الروبوتات شبه البشرية ستغزو الفضاء
ترجمة: أحمد شافعي -
أقف الآن أمام أحد أكثر الروبوتات تقدما في العالم مذهولا من شكله شبه البشري. يشبه جزئيا ترانسفورمر ويشبه جزئيا جندي العاصفة في حرب النجوم وله أيدٍ يبدو كأنها قادرة أن تحطم علب المشروبات، طوله 180 سنتيمترا ويزن 120 كيلوجراما، وهذا هو روبوت فالكير المخيف التابع لوكالة ناسا.
لكن الوجه هو أكثر ما يذهلني. فحيثما يجب أن توجد العينان والفم والأنف، ثمة تجويف مليء بأجهزة استشعار تدور وتومض، ومن بينها أجهزة كشف الضوء التي تمنح الروبوت رؤية للعالم ثلاثية الأبعاد وتترك عنه انطباعا أكيدا بأنه لا مجال عنده للمزاح.
ويليق هذا به، لأنه في حين تستهدف التطورات العصرية الراهنة في مجال الذكاء الاصطناعي -من قبيل تشات جي بي تي- أتمتة العمل والإبداع في المكاتب، فإن صناع فالكير أكثر تركيزا على الوظائف التي تمثل خطورة فائقة على البشر، سواء على كوكب الأرض أو في الفضاء في يوم من الأيام.
لدى ناسا خمسة من روبوتات فالكير موزعة في العالم، والذي أزوره اليوم موجود في منشأة كاردا في بيرث بغرب أستراليا، وهو معمل مملوك لشركة إينرجي العاملة في مجال النفط والغاز. وبما لهذه الشركة النفطية العملاقة من بنية أساسية بحرية ضخمة، فإنها تمثل شريكا جيدا في استكشاف كيفية إرسال الروبوتات شبه البشرية إلى بيئات صعبة لإتمام مهام خطيرة.
تقول جابرييل بينوك من وودسايد إن الذراعين لدى فالكير -الذي تسميه (فال) مثل بقية الفريق وتشير إليه بضمير المؤنث (هي)- والساقين والحركات المعقدة مثيرة للإعجاب بصفة خاصة.
وتقول بينوك إن «هذا أمر فريد في حالة فال، وأعتقد أنها ربما تكون الأكثر تعقيدا من حيث التكامل الرقمي في أنظمتها، وتكنولوجيا الاستشعار، وهذا المستوى من التعقيد. لا أعتقد أننا نرى مثل ذلك حقا في أي من منصاتنا الروبوتية الأخرى».
تم اختبار قدرات فالكير في منشأة كاردا لكي يتمكن الباحثون من معرفة ما الذي يتطلبه إرسال روبوت إلى منشآت بحرية أو إلى الفضاء.
في البداية، اكتفيت بالمشاهدة إذ يتم التحكم في الروبوت من خلال الواقع الافتراضي، فيسير ويدور وينحني في ثبات. ومع ذلك لاحظت أحزمة متدلية من رافعة علوية. ففي ظل التكلفة المعتدلة التي تتجاوز مليوني دولار لا ترغب ناسا في أن تنكفئ فالكير.
ثم حان دوري، يناديني أحد أفراد الفريق ويزودني بجهاز الواقع الافتراضي. أفتح عيني وإذا بالغرفة أمامي قد تحولت إلى صورة رقمية للمختبر، يمكنني أن أرى فالكير أمامي في صورة رقمية، وعلى الأرض شكل سداسي طولبت بالمشي إليه. ولا أكاد أقف فوق المسدس حتى يبدو وكأن جسدي امتزج بجسد الروبوت. تصبح ذراعاه ذراعيّ وكل ما بي يندمج به. وفي كل يد من يدي أمسك بجهاز تحكم يخرج منه في الفراغ الرقمي شعاع أشبه بالليزر يشير إلى السقف.
يوجهونني إلى أن أنطق الأمر لأجعل فالكير تحت سيطرتي. لكن لأن اسم فالكير مأخوذ من الأساطير الإسكندنافية، فإنني أفهم خطأ أن أندرو شيري -مهندس الروبوتات في شركة وودسايد- يطلب مني أن أقول «ثور Thor» [وهو أيضا اسم شخصية من الأساطير الإسكندنافية]، في حين أنه كان يقول Thaw أي «أذِب التجمد». استغرقت بعض الوقت حتى فهمت الخلط.
بنطقي للأمر، يبدو وكأن الروبوت يفيق، وذلك إحساس يصفه الباحثون بـ«الدخول في الجلد». أبدأ بتحريك أطرافي في تردد فأرى الحركات تنعكس في بيئة الواقع الافتراضي. يؤكد أندرو شيري أن الروبوت الواقف على بعد أمتار قليلة أمامي يتبع حركاتي في العالم المادي. أحرك رأسي، أقعى على الأرض، أنحني، فتفعل فالكيري مثلما أفعل.
بعد دقائق قليلة، أبدأ في الشعور بمزيد من الثقة فأحني رأسي انحناءة كاملة، لكنني من فرط حماسي أنحني انحناءة أكبر مما تسمح به أحزمة الرافعة، فيطلب مني أندرو شيري أن أعتدل. ويطلب مني أن آمر فالكير قائلا «جمِّدي كل شيء»، ولا أكاد أكرر الأمر حتى أشعر أن فالكير تنفصل عني فأتراجع إلى الوراء، شاعرا أن روحي تخرج من بدني. وبذلك تنتهي الجلسة ويتحرك الروبوت على عربة إلى غرفة تخزين آمنة.
فهل أكون بذلك قد عاينت ما سيكون عليه استكشاف الفضاء من خلال جسم روبوتي؟ يقول شون آزيمي في مركز جونسون الفضائي التابع لوكالة ناسا في هيوستن بتكساس إن الأمر ليس كذلك بالضبط، فلن يذهب إلى الفضاء أي من روبوتات فالكير الخمس، لكن روبوتات المستقبل التي تحتوي على تكنولوجيا فالكير سوف تذهب. في الحقيقة أن الوقت الذي قضيته متحكما في فالكير بدا عالي التقنية لكن هذه النسخ من الروبوتات عمرها عقد من الزمن وقد تتقاعد عما قريب بحسب ما قال آزيمي.
افتقاد السيقان
من المواضيع المهمة أن فالكير مصممة للسير في جاذبية الأرض، ولكن نسخة مصممة للسير في ظل انعدام الجاذبية لن تكون بحاجة إلى سيقان. لذلك فإن التركيز في الجيل التالي سوف ينصب على الأمان والاعتمادية لأن هامش الخطأ في الفضاء أو في البيئات القاسية على الأرض صغير. والذين يقومون بتوظيف الروبوتات شبه البشرية ينبغي أن يضمنوا ألا تحتاج الروبوتات إلى أحزمة تقيهم الوقوع.
يقول آزيمي إن «قدرة فالكير الجسدية قوية حقا، ولكن ما يحاول الجميع الآن اللحاق بركبه، ومنهم الصناعة الحالية التي يجري ضخ مليارات الدولارات فيها، هو الذكاء والتكيف والمرونة والأمان والتنبؤ بالصواب بحيث يتسنى لنا امتلاك روبوت قادر دوما على القيام بالفعل الصحيح».
يقول آزيمي إنه في حين تم صنع فالكيري في الوكالة فإن خليفتها على الأرجح سوف تكون نتيجة التحدي الذي فرضته ناسا على الآخرين، فالجامعات والشركات سوف تتبارى في الابتكار.
فعلى سبيل المثال، يقول آزيمي إن المعرفة المكتسبة من برنامج فالكير مجتمعةً مع تطورات فرق بحثية أخرى في شتى أرجاء العالم سوف توجَّه لحل مشكلات من قبيل جمع الخامات من سطح قطب القمر الجنوبي.
وفيما يشارف وقتي مع فالكيري على نهايته، ينتابني إحساس بأنني شهدت تقنية تستهل مستقبلا لم يصل بعد. ويسارع عقلي إلى التفكير في مستقبل خيال علمي للروبوتات شبه البشرية. تخيلوا الدمج بين نماذج لغوية كبيرة مثل تشات جي بي تي مع براعة فالكير الحركية مع تطورات حديثة من قبيل الروبوت المزود ببشرة بشرية. هل يمكن أن يكون الروبوت المماثل للبشر بعيدا عنا؟
يقول آزيمي: «أعتقد أن من الممكن أن يكون لدينا إنسان اصطناعي، شيء شبيه بالقائد داتا في ستار تريك، لكن ذلك لا يزال بعيدا». يقول إن تصور شيء من قبيل هال في 2001: أوديسة الفضاء، وهو صوت كمبيوتري مدمج في أنظمة سفينة فضائية أسهل من تصور روبوت مكتمل.
في الوقت نفسه، ثمة عمل مهم أمام فالكير وخلفائها في أستراليا للتعامل مع بيئة شبه فضائية حسبما يقول آزيمي، مضيفا أن «بوسعك أن ترى نوعا من التماثلات الطبيعية مع قاعدة مستقبلية في القمر أو المريخ وذلك يمنحنا أرض اختبار للبيئة الواقعية».