وقال نِسوة في المدينة: استدراك على «الرواية النسويّة»
أفرزت النظرية النقديّة ما بعد البنيويّة انقسامات ذات طابع أيديولوجيّ أعادت الاهتمام بالمضمون النصيّ، فقدمت الخلاصات على الكيفيات، وقد تمظهر ذلك جليا في التاريخانيّة الجديدة، والنقد الثقافي، والنقد النسوي، ولعل هذا الأخير ثمرة من ثمار هذه المرحلة تنظيرا وأطروحة ونقدا، إذ تمثل حالة ارتداد نحو الخطابات في مقاصدها الثقافيّة أكثر من الخطابات في كيفياتها البنائيّة. والنسويّة أيديولوجيا أو مشروع أو أطروحة ظهرت في الغرب ضمن معطيات ثقافيّة خاصة ومعقدة، تمثل حركة رفض استوطنت أفكارها العديد من النصوص الأدبيّة، وتمثل خطابا يتأبى على الحصر في المتاع الجندري الذي يضع أدب المرأة (النسائي)، مقابل أدب الرجل (الذكوري)، وهذه ثنائية ذات صبغة اجتماعية مبتذلة تعطل القيمة الإنسانيّة للأدب؛ وهي قيمة تقوم على الغنائيّة في البوح والحريّة والارتقاء. أما النسويّة فنقد أيديولوجيّ دقيق وموجّه لقضايا محدّدة تخصّ المرأة بغض النظر عن جنس كاتبها، وتنبع إشكالية هذا المصطلح من تقاربه الصيغي مع النسائيّة.
وقد توافقت هذه النظرة إلى حدّ كبير مع الأساس الذي انطلق منه الدكتور خالد المعمري في كتابه المرجعيّ الوازن «الرواية النسويّة في عمان 1999-2016 الأنساق، المرجعيّة، الهُويّة» الصادر عن دار الرافدين بدعم من الجمعية العمانيّة للكتّاب والأدباء عام (2023). وهو كتاب شموليّ يقارب عنوانه مقاربة ثقافيّة نسويّة، يمزج فيها المعمري بين معطيات النقد الثقافيّ والنظريّة النسويّة في النقد. وقد منح كتابه خصوصيّة للرواية النسويّة المكتوبة في عُمان خلال العقدين الأخيرين، محدّدا علاماتها الفارقة في الطرح والمعالجة في سياق اتصالها بالرواية النسويّة العربيّة، وهذا المشروع يعكس قيمة أن يتصدى الناقد إلى تأطير مشروع كامل في مسيرة الرواية العربية في عُمان يسبر مساحة لا يمكن تجاهلها من الطرح النسوي.
وقد جاء الكتاب في تمهيد وثلاثة فصول وخاتمة، فصل وقف عند الأنساق الثقافيّة، وثان عالج المرجعيّة الثقافيّة للصورة السرديّة، وثالث عاين الهُويّة الثقافية، والفصول الثلاثة تشتغل منهجيا على نماذج من الرواية النسويّة العُمانية، وإن كنت أرى أن البدء بالهُويّة الثقافيّة ثم المرجعيّة مقدّم على الأنساق الثقافيّة؛ لما سيمثلانه من تمهيد ورصف لما يمكن أن يتمظهر نسقيا في مجمل النصوص مدار الدراسة. وعنونة الكتاب ابتداءً تؤكد المزج بين المقاربتين الثقافيّة والنسويّة، وهو تقارب مسوّغ منهجيا لانحدار الطرحين من البعد الموضوعاتي لثقافة النصوص، والمعمري وإن كان قد قدّم تنظيرا مقنعا للنسوية في خمس عشرة صفحة وللنقد الثقافي في مثلها، إلا أنه لم يُعلل منهجيا مقصده من الربط بين المقاربتين.
وما منح دراسة المعمري القيمة المتوخاة إيلاؤها أهمية كبرى لضبط المصطلح ومناقشته وتوثيقه من مظانه النقدية، ومن ذلك نقاشه المستفيض (ص26) للتفريق بين النسويّة والنسائية مدعّما الأمر بالعديد من الآراء لنقاد من أمثال: سعيد يقطين، وعصام واصل، وبثينة شعبان، وزهور كرام، وحسين المناصرة، وفاطمة الشيدي وغيرهم. وقد راعى المعمري مثل هذا الضبط في حديثه عن مصطلح النسق الثقافيّ، ومصطلح المرجعيّة، ومصطلح الهُويّة. والمعمري في هذا السياق لا ينصرف إلى التطبيق قبل أن يضع المهاد النظري الكافي للمصطلح النقدي بكفالة مرجعيّة مناسبة. ومن أمثلة ذلك تنظيره لمصطلح الأنا والآخر (ص299) في سياق الحديث عن الهُويّة الثقافية للرواية النسويّة، فيستفيد من ذلك ويَخلص إلى أنّ الهُويّة في السرد «تتشكل في حيّز الحكي للتعبير عن ذوات مختلفة داخليا ومشتركة في الحدث، يتناوله الراوي ويعمل على تشكيل هُويتها، ويظهر الصراع محتدما بين الأنا والآخر سواء كانت بصورة فرديّة أم جمعيّة للقيام بأدوارها المختلفة في السرد، إذ تشكل اشتغالا داخليا بما عليه المرجعيّة خارج النص» ص301. ومع أنّ المعمري أظهر حرصا كبيرا على الضبط المنهجيّ والاصطلاحيّ ما استطاع إليه سبيلا لكنه لم يعمق في الجانب التأريخي الأدبي نشوء رواية المرأة عامة والنسويّة خاصة بما يكفي فبقي الأمر لا يخلو من ضبابية مع تركيز مبرّر على مدونة الدراسة.
وفي السياق ذاته وقفت دراسة المعمري عند تحديد دقيق لمفهوم النسق الثقافي تمثل في أن النسق «مجموعة النظم والأفكار التي تسرّبت إلى العقل الجمعيّ والفكر الإنسانيّ بوعي أو من دون وعي، وعمل على إيجاد منظومة فكريّة تلاقحت طيلة أزمان طويلة وتقاطعت مع السلطة والثقافة، والعادات لتأسيس فعل ثقافي يقيم علاقاته في المجتمع» (ص52). هذه الأفكار تمثل خطابا تنطق به النصوص الروائيّة دون استئذان من كاتباتها وإلا أصبحت أنساقا ظاهرة، وأرى أن دراسة المعمري في موضع الأنساق قد مزجت بين أنساق مضمرة وأخرى ظاهرة، وهذه الأخيرة تمت بقصد من الروائيات، في حين أنّ النسق المضمر أوسع من كونه ظاهرة اجتماعيّة أو ثقافيّة، إنه منظومة متكاملة يصعب رؤيتها لتشظيها بين النصوص، وتمتلك القدرة على المرور وفرض المعطيات. فعلى سبيل المثال، إصرار المجتمع على زواج القاصرات خشية الفضيحة أو العار ليس نسقا مضمرا (ص139)، والتخلف والجهل مقابل الثقافة والتعليم ليس نسقا مضمرا (ص141) بل هي أنساق ثقافية ظاهرة ومقصودة لذاتها في الطرح لمقاومة السلطة الأبوية للمجتمع، تختص بها الدراسات الثقافيّة ولا ينشغل بها النقد الثقافيّ، وهذا لا يقلل من الجهد المبذول في هذا السياق، لا سيما وأن الدراسة أفلحت في ربط النسق الثقافيّ بعناصر السرد الأخرى كالمكان مثلا.
وفي أحيان أخرى، كان ضبط المصطلح يتطلب مزيدا من العمق في تحديد أركانه، كما لاحظت ذلك في مصطلح المرجعيّة الذي يمثل الفصل الثاني من الدراسة كان الاهتمام منصبا على تعريف سعيد علوش الذي يرى المرجعيّة «ظاهرة إحالة تتموضع في نظام التجربة أو الكفاية، تُحدّد في اللسانيات والأدب كموضوع واقع أو تخيّل عالم خارج لغوي، تحيل عليه علامة أو نص كمجموع علامات عالم»، وهذا التحديد في ظني قاصر عن الإحاطة بالبعد المتوخى للمرجعيّة في الرواية ويتجاوز فكرة المرتكز إلى أمور أكثر عمقا كما حدّدها عبدالرحمن التمارة في دراسته «مرجعيات بناء النص الروائي» (2013)، يقول في (ص52) إنّ المرجعيّة «هي العالم الذي يحيل عليه ملفوظ لغويّ، علامة منفردة كانت أم تعبيرا مركبا، ويكون ذلك العالم إما واقعيا موجودا وحاضرا، وإما متخيّلا لا يطابق أيّ واقع خارج التعبير اللغويّ. وهذا يستلزم بالضرورة من يدرك ذلك العالم أو يتمثله، ثم ينتج الدلالات التي يمكن أن يعبّر عنها العالم الخارجي المعروض في التعبير»، والتمارة يخلص إلى هذا التعريف بعد طول تقصّ وتدبر منتبها إلى الفاعل القائم على المرجعيّة المتبني لفعل الإدراك والقصديّة.
وعلى صعيد مدونة الدراسة اشتغل المعمري على ستة نماذج من الرواية النسويّة ما بين عامي 1999-2016، والبداية مرتبطة بالرواية النسويّة الأولى كما قرّرها وهي «الطواف حيث الجمر» لبدرية الشحي، معززا ذلك بتبرير نقدي مقنع (ص22) يرتبط بقدرة هذه الرواية على مناقشة المسكوت عنه والانفتاح على الحداثة. أما الحدّ الزمني الآخر فارتبط بزمن الشروع في كتابة المؤلف عام 2016. والروايات التي مثلت مدونة الدراسة هي «صابرة وأصيلة» لغالية آل سعيد (2007)، ورواية «حفلة الموت» لفاطمة الشيدية (2009)، ورواية «الأشياء ليست في أماكنها» لهدى الجهورية (2010)، ورواية «سيدات القمر» لجوخة الحارثية (2010)، ورواية «الباغ» لبشرى خلفان (2016). وهذه النماذج كما برّر المعمري «تمثل قضايا المرأة وجوانب مختلفة من الأنساق المهيمنة على المجتمع... تحمل ثيمات التمرّد والقلق الداخلي المكونة للنزعة الثقافيّة في صراعها مع الآخر» (ص13) وعليه يبرز السؤال القائل: هل تكفي سبع عشرة سنة لحسم صورة الهُويّة النسويّة في الرواية العُمانية؟ أعتقد أنّ هذه الدراسة مثلت بداية مناسبة لتأطير المشروع النسويّ في الرواية العُمانيّة اليوم وهي دراسة من الناحية المنهجيّة مقيدة زمنيا، ومسؤولة عن مرحلة مُعلنة يمكن أن تعقبها مراحل أخرى.
ومن الأسئلة الكبرى التي أصابت الدراسة في طرحها، بوصف السؤال موجها للدراسة وسابرا لإشكاليتها (ص32): هل الكتابة النسويّة في مدونة الأدب العمانيّ هي كتابة متعلقة بأيديولوجية معينة؟ وهذا سؤال يتغيا البحث في واقع الطرح الأيديولوجي للنسويّة العمانيّة إن جاز التعبير، ومدى توافقه مع الأيديولوجيا العامة للنظرية النسويّة، وقد أجاب المعمري في ختام دراسته (ص353) عن هذا السؤال إجابة تؤخذ وترد مفادها أنّ «أغلب الأعمال النسويّة في عُمان -لا سيما مدونة البحث- لا تنطلق من حركة نسويّة معينة، أو أيّ أيديولوجيا، إذ لا يعدو الأمر كونه قراءة في فكر المجتمع وقضاياه التي وردت في ذهن الكاتبة واشتغلت عليها في النص الروائي». أعتقد أنّ هذه النتيجة ستفضي حتما إلى جدل مفاده أنّ هناك نسويتين؛ مؤدلجة وغير مؤدلجة! والحالة الثانية قد تخرج أعمالا روائية عديدة من نطاقها النسويّ الذي وضعت فيه.
أيضا في ختام حديثه عن نسق المجتمع واستخلاص نتيجة مفادها «أن الحب في الرواية النسويّة كان هامشيا على الأحداث شأنه شأن الهامش الذي تعيشه المرأة في الرواية» يختتم المعمري بالسؤال القائل (ص153): «هل فعلا هي مؤامرة النسق الفحولي التي أراد لها أن تنغرس في المجتمع وتختبئ في الخطاب؟»، وهذه الطريقة في الخلوص إلى سؤال في نهاية معالجة فكرة ما كنسق المجتمع هي بمثابة انفتاح على أفكار أخرى ما تزال قابلة للأخذ والرد. وفي حديثه عن المرجعيّة السياسيّة تساءل المعمري (ص209): «إلى أيّ مدى يمكن أن يتقاطع العمل الروائيّ مع الأحداث السياسيّة لينتج نصّا إبداعيا؟»، وهو سؤال مشروع يربطه المعمري بحضور الوعي العميق لتحقيق التمثيل المقنع للأحداث السياسية والتاريخية أو لنقل ضرورة الربط بين المرجعيّة والوعي بها.
ومن اللمحات النقدية اللافتة الربط بين القرية (المكان) والسلطة الأبوية للمجتمع، وما يخلفه ذلك من إكراهات تتعرض لها المرأة، ومن ذلك ما مورس على «زهرة» في رواية «الطواف حيث الجمر» من إكراهات بوصفها فتاة، فاشتغلت بعد تحرّرها على استرجاع تفاصيل عايشتها من منع التعليم والتهميش أمام الإخوة الذكور، ودفعها إلى الأعمال المنزلية، وعدم اللعب مع الأولاد، والبقاء في المنزل بعيدا عن الأنظار. أو كما ظهرت القرية في مخيلة «أمل» في رواية «حفلة الموت» مكانا للعبودية والاحتقار وشكلا من أشكال الرفض الطبقي كونها «بيسرة» ولا يمكن مقارنتها ببنات الشيوخ والأحرار، فكمنت في نفس «أمل» صور من رفض الهُويّة الطبقية المؤدية إلى رفض الهُويّة الوطنية إن استدعى الأمر خلاصا من الكبت والقهر (ص347). وما انطبق على القرية انطبق كذلك على المنزل في رواية «صابرة وأصيلة»، فالمنزل عند صابرة بات رجعيا متخلفا وأداة من أدوات قهرها بوصفها امرأة، كون المكان بات دالا من دوالّ السلطة الأبوية تجاه المرأة.
ومن المفارقات الطبقية المتصلة بالأنساق الثقافيّة ثنائية الجسد والعبوديّة؛ فالعبيد من النساء يعانين من مشكلة استباحة الجسد، بينما العبيد من الذكور متحرّرون من هيمنة المجتمع وذكوريته، أما الأحرار من الذكور والإناث فسلطة المجتمع الأبوية لهم بالمرصاد، وكأن الجسد أحيانا يقع في شرك المجتمع وفي مواقف أخرى يتخلص منها ضمن اعتبارات معينة، كما صورته رواية «سيدات القمر».
كما جاء ربط المعمري بين المرجعيّة والمكان والشخصيات مثاليا؛ فالمكان يمثل مرجعيّة ثقافيّة تلقي بظلالها على الشخصيات من قسوة وصلابة واحترام وتقديس، وهذا يحدث تضادات في نفوس الشخصيات، مما يدفع الشخصية إلى الزهد بالمكان أو التخلي عن الهُويّة تخلصا من ضغوطاته.
ومن حصيف دراسة المعمري فكرة الجمع بين الهُويّة والذات الأنثوية في هيئة صوت جماعيّ يقاوم اعتوارات السلطة الأبوية في المجتمع، بالتحوّل من كونها موضوعا للنص إلى منتجة له. وهذا يفضي إلى ربط الهُويّة بتعدّد الأصوات وتعدّد الرواة في النص الروائيّ الواحد كما حققته رواية «سيدات القمر». كما يدفع الروائي بوصفه أنثى إلى انتقائية ما يعرضه ويصوره وما يحدده من قضايا تتبوأ سُدّة النص المكتوب تمثيلا لمصطلح وعي السارد وما يتيح له من خيارات سردية في تناول الموضوع لتحقيق فكرة المرأة كاتبة لا مكتوبة، القادرة على إبراز هويتها فيما تقدّمه بخصائص كتابية دالة عليها لتأسيس هويتها الخاصة، فرواية «سيدات القمر» على سبيل المثال رسمت هويتها اللغوية بالفصحى الممزوجة بالعامية واستحضار الأمثال الشعبية العمانية ومفردات الحوار اليومي في تلبس وثيق بالمكان، وقد لخّصت النتيجة الخامسة (ص354) في دراسة المعمري ذلك بوضوح.
ومن القضايا التي توقفت عندها في دراسة المعمري وتحتاج إلى تأمل وحوار:
• حديثه عن خصوصيّة التراث والحكايات الشعبية في ذهنية الروائيّة العُمانية، إذ ظهرت في الروايات موضوع الدراسة بشكل لافت إلا أنّ معالجة المعمري لهذه الظاهرة جاءت في صفحات قليلة (341-352) رغم كثافة هذه الظاهرة واتصالها بالهُويّة والمرجعيّة والنسق، واتخاذ الروائيات من الحكاية الشعبية مرتكزا لإظهار ذوات نسويّة عديدة لهن الحق في القول.
• في الحديث عن تأخر بدايات الرواية النسويّة في عُمان غاب تعليل المعمري لهذا الأمر مقارنة بالرواية النسويّة العربية، يقول في (ص18): «لقد كان عاما 1998 و1999 مهمَّيْن في الكتابة السردية في الأدب العماني، حيث شهدا انطلاق الكتابة السردية النسويّة في مجالي القصة والراوية ...»، فلماذا تأخرت البدايات؟
• أثار المعمري قضية الإقبال على توظيف الجسد في الكتابة النسويّة، واقتبس لأجل ذلك عبارة قالتها «هند السليمان» في كتابها «مقالات في النسويّة» (ص120)، من أن كثرة ذلك تعود إلى رغبتهن بإسماع أصواتهن المقموعة، وقد مرّ هذا التعليل الجدليّ المهم دون نقاش من المعمري في ضوء حديث عن الربط بين الجسد واللذة والكرامة، وأرى أن الجسد الأنثوي إذا حضر في النصوص لتحقيق دلالات فنية إخبارية فهو تحقيق للأيروسية المقبولة في الأدب، أما إذا خرج لدلالة شبقية استهلاكية فهذا يوقع الكتابة في فخ البورنوغرافية، كما يرى رولان بارت في «لذة النص»: يقول: «إن الكلمة تكون شبقية بشرطين متعارضين، هما؛ التكرار المفرط والحضور غير اللائق»، فتصبح الدلالة الشبقية هي المحفز لإنتاج الصورة في الرواية.
وعلى العموم، فإن دراسة المعمري حول الرواية النسويّة في عُمان ما بين عامي 1999-2016 نهضت بدور طليعي في وضع منطلقات لدراسات أخرى يمكن أن تهتدي بالطرح المنهجيّ الذي صدرت عنه دراسته وتخيّره لأعمال روائيّة دالة يمكن أن تعبّر باقتناع عن معالم مرحلة مهمة في تأسيس النسويّة الروائيّة في عُمان. ويمكن أن أختتم بجملة من التساؤلات التي انقدحت في ذهني خلال قراءة هذه الدراسة: هل وقعت الرواية النسويّة العمانيّة في فخ إقصاء الآخر كما كانت تعاني قبل التوهّج الروائي النسوي في العقدين الأخيرين؟ هل يمكننا أن نعدّ التظلم ولوازمه والمغالاة السلوكية أحيانا في استظهاره والذي مثّل علامة بارزة في نصوصهن نسقا سرى في نصوص الروايات النسويّة إضمارا؟ لماذا يكون الخوض في قضايا النسويّة في بعض الدراسات دون طرح أيديولوجيّ موجِّه للطرح النسوي؟ لكل تجرية إخفاقات، فما الإخفاقات التي عانت منها الرواية النسويّة العمانيّة؟ وما المؤمّل من إنتاجها في المرحلة المقبلة حتى تكون قادرة على تبرير أيديولوجيتها أكثر من المكوث في دائرة مفرغة من القضايا المكرورة التي تتجدّد بتجدّد الحياة وتسارعها؟ أم أنّ الفعل واحد مرتهن بـ«قال»، والفاعل مكرّر بـ«نسوة».