No Image
عمان العلمي

ماذا يمكن أن يخبرنا الدجاج عن التأثير البشري على كوكب الأرض ؟

18 يوليو 2023
18 يوليو 2023

إذا قررت أجيال المستقبل، أو كائنات فضائية مثلاً، بعد 500 ألف سنة، إجراء حفريات وأعمال تنقيب بحثاً عن آثار ماضي البشرية، فستكون عظام الدجاج التي ستعثر عليها مؤشراً مذهلاً إلى التغييرات الفجائية التي شهدها العصر الحالي.

هذا هو الاستنتاج الذي توصل إليه العلماء الذين وثقوا انطلاق حقبة الأنثروبوسين الجيولوجية الجديدة التي تُحدَّد نسبة إلى التأثير البشري على الكوكب والذي شهد تغييرات سريعة وجذرية في أنظمته الطبيعية خلال القرن الفائت.

وتمثل آثار أخرى مذهلة ظاهرياً بصورة أكبر مؤشراً إلى هذا الانقسام، ومنها الارتفاع المفاجئ في ثاني أكسيد الكربون أو الميثان، والسقوط الإشعاعي من الاختبارات النووية، والجسيمات البلاستيكية الدقيقة الموجودة في كل مكان، وتطور الأنواع الغازية.

إلا أنّ عظام الدجاج هي من بين أكثر المؤشرات الدالّة على التأثير البشري على الكوكب، وبأكثر من طريقة.

فبدايةً، كان البشر من ابتكر تناول الدجاج ... وتؤكد عالمة الجيولوجيا «كاريس بينيت» التي أعدّت دراسة تتمحور على هذا الموضوع، أنّ «لحوم الدجاج الحديثة لا يمكن التعرف عليها مقارنة بلحوم أسلافها أو نظيراتها البرية». وتضيف إنّ «حجم الجسم وشكل الهيكل العظمي وكيمياء العظام مختلفة كلها بين الدجاج الحديث وذلك القديم».

وبعبارة أخرى، يمثل الدجاج الحديث دليلاً على قدرة الإنسان على إحداث تغييرات في الطبيعة.

ويعود أصل هذا الدجاج إلى أدغال جنوب شرق آسيا حيث أصبح الديك البري (غالوس غالوس) أليفاً قبل نحو ثمانية آلاف سنة.

ولطالما كان هذا النوع مرغوباً للحمه وبيضه، لكنّ عملية تحوّله المتسارعة حتى يصبح النموذج المنتشر في المتاجر بمختلف أنحاء العالم لم تبدأ إلا بعد الحرب العالمية الثانية.

ويقول الأستاذ في علم الأحياء القديمة لدى جامعة ليستر يان زالاسيفيتش إنّ «التطوّر عادة ما يستغرق ملايين السنين، ولكن في هذه الحالة استغرق إنتاج شكل جديد من الدجاج بضعة عقود فقط».

وترأس هذا العالم فريق العمل المعني بالأنثروبوسين والذي خلص إلى أن هذه الحقبة الجيولوجية أتت في منتصف القرن العشرين بعد العصر الهولوسيني الذي بدأ قبل 11700 عام في نهاية العصر الجليدي الأخير.

أثر واضح

ويشكل وجود الدجاج في كل مكان دليلاً آخر على تأثير البشر على الكوكب، فأينما وُجد البشر رُصدت بقايا لمصدرهم المفضل من البروتين الحيواني.

وتشير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة إلى أنّ العالم يضم نحو 33 مليار دجاجة، فيما تتخطى الكتلة الحيوية للدجاج غير البري تلك الخاصة بكل أنواع الطيور البرية مجتمعةً بثلاث مرات.

ويُقتل يومياً ما لا يقل عن 25 مليون دجاجة لتُحوَّل لحومها إلى دجاج تيكا في البنجاب و أطباق ياكيتوري في اليابان وياسا في السنغال أو ناغتس في مطاعم «كاي اف سي» وماكدونالدز وغيرها في العالم أجمع. وعلى عكس لحوم البقر أو الخنازير التي تحرّمها بعض الأديان، يُستخدم الدجاج بشكل شبه عالمي.

وتقول بينيت التي تخلت عن دراستها الجامعية وانضمت إلى جمعية الرفق بالحيوان «بيتا» إنّ «الدجاج هو مؤشر لكيفية تغير محيطنا الحيوي الذي بات يهيمن عليه راهناً استهلاك الموارد واستخدامها لصالح البشر».

وتخلص إلى أن «الكتلة الهائلة من عظام الدجاج المرمية في العالم ستترك أثراً واضحاً في التحليلات الجيولوجية المستقبلية».

حقبة جيولوجية جديدة

وعلى غرار الدجاج، اختيرت بحيرة كراوفورد الواقعة قرب تورنتو في كندا لتكون المرجع العالمي لبداية حقبة الأنثروبوسين، العصر الجيولوجي الجديد الذي بدأ عنده التأثير البشري الهائل على الكوكب والذي يدفع العلماء باتجاه انتزاع اعتراف رسمي به.ورأت مجموعة العمل المعنية بالأنثروبوسين أنّ الترسّبات في قعر هذه البحيرة الصغيرة البالغة مساحتها حوالى كيلومتر مربع واحد تشكّل أبرز مثال على آثار النشاط البشري على الكوكب.

وتتراوح هذه الترسّبات من اللدائن الدقيقة (مايكروبلاستيك) إلى الملوّثات الكيميائية الأبدية، مروراً بالأنواع الغازية وغازات الدفيئة، والرماد الناتج عن احتراق النفط والفحم الحجري وبقايا الانفجارات النووية.

لكنّ التأكيد الرسمي من جانب السلطات الجيولوجية العالمية بأن الأرض قد خرجت من الهولوسين، وهي حقبة بدأت قبل حوالى 12 ألف عام في نهاية العصر الجليدي الأخير، ودخلت فعلاً في حقبة التأثير البشري (الأنثروبوسين)، ليس مضموناً البتة.

وقال ستانلي فيني، الأمين العام للجنة الدولية لطبقات الأرض التي لا يزال يتعين على المجموعة أن تقدّم لها خلاصات عملها الذي بدأته عام 2009، لوكالة فرانس برس، إن «هذا التصويت داخل مجموعة العمل خطوة روتينية على أدنى مستوى».

وأضاف العالِم الذي يقود اللجنة المسؤولة عن التقسيم المنهجي لتاريخ الأرض الممتد على 4,6 مليارات سنة إلى عصور وفترات وعهود وحقب جيولوجية، إنه عندما ترفع المجموعة خلاصاتها إلى اللجنة الدولية لطبقات الأرض، «يمكن إخضاعها لتحليل من علماء آخرين ما يتيح تقويم الأدلة والحجج بصورة فعلية».

والانطباع السائد يشير إلى صعوبة كبيرة في هذا المسار، إذ يعتقد بعض الجيولوجيين المشهورين أنه لم يتم استيفاء المعايير التقنية المطلوبة لتوصيف الأنثروبوسين على أنه «حقبة» جديدة، رغم إقرارهم بحدوث تغييرات جذرية خلال القرن الماضي.

وكالة فرانس برس العالمية.