شهادة من رماد
الشخصيات:
1-حنظلة
2-المحقق
3-معلول
4-مرارة
5-المحاضر
6-الصحفي
7-القاضي
8-أصدقاء الشقة
9-مجموعة من الطلبة
نظرة من داخل النص، من داخل العرض:
يمكن للمخرج أن يؤثث المسرح بما يتناسب مع فكرته الإخراجية، وما يهمنا هو أن نشير إلى أهمية طغيان اللون الأبيض على كل عناصر العرض أو أغلبها خاصة في المشاهد المرتبطة بالمحقق وحنظلة، كما نشير إلى أهمية ألا يتم أي تعذيب جسدي لحنظلة من قبل المحقق، وألا يكون بينهما أي نوع من التلامس الجسدي، وأن يتم التركيز على الأذى النفسي الذي يتعرض له حنظلة، وعلى المخرج أن ينتبه إلى أن حنظلة محبوس في غرفة ضيقة لا يعرف مكانها، لكنه يشعر بضيقها.
1- حلم يطل من الذاكرة
حنظلة: (نائم في وسط المسرح، يبدو أنه تحاصره مجموعة من الشخصيات) أمي
: من تكون؟
حنظلة: أنا تائه
: كل يوم نراك على حال
حنظلة: ومشتت
: ماذا يشتتك؟
حنظلة: بين القضية والقضية
: وجوهك متعددة
حنظلة: متأرجح قلبي
: وماذا بعد؟
حنظلة: تجرحني الشظايا
: وروحك؟
حنظلة: وروحي جامعية
: أتعترف بخطئك؟
حنظلة: لا
: اعترف
حنظلة: (صارخا) لا
2- احتراق
حنظلة يحرق شهادته الجامعية، صوت أبواق شرطة وإضاءات سياراتها، شرطي يدفعه للأمام.
1-6 ملف جديد
حنظلة: ثمانية وتسعون، تسعة وتسعون، مائة، (تظهر عليه آثار التعب) ها أنا أنهيت تزجية الوقت ولم تأتين يا أمي، تأخرت كما تأخر هو، انتظرتكما طويلا ولم تأتيا، ما كان عليكما أن تتركاني لوحدي كل هذه المدة، المكان موحش دونكما، اعتدت على هدهدتك طوال الليل، وكأني لم أكبر، وكأنك لا تحفظين غيرها. (يغني) «من شافلي حنظلوي وا رايح يتعلم، فيديه قلم فضة يكتبه آيات الله»، أسمعك حتى وأنت في قبرك، وأسمع صوته حتى يهرب النوم مني، تتعاركان حتى يتنفس الصباح، أنا هنا منذ ثلاثة أشهر، لا جار لي إلا طيف أمي الذي يتمزق كلما حاول عبور هذه القضبان، رحلت ولم يأت بعد، لم أره منذ أسبوع، يعذبني غيابه، وتقتلني الوحدة، (يسمع صوت خطوات) لقد جاء
المحقق: (يدخل) هل تأخرت عليك؟
حنظلة: قلقت عليك
المحقق: من حقك أن تقلق، لكني أخذت بعض الوقت في القراءة
حنظلة: حدسي يقول إنك تستعد لحفلة جديدة مع صديق جديد.
4- حفلة جديدة
مجموعة من المحققين يعذبون موقوفا
2-6 ملف جديد
المحقق: أخطأ حدسك ككل مرة، بالمناسبة، ألا تحلم أن تكمل دراستك العليا؟
حنظلة: حلمت بأشياء كثيرة لكنها لم تتحقق
المحقق: لا تحلم بأشياء خارجة عن القانون فتتحقق
حنظلة: حلمت بما هو حقي، وحق الشباب أمثالي
المحقق: ما دمنا لم نعطك هذا الحق فهو ليس لك
حنظلة: لكنكم لا تستطيعون إيصاد أبواب الأحلام، فالأحلام بلا أبواب، إنها تحلق بحرية، هل تعلم مقدار الحرية التي ترفرف في هذه الغرفة الضيقة؟! تأمل فراشات الحرية الزاهية.
المحقق: رفرفة زائفة، وهذا الكلام لا يقال لنا، فنحن باستطاعتنا أن نغلق السماء في وجهك لو أردنا؛ لذلك سنقلب الصفحة فقد صار هذا الملف قديما باليا، والحكاية في الملف الجديد على وشك أن تنتهي، وعليك أن توقع عليها.
حنظلة: لن أوقع.
5-رجما بالغيب
(معلول يسير في الغرفة جيئة وذهابا وبقية الأصدقاء جالسون في حالة حزن شديد يخيم على المكان)
مرارة: اهدأ يا معلول، منذ متى وأنت على هذه الحال؟! وكأنه لا شغل لك غير السير جيئة وذهابا، نحن جميعنا قلقون على صديقنا حنظلة فلا توترنا واجلس في مكان واحد.
معلول: لن أجلس
مرارة: اجلس وإلا ضربتك
معلول: اضربني لو استطعت (يتشاجرون فيما بينهم وتتعالى أصواتهم التي لا يصل إلينا منها غير الصراخ)
- هييييييييه، اهدؤوا، وتعوذوا من الشيطان
(لحظة صمت، يهدؤون، يجلس كل واحد منهم في مكانه)
معلول: هل تتوقعون أنه سيوقع؟
- سيوقع بالغصب في النهاية.
- وهل سيعذبونه؟
- ليختصرها أفضل له.
- المعركة خاسرة.
- ليوقع حتى لا يتأذى.
- وقع من أجلنا.
- وقع حتى نرتاح.
3-6 ملف جديد
المحقق: وقع حتى ترتاح ونرتاح وتخرج.
حنظلة: هل أتعبتك إلى هذا الحد؟
المحقق: في الحقيقة لا؛ لأنني كتبت قصتك كما ينبغي، ما رأيك أن نبدأ من البداية؟ (يغنون)
6- الجميلات هن الجميلات
حنظلة: لا بد أن نبدأ المذاكرة من الآن، لا بد أن أكون معيدا في الجامعة.
مرارة: الجميل في الأمر أننا دخلنا أنا وحبيبتي الكلية نفسها.
حنظلة: ما حاجتك لحبيبة واحدة وأنت تستطيع أن تكون لك حبيبات كثيرات، يتحدثون عن طالبات مال في العاصمة يتجمعن منتظرات طالب متعة.
حنظلة: الجميلات هن الجميلات، نقش الكمنجات في الخاصرة، الجميلات هن الكبيرات، مانجو مقشرة ونبيذ معتق، الجميلات هن الصغيرات، وعد غد وبراعم زمبق.
مرارة: الجميلات كل الجميلات أنت، إذا ما اجتمعن ليخترن لي أنبل القاتلات، أنا صاحب مبادئ وأرفض أن أتعامل مع هذه الأشكال الرخيصة، ثم إنني أبحث عن الحب لا عن المتعة، وحبيبتي مذهلة وأنا أحترق شوقا لرؤيتها.
حنظلة: وبعد أن تنضج أخبرنا حتى نأكلك.
مرارة: بهذه التفاهة لن تصبح معيدا.
حنظلة: بل أنا المعيد القادم من بعيد بسرعة البرق، المعيد الذي يصول ويجول في ميادين العلم والمعرفة، كما يصول ويجول في ميدان هذه الخشبة السمراء التي يعشق.
مرارة: ولن يتطور المسرح أبدا.
حنظلة: آه، المسرح، شيء ما يتحرك في جسدي عندما أنطق هذه الكلمة، سأكون المسرحي اللامع الساطع، المسرح الجامعي، طريقي إلى المسرح الوطني، لقد انتظرت هذه اللحظة طويلا.
معلول: كلنا انتظرنا هذه اللحظة، وقد حان وقت القطاف.
حنظلة: لنقطف الثمرة إذن.
4-6 ملف جديد
حنظلة: أنت المحقق، وأنا سجينك فلماذا لا تعذبني؟!
المحقق: تردد هذا السؤال كثيرا، لماذا أنت مستعجل على العذاب؟
حنظلة: ألست موقوفا؟
المحقق: أتظن أن كل المحققين يتعاملون مع الموقوفين بهذه الطريقة، أو هذا ما تقرأه في الكتب والروايات وفي النصوص المسرحية؟
حنظلة: لماذا تركز على هذا الموضوع وعلى الكتب والفن والأدب؟
المحقق: لأن هذه الأشياء هي من غرر بك.
حنظلة: لست طفلا حتى يتم التغرير بي.
المحقق: هذا ما تظنه، أما الحقيقة فهي غير ذلك، أتذكر عندما التقينا أول مرة؟ كان ذلك في الجامعة، كنت طائشا ومتهورا حتى أن أصدقاءك خافوا على أنفسهم من هذا الطيش.
حنظلة: كان حماسا للمرحلة.
المحقق: أتسمي الإلحاد حماسا؟
حنظلة: أهذه تهمة جديدة؟
المحقق: تحاول أن تراوغ وتتذاكى.
حنظلة: لم ألحد يوما واحدا.
المحقق: هل أحتاج أن أذكرك بالاجتماع الطارئ.
7-ألم يطل من الذاكرة
حنظلة: أمي، ها هو يفتش في ذاكرتي الآن، أرجوك ألا تتألمي مما تحويه هذه الذاكرة، وأرجوك أن تشاهديها بقلب أم، هو يريد استفزازنا بالاجتماع الطارئ لكني لا بد أن أشرح لك الأمر قبل ذلك لتعذريني رغم أني أخشى أن تغضبي أكثر، أمي، إليك القصة.