عمان اليوم

اهتمام العمانيين بتدوين وتوثيق ممتلكات الأفلاج نابع من قيمتها الاجتماعية والاقتصادية

20 أغسطس 2021
حوار الذكريات والتاريخ مع الباحث محمد السيفي أمين نسخ أفلاج نزوى:
20 أغسطس 2021

حاوره – أحمد الكندي:

اهتم العمانيون منذ القِدم بموضوع التوثيق وتدوين الأوراق التي تشمل عمليات البيوع والشراء والمتاجرة وذلك حفظاً لحقوق الناس على مدى السنين ولتكون هذه التدوينات مرجعاً في حالة الاحتياج لفض نزاع أو خصومة أو عقد صلح؛ ومن بين التدوينات التي لقيت اهتماماً كبيراً تدوين تقسيم مياه الأفلاج بين مُلّاكها أو الأوقاف وبيت المال وذلك مردّه إلى اهتمام العمانيين بنظام الأفلاج وتقسيماته بين المشتركين في الفلج الواحد؛ وفي مدينة نزوى ومنذ بدء دولة اليعاربة بدأ تدوين ممتلكات أفلاج الولاية وعمليات بيعها وشرائها ووقفها في دفاتر خاصة سُمّيت بالنُّسخ يتم الاحتفاظ بها ونقلها من جيل إلى جيل للمحافظة عليها وتدوين كل ما يستجد بشأن الأفلاج حيث تُعهد إلى «أمين النسخة» مهمة التدوين وضبط الحقوق وغيرها من الأمور المتعلقة بالأفلاج.

الحديث التالي مع الباحث محمد بن عبدالله بن سعيد السيفي أمين نُسخة أفلاج ولاية نزوى الذي استلم هذه المهمة منذ عامين تقريباً ضمن سلسلة توارثها أجداده بنو سيف منذ قديم الزمن حيث يأخذنا في حديث ذي شجون حول أصل النسخ وبدايتها وأهميتها من جميع النواحي بالإضافة إلى تعريف الجيل الجديد بهذه النسخ وبأدوار أمين النسخة والجهود المبذولة لإبقائها وعمليات التدوين التي تتم فيها فكان هذا الحوار.

في البداية تحدّث السيفي عن أصل عمليات النسخ فقال هي عملية قديمة حيث اهتم العمانيون كثيراً بعمليات التدوين كون الأفلاج جزء من الحياة والاقتصاد والحياة الاجتماعية، وهي عملية مكملة للاهتمام بالأفلاج من كل النواحي وجاء النسخ لحفظ الناس والأوقاف وبيت المال؛ ولا يعرف تاريخ محدد لبداية النسخ والأكثر أنها قديمة جداً حيث توجد بعض الوثائق والنصوص قبل العام 1015 هـ؛ وأما التدوين الحقيقي فقد بدأ من قيام دولة اليعاربة عام 1034 هـ نظراً للاهتمام المتزايد بكل جوانب الحياة الاجتماعية حيث توسّع مفهوم التدوين ليشمل جوانب مهمة من حياة العمانيين فهناك توثيق للممتلكات التي تخص المساجد والحارات والأسواق والأوقاف وبيت المال مع تنامي الاهتمام بجوانب التاريخ الأخرى وزيادة المخطوطات؛ عقب ذلك تطوّر العمل وتقنّن بتخصيص وكيل أو أمين نسخة لكل نوع من أنواع الوقف يقوم بالتدوين فظهرت نُسخ أوقاف المساجد والأفلاج وبيت المال والأسواق حيث يقوم الوكيل أو أمين النسخة بتدوين عمليات البيع والشراء والهبات والوقف حيث روعي اختيار أمين النسخة من المتعلمين والفقهاء كما أنها انتقلت ضمن سلسلة بين القبائل فبدأت بقبيلة بني مداد ثم السليمانيين بعدها بني عبّاد «العباديين» ثم أخيراً إلى بني سيف «السيفيين» وما زالت مستمرة ضمن هذه السلسلة.

مرجع تاريخي

وتحدّث الباحث محمد السيفي باستفاضة عن أهمية وجود النسخ الخاصة بالأفلاج حالياً فقال: إن لهذه النسخ أهمية كبيرة وقيّمة فهي مرجع تاريخي للكثير من القضايا والأحكام ومن بين جوانب أهميتها حفظ حقوق الأوقاف وبيت المال في المقام الأول حيث دُوّن منها أكثر من خمسين نوعاً من أنواع الوقف وتقسيم مصارف ريع هذه الأوقاف في وجوه البر كالمدارس القرآنية والمساجد وفطرة رمضان وطلبة العلم والمحتاجين؛ أما الفائدة الثانية فهي حفظ حقوق الناس وأملاكهم حيث إن هذه الأملاك مُدوّنة في النسخة حتى لو غابت الوثيقة الأصلية لدى صاحب الملك كما أن هذه النسخ لها أهمية اقتصادية من خلال عمليات البيع والشراء والمتاجرة ومعرفة قيمة الماء وأهميته ورسالة للجيل الحالي للحفاظ على هذه الثروة والاعتناء بها كما أن النسخ تبين تسلسل العملات المستخدمة قديماً وحديثاً حيث نجد تدوينات بالقرش والبيسة والدرهم والروبية والريال السعيدي ثم أخيراً الريال العماني حيث يمكن معرفة نوع العملة السائدة في كل عصر من عصور الحياة؛ وللنسخ أهمية كذلك في معرفة الأنساب والقبائل حيث تُظهر تسلسل الأسر وتعتبر مرجعا للكثير من الناس والمهتمين بالأنساب كذلك معرفة أماكن وجود الفقهاء والعلماء من خلال تدوين الاسم والمسكن في الصفحات المخصصة للبيع وأخيراً في النسخ وجود الإشارة إلى أحكام قضائية وتشريعية حيث يتم تدوين أي فصل حكم أو صلح ضمن الوثيقة ويشار إليها بوضوح، وهذا موضوع له أهمية كبيرة حيث يُعتد به في حالة وجود خصومة أو نزاع حتى في الوقت الحالي؛ وقال: إن النسخ حالياً يعد مرجعا لكثير من الجهات من بينها مكاتب الولاة أو دوائر الكاتب بالعدل أو المحاكم الشرعية كما يرجع إليها البعض في حالة وجود إشكاليات في توزيع المواريث والاستفادة مما تم تدوينه في فض المنازعات والخلافات ورغم تقدّم السلك القضائي إلا أن النسخة ما زالت لها أهميتها ودورها في إثبات ملك الفلج حيث لا يعتد بأي مستند يخص البيع والشراء إذا لم يتم توثيقه والإشارة إليه في النسخة.

آلية التسجيل

وعن آلية التسجيل في هذه النسخ قال أمين نُسخ أفلاج نزوى: أمين النسخة يكون في عهدته السجلات الخاصة بكل فلج ويأتي البائع والمشتري إليه مع وجود الإثبات والشهود، وتتم عملية المناقلة بين الأملاك أو من خلال الهبات وجرت العادة أن لكل شخص مكانا محددا في النسخة حسب كمية أملاكه فمثلاً هناك من له صفحتان والبعض نص صفحة أو أسطر ولا يتم تدوين أملاك الشخص الواحد في أكثر من موضع وذلك لسهولة الرجوع إليها وفي حالة امتلاء الصفحة يمكن التدوين في الهوامش، كما أنه في حالة إضافة أي أملاك أخرى للشخص تضاف أسفل أملاكه السابقة وفي نفس المكان أما في حالة البيع يتم الإشارة إليه في الصفحة وفي صفحة المشتري وعند بيع الشخص لكافة حصته يتم كتابة عبارة «لا ماء له» وهي تفيد بعدم امتلاك الشخص لأي نسبة من الماء.

وأوضح السيفي أن بعهدته حالياً مجموعة من النسخ للأفلاج بالولاية ومن أهمها نسخة فلج دارس ونسخة فلج الغنتق إضافة إلى أفلاج ضوت والخوبي والسعالي وأبو حمار والدنين وفلج عين شجب بالإضافة إلى نسخ فلجين مندثرين هما فلج المحيدث وفلج أبو حبينة مشيراً إلى أن أفلاج نزوى تعتبر الأكثر حصراً وتوثيقاً من سائر الأفلاج الأخرى بالولايات علماً بان الأفلاج السابقة هي التي تقع في المدينة دون الإشارة إلى أفلاج القرى الخارجية وأفلاج نيابتي الجبل الأخضر وبركة الموز حيث إن لها نُسخ خاصة بها لدى أمناء آخرين.

أقدم النسخ وأحدثها

وعن أقدم النسخ الموجودة حالياً والتي لا تزال باقية أوضح أن هناك نسخة فلج الغنتق حيث تُشير الصفحة الأولى منها إلى بدء التدوين في العام 1189 هـ أي قبل 254 سنة وما زالت موجود ومرجعاً للكثير من الناس فيما تعد نسخة فلج دارس التي نُدوّن بها حالياً الأحدث حيث بدأ التدوين بها في 21 ربيع الأول العام 1367 هـ أي قبل 77 عاماً وهي نسخة مُحدّثة بدأ التدوين بها بأمر الإمام محمد بن عبدالله الخليلي وقام بتدوين صفحتها الأولى الشيخ منصور بن ناصر الفارسي بحضور جمع من صلحاء البلاد وفقهائها، كما هو مدوّن وهم سعيد بن ناصر السيفي وأحمد بن ناصر السيفي ويحيى بن عبدالله النبهاني ومحمد بن سالم بن خلفان السيباني وعبدالله ومحمد أبناء أحمد بن عامر العبادة وكلاء النسخة السابقة حيث يتم التحديث بأمر من الإمام وبطريقة رسمية وبحضور علني حفظاً لحقوق الناس.

أفكار تطويرية

وانتقل محمد السيفي في جنبات الحوار إلى الأمور التطويرية خاصة بعد الطفرة التكنولوجية والتقنية في هذا الجانب فقال: إن النسخ الموجودة كثيرة وبحاجة إلى جهد كبير للحفاظ عليها وبدأنا في الفترة الماضية في ترميم بعض النسخ بجهود شخصية ومساندة من بعض أصحاب الخير عن طريق شركة متخصصة للحفاظ عليها من تقلبات الزمن ولتكون مخطوطات نادرة، ولكن الأمر يتعدّى ذلك فلدي طموح إعادة كتابة النسخ إلكترونياً ثم الانتقال للكتابة بعد ذلك فيها لسهولة الرجوع إليها والتعديل فيها كما أن من ضمن أفكاري تبويب النسخ بحسب حروف الهجاء لسهولة العثور على ملّاك الفلج سواءً من المواطنين أو من المواقيف والمساجد، كما أناشد الجهات المعينة بالمخطوطات والوثائق سواء هيئة الوثائق والمخطوطات الوطنية بالسلطنة أو الأفراد والشركات المهتمة والمختصة بهذا الجانب لأرشفة هذه النسخ إلكترونياً لتكون مرجعاً سهلاً على مر السنين المُقبلة فأمين النسخة أو العهدة شخص متطوّع قد يأتي يوم يتخلّى فيه عن هذه المهمة خاصة مع تزايد أعباء الحياة؛ فطموحي هو الحفاظ على النسخ بصورة رسمية خاصة النسخ القديمة التي لا يُكتب فيها حالياً فهي إرث كبير من الواجب الحفاظ عليه.

مفاهيم خاصة بالأفلاج:

عند نهاية حوارنا أوضح لنا الباحث محمد السيفي بعض المصطلحات والمفاهيم المتعارف عليها في تقسيم الأفلاج حيث يتم تقسيم الفلج في اليوم إلى 48 أثر أي أن كل أثر مدته نصف ساعة والأثر مقسّم إلى 24 قياس والقياس دقيقة و15 ثانية حيث تدوّن الحصص بالآثار والقياسات وليس بالدقائق فمثلاً شخص يمتلك أثر وثمان قياسات فإن حصته أربعين دقيقة وهكذا، أما المصطلح الآخر فهو البادّة وهي عبارة عن 24 أثر أو نصف يوم والوكيل هو المتحدّث باسم الفلج والراعي لمصالحه أما العريف فهو الذي يقوم بمتابعة تقسيم الفلج على المُلّاك طوال اليوم والدلّال هو من يقوم بعملية المزايدة على قيمة الفلج في حالة البيع وأخيراً دورة الفلج وهي مختلفة من فلج إلى فلج ويعتمد فيها على العرف السائد فبعض الأفلاج دورته ثمانية أيام وبعضها عشرة أيام والبعض 14 يوما وهكذا.