شهادة ألم
ذهبت صبيحة هذا اليوم إلى منزل جيراني الذي تم استهدافه ليلة البارحة من طائرة حربية إسرائيلية، حيث استشهد أكثر من ثمانية وعشرين مدنياً، وقفت أتأمل المكان المرعب وأسأل عن عدد الأبرياء الذين تم انتشالهم من بين الركام، فقالوا اثنا عشر فقط، بينما لا يزال البقية هناك بانتظار موتهم إن كانوا أحياء، ولا معدات للدفاع المدني كي تنتشل أجسادهم من بين الأنقاض.
كانت الأشلاء متناثرة، وأنا لا أعرف إنها أشلاء، عدا أن جاري صار يلملم تلك القطع من اللحم المتفحم ويضعها في علبة.. خلال ذلك وجدت قطة تأكل بعض الأشلاء، لا تأبه لقتل المجرم للضحية.. بكيت، بكيت كثيرا، هل كانت هذه الأشلاء لطفل يحلم أن يصبح مهندسا معماريا أو طبيبا؟ أم كانت لامرأة تنتظر الصباح بخير لأجل تجهيز الطعام لأطفالها؟ أم كانت لرجل لم يحصل على راتبه بعد، وينتظر أن تنتهي الحرب ليشتري لهم الفاكهة؟ أم كانت أشلاء سيدة عجوز جاءت إلى غزة قبل خمسة وسبعين عام مهاجرة بعد احتلال الصهاينة لأرضنا؟ هل ماتوا عطشى حيث لا مياه في غزة؟ كيف كان حالهم في العتمة التي تحاصر غزة منذ أكثر من سبعة عشر عاماً؟
لقد كانت أشلاء لشخص يحلم ويحب ويغامر وينتظر الأيام كي يكبر ويكبر كما الآخرين بلا خوف، أشلاء متفحمة تتلذذ قطة ضالة بطعمها كما فعل الطيار الذي جاء من الولايات المتحدة الأمريكية ليمارس ساديته بقتل الأطفال والنساء في قطاع غزة، تماما كما كان يفعل أثناء لعب الببجي في بيته الفاخر بولاية هيوستن التي لا تنقطع عنها الكهرباء أبدا.
يسري الغول روائي وقاص فلسطيني من غزة