عن تهافت تسليح المصطلحات
عندما يتم تسليح كلمة لأغراض سياسية، فإن العواقب تتجاوز مجرد النقاشات الأكاديمية لتصبح تهديدًا حقيقيًا لحرية التعبير. في الأشهر الأخيرة تصاعد استخدام مصطلح «معاداة السامية» لتوجيه النقد ضد أي شخص يجرؤ على انتقاد سياسات دول الاحتلال «الإسرائيلي»، خاصة في ظل الأحداث المأساوية في قطاع غزة. هذا النهج لا يخدم سوى تحويل الانتباه عن القضايا الحقيقية التي تواجه الفلسطينيين، ويعزز السيطرة السردية العامة في الخطاب العالمي.
في الوقت الذي تكافح فيه غزة من أجل الصمود في وجه التوحش الإسرائيلي الذي يرتكب أبشع جرائم الإبادة تكتب في الغرب وبشكل خاص في الولايات المتحدة الأمريكية مقالات تكرس فكرة «تسليح الكلمات» كما هو الحال في المقال الذي كتبه جيمس كيرتشيك في جريدة نيويورك تايمز الذي يسعى لمعادلة النقد الموجه إلى إسرائيل بمعاداة السامية دون تقديم دليل حقيقي. وفي هذا العدد من ملحق جريدة «عمان» الثقافي نترجم مقالا للروائي الأمريكي دانيال جوزيه أولدر يناقش هذه القضية بشكل دقيق ويرد على مقال كيرتشيك وغيره من المقالات والخطابات التي تعتبر أي نقد يوجه لسلوك إسرائيل أو سلوك قياداتها باعتباره معاداة واضحة للسامية.
إن معادلة اليهودية بالصهيونية هي استراتيجية تهدف إلى توفير غطاء للجرائم الموثقة التي ترتكبها إسرائيل، واستدعاء لتاريخ مظلومية اليهود، لكن هذا الخطاب ليس في مصلحة قضايا السلام الدولي ولا يصمد أمام أي نقاش يقوم على أسس علمية.
إن التركيز على معاداة السامية كمبرر لإسكات أصوات النقد التي تتناول جرائم الانتهاكات الإسرائيلية من شأنها أن تفقد الكثير من كتاب الغرب والمعلقين مصداقيتهم وتحولهم إلى أبواق سياسية تحاكي تصريحات نتانياهو ووزير دفاعه فيما تسقط حرية التعبير إلى درك بعيد جدا.
وبذلك يمكن القول: إن تسليح مصطلح «معاداة السامية» في خطاب بعض المثقفين والمفكرين الغربيين من شأنه أن يفضح «زيف الوعي» في وقت كان يجب على الخطاب الفكري والثقافي الغربي أن يطالب بمواجهة الأزمات الأخلاقية الناتجة عن التوحش الإسرائيلي والدعم الغربي لها بشجاعة وصدق والتوقف عن استخدام التهم غير المبررة كوسيلة لتجنب الحوار الحقيقي.