حارة العقر التاريخية بولاية نزوى
تزخر سلطنة عمان بتراث معماري عريق، عراقة تاريخها، ويشكل هذا التراث المعماري، ثروة وطنية وإرثا حضاريا. وتعتبر الحارات العمانية القديمة- بما تضمه من بيوت قديمة وحصون وقلاع ومساجد- نماذج للمعمار العماني التقليدي، الذي أظهر براعة الإنسان العماني.
والحارات القديمة التي تزدهر بها ولايات سلطنة عمان تقف آثارها شاهدة على حقبة من التاريخ العماني التليد، وتشكل خصوصية مثالية لارتباط المواطن العُماني بأرضه وثقافته الراسخة.
وحديثنا اليوم عن حارة العقر التي تقع في ولاية نزوى بمحافظة الداخلية، والتي تقع إلى جانب سوق نزوى التاريخي والقلعة الشهباء، هذه الحارة التي أصبحت في ليلة وضحاها من مكان آيل للاندثار ومرتع للقوى العاملة الآسيوية إلى مكان يضج بالحركة والحياة وبالأخص أيام الإجازات الأسبوعية والرسمية، كل ذلك بفضل شباب نزوى الطموحين والقائمين على هذه الحارة بأن يجعلوا الزائر لولاية نزوى قبلته الأولى هذه الحارة الجميلة التي أصبحت كذلك، ومما جعل هذه الحارة مكان جذب للزائرين لولاية نزوى تلك المقاهي والنزل التراثية التي تحمل مسميات مختلفه تلبي ذائقة الزائر وتجعله يعيش جوا من الإرث الحضاري.
ومن بين ما تضمه حارة العقر سورها الأثري ومسجدا المزارعة والشواذنة، وسوف نفرد لذلك مساحة خاصة في حديثنا.
سور حارة العقر
من آثار مدينة نزوى الخالدة سور حارة العقر فهو أحد الأسوار العريقة في سلطنة عمان وهو بحق تحفة معمارية نادرة له خصوصياته ومميزاته الهندسية التي ينفرد بها عن بقية الأسوار الموجودة.
وعن تاريخ سور عقر نزوى فإنه كان هناك آثار لسور مندرس بقيت أطلاله بادية ويبدو أن السور القديم تأثر بفيضان الأودية في سنة ٨٥٣ هجرية، ثم أن الإمام سلطان بن سيف بن مالك اليعربي أسس سور العقر بعد خرابه وجعل له مداخل محددة وأبراجا حامية، وفخامة في ارتفاعه وعرضه، فيكون بذلك تأسيس سور العقر الحالي في النصف الثاني من القرن الحادي عشر الهجري. وقد استغرق بنيان السور سبع سنوات بناه، الإمام سلطان متزامنا مع بنيان قلعة نزوى حيث كلف العمال بتشييده.
وقد مر السور بعدد من الصيانات والإصلاحات وهو يحيط بحارة العقر ويبلغ امتداده في حدود كيلو مترين ويعتبر الخط الدفاعي الأهم لساكني الحارة ويتراوح سمك السور بين متر ونصف المتر إلى مترين ويزيد من متانة السور قاعدة صخرية يتراوح ارتفاعها بين نصف متر إلى متر واحد ويتراوح ارتفاع السور من خمسة إلى ستة أمتار.
يحتوي السور على العديد من الأبراج المتصلة به وقيل يبلغ عددها خمسة عشر برجاً وتبلغ المسافة بين كل برجين حوالي ( ۱٥٠-۲۰۰) متر.
ولكل برج من هذه الأبراج تسمية يعرف بها مثل برج المذبحة ويقع على الزاوية الشمالية على الجانب الغربي من السور وبرج مبرزة على الجانب الجنوبي من مسجد الشجبي ويسميه البعض برج بستان قسام، وبرج بلج على الجانب الشرقي على جهة الغرب من سوق نزوى، وبرج العلياء وهو الواقع أعلى من برج بلج، وبرج غوير ويقع في السوق أمام بوابة السوق الشرقي المعروف بسوق الصنصرة وكان السور متصلا مع هذا البرج وليس كما يظهر حديثا بأنه مستقل بنفسه، وبرج السوق، وبرج القلعة وبرج بستان العقر الأول، وبرج بستان العقر الثاني، وبرج الصبخة، الذي يقع جنب صباح الصبخة، وبرج قطعة الطوي، وبرج حارة الزامة، وبرج سكة القبر، وبرج خريص بلج.
وأكثر هذه الأبراج ذات شكل اسطواني وقاعدتها دائرية الشكل ويتراوح قطر قاعدتها من ٤ إلى ٥ أمتار والبعض الآخر مكعب الشكل وقاعدته مربعة الشكل. وعند كل برج يوجد درج مرتبط بالسور وظيفته تسهيل مهمة العسكر في الصعود والهبوط إلى السور أثناء فترات الحراسة في الأبراج.
كما يحتوي السور على أربعة مداخل أو بوابات وهي المنافذ الوحيدة لساكني الحارة تعرف هذه المداخل باسم صباح وهي صباح أبي المؤثر في الجهة الجنوبية وصباح الشجبي في الجهة الغربية وصباح السوق في الجهة الشمال شرقية وصباح الصبخة في الجهة الشرقية ويوجد على كل بوابة حارس يقوم بعملية التنظيم.
وأشار وكلاء سور العقر وهما ناصر العبادي وسليمان السليماني إلى أن السور أعيد بناؤه مرة أخرى في هذه الفترة، ووصلت تكلفة البناء أكثر من ٣ ملايين ريال عماني للمسافة المنجزة ٧٠٠ متر من إجمالي طول السور ٢ كم.
مسجد مزارعة بني في القرن الثالث الهجري
يقع هذا المسجد على هضبة مرتفعة في حارة العقر بولاية نزوى، وللدخول إلى المسجد من حارة العقر تصعد من الدرج إلى فناء المسجد الخارجي. المسجد ذاته لم يتغير، في عملية الترميم جدرانه وأعمدته ومحرابه ومرافقه، تتعاقب الأجيال على هذا الصرح العريق، حاملين أمانة الله إليه، وملبين نداء التوحيد فيه، ولا تزال كل قطعة فيه، وكل شبر في مساحاته المحدودة، مشحونة بعبق الأزمان الماضية، ولا تزال سراياه الدائرية تحمل تواقيع الأوائل، وأحاسيسهم وانفعالاتهم بما يحدث في أزمانهم. أدخل المسجد وأقف في صرحه الخارجي، فناء فسيح من جهتي الشرق والشمال، ومن حوله تلوح أطلال حارة العقر الأثرية، بحصونها وقصورها وشرفات منازلها، وبأسوارها وبواباتها وبساتينها التي تحفها من جهات مختلفة، الحارة أنموذج للمدن القديمة. وأقف أتأمل الجدران، والمزاريب الفخارية وهي تسكب الماء في مواسم الغيث، وأرى عراقة المكان بعيني في كل ناحية، وأقلب بصري في أنحاء المسجد من الداخل، السَّواري كما هي لم تتغير، والجدران ملونة بالكتابات التي توثق الأحداث التاريخية المنصرمة، وآخر ترميم له أكثر من نصف قرن هجري وذلك بتاريخ الخامس من شهر شعبان عام 1371هـ، في عهد الإمام الرضي محمد بن عبدالله الخليلي- رحمه الله- ومحراب المسجد متواضع، أما الترميم الحالي الذي قام به وكلاء المسجد ناصر العبادي وسليمان السليماني وعبدالله الإسماعيلي.
ولفت انتباهي صانع المحراب الذي نحت آية (إنما يعمر مساجد الله..) في أعلاه، محاطة بشريط من الزخرفة الجصية لأشكال هندسية متناسقة.
تم تسقيف المسجد بخشب الكندل ويعتبر من أوسع المساجد في حارة العقر.
مسجد الشواذنة
يقع هذا المسجد بحارة العقر بني في العام السابع الهجري وكان آخر مرة أعيد بناؤه وترميمه فيها عام 936 هجري، الموافق 1529م يشير إلى ذلك محرابه الذي يمثل روعة في فن الزخرفة والإتقان الفني وهذا المسجد كان بمثابة صرح علمي تخرج منه الكثير من العلماء والأدباء والمفكرين وتتلمذ فيه الكثير من الفقهاء الذين كانوا مصدر إشعاع في الأرض العمانية ولا يزال هذا المسجد عامرا بالصلوات وآخر ترميم له كان على نفقة وزارة التراث سنة 2003 م.
وكانت لنا وقفه مع ناصر بن عبدالله العبادي وهو وكيل حارة العقر وأحد القائمين على تطويرها ووكيل وقف لمسجد المزارعة وسور العقر ليشير في كلمته عن خطتهم التطويرية لحارة العقر فقال: لا يزال العمل قائما في تطوير حارة العقر ففي كل فترة هناك شيء منجز سواء أكان نُزُلا أو مقاهي أو أي نشاط أو حركة تُضفي على جمالية المكان ومن الأمور التي نخطط لها هي ربط الحارة بالطريق والمسار الجديد المقترح القادم من مسجد الإمام الوارث بن كعب حتى مواقف السوق، وأيضا منع دخول السيارات الخاصة باستثناء سيارات الأهالي ساكني الحارة وما جاورها، ضرورة وجود جهات أمنية تقوم بتنظيم حركة الداخلين إلى الحارة وذلك لدواعي تستدعيها، وبعث رسالة للسائح الأجنبي مفادها (محافظة العماني على هويته وأصالته بموروثه)، وإيجاد مرفق صحي لإسعاف الحالات المستعجلة سواء كانت مشروعا حكوميا أو مشروعا خاصا، وإيجاد حراك تسويقي تشاركي وتكاملي لتفعيل أدوات الجذب السياحي، وإضافة صبغات جمالية على طرق الحارة كتشجير وتجميل المواقع الممكنة، واستبدال الإسفلت بالقطع الصخرية المسماة (الصلافا) لتكون فرشا أرضيا على طريق الحارة، والاستعجال في استكمال ترميم سور العقر باعتباره الأداة الأهم في الجذب السياحي والترويج السياحي في الحارة والمنطقة.