في هذا العدد .. عن الشعر في يومه العالمي
رغم أن أصوات الحروب المفجعة تهدر في كل مكان، ويعلو ضجيجها حتى يكاد يملأ العالم بأسره، ورغم أن الأرض تموج بالأحزان والألم الذي يحدثه الإنسان للإنسان، ورغم أن الطغيان يلقي بظلاله المظلمة على الأرواح البشرية، والأمل مقتول على الطرقات إلا أن الشعر ذكرنا في هذا الشهر بأن كلماته ما زالت قوية وأنه قادر على أن يتعالى فوق كل الأصوات الهادرة الأخرى في مواجهة الظلم والقهر والطغيان والحرمان.
كان الشعر عبر التاريخ مرآة للنفس البشرية ومعبرا عن أعماقها، وملاذا تأوي إليه كلما اشتدت الزوابع.. وكان الإنسان يجد في الشعر صدى لآلامه وآماله، ووسط أبيات الشعر وقوافيه كان الجميع يجدون التعاطف والإنسانية التي يفتقدونها في العالم الواقعي.
وكان الشعراء بحسهم المرهف وعمق رؤيتهم ينسجون الكلمات لتصبح درعًا وسلاحًا في وجه الطغاة والظلمة، إنهم يعكسون، من خلال قوافيهم، الواقع بكل تجلياته، مسلطين الضوء على الظلم والاضطهاد، ومناشدين العالم أن يستفيق من غفوته.
وعبر التاريخ استطاع الشعر أن يحرك الشعوب، ويلهم الثورات، ويوقظ الضمائر. فلم يكن الشعر في يوم من أيام التاريخ البشري مجرد ترف ثقافي بل كان على الدوام تعبيرا صادقا عن الروح الإنسانية، ووسيلة لمقاومة القمع والتعسف.. سواء قمع البشر أم قمع الأنظمة.
وفي هذه اللحظة التاريخية الصعبة، حيث تتصاعد النزاعات وتشتد الأزمات، وحيث تغتال آلة البطش البشرية براءة الأطفال في غزة نبحث عن الشعر وصوته الذي لا بد أن يعلو فوق صوت دوي القنابل، نبحث في هذه اللحظة المدلهمة بالسواد الحضاري عن الملاذ الذي يقدمه الشعراء لأرواح الأطفال والنساء، وعن البلسم الذي يمكن أن يطبب الجراح المفتوحة ويعيد الأمل والقوة للملايين من الذين فقدوها أو يكادون. وإذا كانت عزائم الناس قد فترت وآمالهم قد خارت فلا يجب أن يفتر صوت الشعر، أو قوة الكلمات، فهي كانت من أجل أن تتحدى الظلم وتناضل من أجل الحق والعدالة، ولتكون المرآة التي تعبر عن آمال الأمة وأحلامها. وإذا كانت البيانات السياسية قد فشلت حتى الآن في جمع الإنسانية على حقيقة بشاعة الحرب التي تحدث في غزة فليس قليلا على الشعر أن يفعل ذلك ويدعو الإنسانية لترتقي فوق الألم والحزن والظلم، وتسعى نحو السلام والتفاهم والمحبة.
ليكن الشعر جسرنا الصلب الذي تعبر فوقه البشرية من التوحش إلى السلام ومن الحقد إلى المحبة.