كتابات من تحت القصف.. معطف أمي والهدنة
1- معطف أمي
عندما تم إخلاء حارتنا في بداية الحرب، نسيت أمي أن تأخذ معها معطفها المفضل الذي تدعي بأنه من ماركة عالمية مهمة وهو في الأصل مجرد معطف جميل وعادي من البازار. بعد مرور أيام بدأ القلق والأفكار غير المنطقية تطفو في رأسها وفي رأس أخي الذي يرافقها وأبي في الحرب والنزوح. كلهم قلقون على البيت وأمي قلقة على معطفها الثمين.
بعد مضي أسبوع، أصر أخي على الذهاب إلى البيت؛ ليطمئن بأنه لم يصب بالصواريخ وكي ينقذ معطف أمي أيضا. وبالفعل ذهب أخي كالمجنون، ولكنه لم يجد الحارة. اختفت الحارة وسكنها الركام والصمت. عاد إلى أمي بصورة للبيت على الهاتف وهو محطم، وكان أول ما صاحت به أمي «والبالطو الغالي (المعطف)؟». من يومها وهنَ صوت أمي على الهاتف وكل مرة تقول «شفتي يما الصورة.. دارنا بطلت واقفة وكل الحارة وقعت حتى البالطو اللي بحبو».
2- استراحة مؤقتة من الحرب
أعلنوا وقف النار،
أما الناس فيقولون «انتهت الحرب»
نعدّ الحروب واحدة وراء الأخرى
هي حروب طالما هنالك قتلى
بيولوجيا وفيزيائيا
يعطونا استراحة
لنلملم أشلاء أحبتنا
ونضمد جراح أجسادنا وعقولنا
نفكر باليوم فقط
استيقظنا من النوم
هل حقا مرّت ليلة بدون صواريخ؟
كأنَّه حلم أو كابوس
أن تستيقظ ويختلط الواقع بالخيال
هل أنت في غرفتك وعلى سريريك؟
هل صوت الطناجر التي تعد أمك فيها المقلوبة
هي صوت طناجر أم قنابل؟
غدا سوف نبدأ من جديد
رحلة علاج الذاكرة والصدمات
هنالك عشرات الكدمات الزرقاء في رؤوسنا
الدم محتبس عند أطراف الأكتاف
توجعنا الأكتاف كثيرا
حملناها رعبنا
وأغرقناها بدموع أطفالنا
وفوق ذلك أتعبناها بحقائب الهروب
في كل مرة هددوا بالإخلاء والقصف.
أنتم تأخذون جولة تفقّد الأماكن
كأنكم نزلتم من كوكب آخر
أليس هذا الركام بيت صديقنا؟
لا هذا ركام قلب صديقنا..
أما أنا
فأفتح جوجل مابس
أتجول في الخطوط المرسومة
إنها نفس الخطوط في الحرب والسلم
كأنها خريطة تجريدية
لعالم آخر
أتتبع الخطوط حتى أصل بيتي الذي ربما نجا..
كوثر أبو هاني شاعرة فلسطينية