية والتعليم لضمان التشخيص الدقيق والسليم للأطفال الذين يعانون من هذا الاضطراب.

نصائح للأسر

من الأمور الأساسية التي أشار إليها الدكتور يحيى هي ضرورة تحسين الوعي العام حول ADHD،ويعتبر الدكتور أن الحملات الإعلامية التي تركز على توعية الناس حول طبيعة هذا الاضطراب يمكن أن تساهم في تصحيح المفاهيم الخاطئة وزيادة الوعي حول كيفية التعامل مع الأطفال المصابين به. كما يرى أن تنظيم دورات تدريبية للمعلمين والمهتمين بالتربية والأطباء يعد من الطرق الفعّالة لتحسين الوعي حول ADHD وكيفية تشخيصه والتعامل معه.

كما يشدد الدكتور يحيى على أن الأسر يجب أن تكون صبورة ومتفهّمة لأطفالهم الذين يعانون من ADHD، وقد يكون من المفيد أن تتوجه الأسر إلى المختصين للحصول على تشخيص دقيق ومعرفة كيفية التعامل مع الطفل بشكل صحيح، علاوة على ذلك، يُنصح بتحسين مهارات التواصل مع المدارس لتوفير بيئة داعمة للطفل من أجل مساعدته على النمو والتطور بشكل صحيح.

من الأساليب العلاجية الفعّالة للأطفال المصابين بـ ADHD، يشير الدكتور يحيى إلى العلاج المعرفي السلوكي (CBT)، الذي يساعد في تعديل الأفكار السلبية وتطوير استراتيجيات أفضل للتعامل مع التحديات اليومية، حيث يعد العلاج المعرفي السلوكي من أهم الطرق التي تساهم في تحسين قدرة الطفل على التحكم في سلوكياته وزيادة قدرته على التركيز.

أخيرًا، تناول الدكتور يحيى التحديات التي يواجهها الأخصائيون في المجتمعات التي تفتقر إلى الوعي الكافي حول ADHD، وقال: إن قلة الوعي قد تؤدي إلى التشخيص غير الصحيح، مما يؤثر على توفير الدعم الكافي للأطفال والأسر، ولذلك من المهم أن يتم تعزيز الوعي المجتمعي بشأن هذا الاضطراب ليتمكن الجميع من تقديم الدعم المناسب للأطفال المصابين بـ ADHD.

ختامًا، أكد الدكتور يحيى على أهمية توفير بيئة داعمة للأطفال المصابين بـ ADHD، بما في ذلك التشخيص المبكر والدقيق، مع توفير الدعم المناسب لهم في المنزل والمدرسة لضمان تنمية صحية ونفسية للأطفال الذين يعانون من هذا الاضطراب.