كيف يمكن لأولياء الأمور مواجهة تحديات التقنيات الحديثة بأدوات فعّالة؟!
أفاد متخصصون في مجال تقنية المعلومات بأن استخدام التطبيقات والأدوات التكنولوجية لمراقبة استخدام الأطفال أصبح أمرًا في غاية السهولة، خاصة بالنسبة للأهالي الملمين بالتطورات التكنولوجية، وأكدوا أن الرقابة التكنولوجية لا يمكن أن تكون بديلًا كاملًا للرقابة الوالدية، بل يجب أن تكمل كل منهما الأخرى.
ويبقى السؤال: كيف يمكن للأهل تحقيق التوازن بين الاستخدام الآمن للتكنولوجيا وتعزيز القيم الاجتماعية والأخلاقية لدى أطفالهم؟
يتطلب ذلك جهودًا مستمرة وتعاونًا فعّالًا بين الأهل والأبناء لضمان بيئة آمنة وصحية.
سيف بن راشد العيسائي، متخصص في تقنية المعلومات، أشار إلى أهمية فتح قنوات الحوار بين الأهل والأبناء حول الاستخدامات الخاطئة للتكنولوجيا، ورغم انشغال الأبوين، يمكن استخدام التكنولوجيا لتحديد ما يتعرض له الأطفال على الإنترنت، مما يسهل عملية المراقبة.
وأشار العيسائي إلى الأنظمة التي يمكن من خلالها تطبيق الرقابة. على سبيل المثال، في نظام iOS، الذي تعمل عليه هواتف وأجهزة شركة آبل، توجد خيارات للمراقبة الأبوية والحماية من الصور والفيديوهات الحساسة، عند تفعيل هذه الخاصية، يتعرف النظام على الصور والمقاطع المخلة قبل إرسالها أو مشاهدتها على جهاز الطفل، ويقوم بتغبيشها، (أي التشويش عليها) كما تتوفر خيارات أخرى مثل تحديد المواقع والتطبيقات التي يمكن للطفل استخدامها، وحتى الألعاب؛ إذ يمكن منع خاصية اللعب الجماعي وإضافة أصدقاء جدد. كما يمكن للجهاز معرفة الكلمات الفاضحة وتمييزها من الصوتيات والأفلام وغيرها، ومنعها من خلال خيار "قيود المحتوى والخصوصية". بتفعيل رقم سري لهذه الميزة، لا يمكن لطفلك الدخول أو تغيير الإعدادات، كما يتيح النظام تحديد وقت تشغيل الجهاز، بحيث يمكنك تحديد الساعات المسموحة وإطفاء الجهاز بعد الساعات المقررة. أما في أجهزة الأندرويد، فهناك تطبيق "Google Family Link" الذي يتيح فرض قيود عديدة، منها طلب إذن عند محاولة تنزيل أي تطبيق أو الدخول إلى أي موقع من المتصفح، وتتم الموافقة على ذلك من هاتف الوالدين. كما يمكن تحديد وقت عمل الجهاز وإطفاؤه عن بُعد.
وأوضح العيسائي أن هناك العديد من التطبيقات لمراقبة الأجهزة، لكنه لا ينصح بها؛ لأنها تطبيقات طرف ثالث، ولتمكينك من مراقبة جهاز طفلك، يتطلب ذلك منح الوصول وتفعيل الأذونات، مما يمكّن منشئي هذه التطبيقات من الوصول إلى معلوماتك الشخصية مثل الصور وحتى الميكروفون والكاميرا، وهو ما لا يفضله، ومع كل هذه الخيارات، يبقى من واجب الأهل محاورة أطفالهم وتوعيتهم بمخاطر الصور والفيديوهات غير الأخلاقية، ودعمهم بما يعزز راحتهم في الحديث مع الأهل وإخبارهم بما يواجهونه، ليس في الشاشات فقط، بل في حياتهم الواقعية أيضًا.
من جهته، قال سليمان البوسعيدي، متخصص في تقنية المعلومات: "تعد مراقبة الأطفال أثناء استخدام التكنولوجيا أمرًا ضروريًا لضمان سلامتهم ورفاهيتهم، كما أنصح بوضع قواعد واضحة لاستخدام الأجهزة، ومناقشتهم بأهمية الأمن الرقمي والخصوصية، وأوصي باستخدام أدوات المراقبة أو التطبيقات التي تسمح لك بمتابعة الأنشطة على الأجهزة، مثل الوقت المستغرق على التطبيقات والمواقع. بالإضافة إلى تعليم الأطفال كيفية تقييم المحتوى الذي يرونه على الإنترنت، مثل التحقق من المصادر وتجنب المعلومات المضللة، ويجب جعل أجهزة الكمبيوتر والأجهزة الذكية في أماكن عامة داخل المنزل، بحيث يمكن مراقبة استخدامها بسهولة، أوصي الوالدين أن يكونا قدوة حسنة في استخدام التكنولوجيا، حيث يكون لديهما حدود واضحة وتستخدم الأجهزة بطريقة مسؤولة".
تسرد فاطمة الشكيلية، أم لخمسة أطفال، معاناتها قائلة: "منذ دخول التكنولوجيا في حياة أبنائي، لاحظت انغماسهم الشديد في الشاشات، لقد أثار هذا الأمر قلقي، خاصة في عالم سريع التغير في كافة المجالات، وخاصة التكنولوجيا، لقد زادت محدودية معرفتي بعالم التكنولوجيا من صعوبة الأمر بالنسبة لي". وتنهدت وتابعت: "كنت أحاول إشغالهم بأنشطة خارجية، لكن كانت تواجهني دائمًا جملة واحدة تتكرر: 'أمي، هناك لعبة جديدة أريد تجربتها!' على الرغم من محاولتي المستمرة للاطلاع على مخاطر التكنولوجيا وفوائدها، وسؤالي للأصدقاء والأقارب عن التطبيقات والألعاب الأكثر شيوعًا، وجدت نفسي في دوامة من المصطلحات التقنية التي لم أفهمها".
"كانت لحظة التحول عندما أحضرت وجبة العشاء"، هكذا بدأت فاطمة تدخل في التفاصيل. قالت: "لاحظت أطفالي يجلسون في غرفة الطعام، كل واحد منهم منشغل بجهازه الإلكتروني، وأصوات الألعاب والفيديوهات تعلو المكان، لم يكن هناك حديث ولا تفاعل، قررت اتخاذ خطوة تجاه الموضوع، وجلست معهم، وشرحت لهم مخاوفي بشأن التكنولوجيا وأهمية التفاعل البشري، وناقشت الألعاب التي يمكن أن يلعبوها معًا دون الحاجة إلى شاشات، كما اقترحت عليهم إنشاء 'ساعة عائلية' حيث يتركون الأجهزة جانبًا ويتشاركون في أنشطة ممتعة، كان التردد يملأ ملامح وجوههم، لكن مع الوقت بدأ الجميع يعتاد على الفكرة، أصبحوا يلعبون ألعابًا جماعية، ويقرأون الكتب معًا، ويذهبون في نزهات". واختتمت الشكيلية حديثها قائلة: "تعلمت أن الحب والتواصل يمكن أن يتجاوزا أي قلق تكنولوجي، أدركت أنه من المهم أن نكون قريبين من أطفالنا، وأن نكون جزءًا من عالمهم، لكن بطريقة صحية".
واستعرض أحمد المعمري، ولي أمر، تجربته حول كيفية توظيفه للتكنولوجيا لتعزيز القيم لدى أطفاله بدلاً من تهديدهم، وقال: "كان لديّ هدف واضح أن أجعل من التكنولوجيا وسيلة لتنمية شخصيات أبنائي وإثراء تجربتهم الحياتية، أخبرت أبنائي أنه يمكننا استخدام هذه الألعاب كفرصة لتعلم القيم مثل العمل الجماعي والاحترام، ودمج التعليم مع الترفيه. بحثت عن تطبيقات وألعاب تعليمية تعزز القيم الإنسانية، ووجدت الكثير من الألعاب التي تتطلب من الأطفال التعاون لحل الألغاز".
وتابع حديثه: "ابتكرت فكرة وحاولت أن أدمج العمل المجتمعي مع التكنولوجيا، واقترحت على أبنائي أن يقوموا بتصوير مقاطع فيديو حول أعمالهم ومبادراتهم الصغيرة مثل تنظيف حديقة الحارة وغيرها، استخدموا هواتفهم لتوثيق تجاربهم وجمع الفيديوهات في مدونة عائلية خاصة تحت اسم 'إنجاز وفخر'. ومن هنا أصبحوا أكثر وعيًا بأهمية العمل المجتمعي، وكانت هذه التجربة بمثابة درس عملي في القيم الإنسانية".
واختتم المعمري حديثه قائلًا: "من خلال تركيزي على استخدام التكنولوجيا بشكل مدروس، استطعت تعزيز القيم الإنسانية لدى أطفالي وجعلهم أكثر وعيًا، وأصبحت التكنولوجيا أكثر من مجرد وسيلة للترفيه؛ لقد تحولت إلى أداة لتعليم القيم وبناء شخصيات قوية، كما أنه في عالم مليء بالتحديات، أدركت أن التكنولوجيا يمكن أن تكون حليفًا قويًا إذا استخدمت بالطريقة الصحيحة".
من جانبها، أكدت مروة التوبية، ولية أمر، على ضرورة الجمع بين الرقابة الوالدية والتقنية، وقالت: "يجب أن نحدد أوقات استخدام الهواتف وفقًا للفئات العمرية، وتعزيز الرقابة الذاتية لدى الأطفال"، وأشارت إلى أن تعزيز الرقابة الذاتية لدى الأطفال يتطلب مجموعة من الاستراتيجيات الفعّالة، مثل توعيتهم بمخاطر استخدام التكنولوجيا بشكل غير مسؤول، وتحديد قواعد الاستخدام، مثل الأوقات المسموح بها والمحتوى المسموح له، كما أكدت على أهمية أن يكون لدى الطفل هدف من استخدام التكنولوجيا، مثل تعلم لغة أو مهارة جديدة. وأضافت أنه يجب على الأهل توفير بيئة آمنة لأطفالهم لمناقشة تجاربهم على الإنترنت، وتقديم أنشطة غير تكنولوجية مثل القراءة والرياضة والفنون لتقليل الاعتماد على الأجهزة، كما اقترحت وضع تحديات ممتعة تتطلب منهم استخدام التكنولوجيا بطرق إيجابية، مثل إنتاج محتوى تعليمي أو إبداعي.