تيارات التعددية الثقافية وفلسفاتها
شكلت التعددية الثقافية (Multiculturalism) في العقود الماضية هاجسًا كبيرًا، وتحديدًا في المجتمعات الديمقراطية الغربية، نتيجة للهجرة إلى أوروبا، وتزايد أعداد المسلمين فيها وبشكل خاص من المجتمعات الآسيوية المختلفة، وتأثير ذلك على التماسك الاجتماعي من جهة، وعلى مستقبل الدولة بشكل أعم من الجهة الأخرى. الأمر أسهم في انتعاش الفلسفة السياسية بشكل عام، ووضع الفلسفة أمام مهمة جديدة، وتحديات غير مسبوقة، المتمثلة في المساهمة الفعلية والتطبيقية في تدبير شؤون المجتمعات، وتقديم الحلول والمقترحات والإجراءات التي تسهم بطريقة أو بأخرى في نزع فتيل الأزمات التي تتعرض لها المجتمعات المختلفة مع كل المستجدات من جهة، واستيعاب هذه المتغيرات في الفضاء العام الذي لم يعد من الممكن تجاه أهمية الحضور العادل والمتساوي فيه لجميع الأطراف من الجهة الأخرى.
وبالرغم من النقاشات الكثيرة التي سيجدها القارئ لهذا العمل، التي ركزت على الخطوط العريضة والتفاصيل الصغيرة على حد سواء في موضوع التعددية الثقافية، إلا أن هذا العمل يتميز بوضوح في الأفكار وسلاسة في الترجمة، يمنحنا تصورًا مهمًا عن كيفية تعامل الفلاسفة والباحثين مع الموضوعات المجتمعية المستجدة، ويبين لنا اختلاف طرق التفكير فيما بينهم، تلك التي تمنح المجتمعات وبالتالي الحقول الفكرية الحيوية، التجدد والاستيعاب لكل هذه المتغيرات.
من هنا، يأتي هذا العمل للمفكر الفرنسي بول ماي Paul May، وبترجمة رشيقة وممتعة للمفكر الدكتور الزواوي بغوره، الذي يبحث في أصول فلسفات تيار التعددية الثقافية على مدى خمسة فصول، ويقع في 300 صفحة تقريبًا مع الفهارس والأعلام والمراجع، وذلك بعد مقدمة وافية يوضح فيها المترجم الأهمية العالمية التي يحتلها تيار التعددية الثقافية في الفلسفة السياسية، والأسباب المختلفة التي أسهمت في نشوء وبروز هذا التيار والنقاشات والبواعث التي جعلته يهتم بهذا التيار، وتحديدًا بعد عمله الهام حول «الاعتراف» الصادر في عام 2012م، والذي أسهم في توضيح شبكة الفلسفة الاجتماعية المعاصرة وتفرعاتها المختلفة. وتحديدا مع تزايد المجتمعات المتنوعة عرقيًا، والتي أسهمت في نشوء الكثير من الظواهر التي تبحث عن تأطير نظري، ودستوري، وحقوقي، ناهيك عن سياسات مختلفة تسعى لإيجاد السبل الملائمة للعيش المشترك بين الجميع، وكيف من الممكن أن تكون الاستجابة لكل المطالبات التي تنادي بالتسوية من مختلف الجماعات العرقية والدينية، بما فيها التعددية الجنسية التي تبرز بشكل متزايد في فضاء المجتمعات الديمقراطية تحديدًا.
يهتم الفصل الأول، بتحليل أهم المصطلحات المكونة لتيار التعددية الثقافية، والعوامل الموضوعية التي أسهمت في ظهور وانتشار مصطلحاته، الذي تحول لتيار له رموزه، وأعلامه، ومصطلحاته، وتعريفاته، وحظي بنقاشات سياسية وفلسفية واسعة وكبيرة، كما يتضح في المراجع الكثيرة والغنية التي يوردها المؤلف، والتي تُبين المساحة الشاسعة التي خلفتها الهجرة والتعددية الثقافية على مفهوم الثقافة الذي أُضيفت له عوامل وأسئلة جديدة، ومحاور متعددة، وسياسات كانت في طور التشكل والتبلور لفترات زمنية طويلة.
وعلى المستوى المفاهيمي، يواجه تعريف التعددية الثقافية بصعوبة في حدود المصطلح ونطاقه، حيث يشير التعريف الأول إلى تلك المجتمعات التي تتسم بعدم التجانس العرقي والديني والثقافي، في حين يحيل التعريف الثاني، إلى تقييم التنوع الثقافي من منظور العدالة الاجتماعية وكيفية الاستجابة لهذا التنوع في ظل الدعوات المتزايدة التي تذهب إلى ضرورة الحفاظ على الثقافات المختلفة للأقليات، وكيفية التعامل مع هوياتها ولغاتها وعاداتها المختلفة. بينما يحيل التعريف الثالث إلى المجال المؤسسي والبرامج السياسية التي تتخذها السلطات السياسية والأدوار التي تقوم بها لضمان الاعتراف العادل والمنصف بالثقافات الأخرى، حيث من الممكن أن تكون هذه التدابير رمزية بالدرجة الأولى، كما حدث في الكثير من التجارب السياسية على المستوى العالمي، وذلك لتقليل هيمنة الأغلبية من النواحي اللغوية، والدينية، والاجتماعية وغيرها، كالاعتراف بلغات الأقلية والسعي للحفاظ عليها من الزوال.
غير أن هناك إجراءات معينة وعددًا من المقاييس، اقترحها باحثون لهم باع طويل في هذا المجال، وربما أبرزهم ويل كميليكا، تساعد على وضع هذه التعددية في سياق إجرائي بعيدًا عن الاجتهادات الفردية والمؤسسية التي تختلف من سياق لآخر، والتي تتضمن مجموعة من البنود والإجراءات التي تسهم في حمايتها، كتأكيد هذه التعددية عن طريق القانون الرسمي للبلد أو من خلال الدستور أو يُقر من البرلمان، ومن الممكن أن تصل هذه الإجراءات إلى التبني في المناهج الدراسية، أو تمثيل الأقليات في البرامج الإعلامية الرسمية وليست الخاصة فقط، وغيرها من الإجراءات التي تضمن احترامها وعدم التقليل من شأنها، بل وليس من الضروري إدماج الأشخاص المهاجرين أو استيعابهم في المجال الثقافي الذي ينتمي له الأغلبية. ذلك أن الثقافة، وهي المفهوم الأكثر استخدامًا من قبل المفكرين الذين تناولهم هذا الكتاب، تتسم بالجدل وتعدد التعريفات واختلاف المعاني، وهذا يؤثر بدوره على تعريف المجتمعات المتعددة ثقافيا، التي من الممكن وضع تعريف مبدئي لها، بأنها تلك «المجتمعات التي يكون سكانها من أصول عرقية وثقافية متنوعة، ولا سيما مع وجود أبناء المهاجرين القادمين من الإمبراطوريات الاستعمارية السابقة»، وبهذا المعنى تدخل الكثير من الدول ومن بينها فرنسا في هذا التعريف. في حين أنه بحسب تعريف آخر، والذي يركز على الإجراءات السياسية المتبعة التي تتخذها الدولة لحماية التنوع الثقافي، يُقصي الكثير من الدول المعروفة باستقبالها للمهاجرين كما هو الحال في فرنسا.
ينطلق تيار التعددية الثقافية من تأويل خاص للحداثة وللممارسات الثقافية للأقليات، وذلك في سياق تطور الحقوق والمساواة التي تسعى للتخفيف من حدة التراتبية الاجتماعية التي تأتي مع الفرد منذ مولده، الراسخة في الدين، والثقافة، والعادات المختلفة. حيث نجد أن هذا النظام قد تعرض للخلخلة، والتآكل، وفقدان القدسية، بسبب هذه العوامل المتراكمة، وهو ما ينطبق إلى حد كبير على التراث أيضًا، والتي أسهمت عوامل مفصلية في التاريخ البشري في ذلك، وربما أهمها الثورة الأمريكية، والفرنسية، والتي رُفعت فيها شعارات المساواة والإخاء، والعدالة الاجتماعية.
لذلك يركز هذا العمل على دراسة أعمال أربعة فلاسفة أسهموا بطرق مختلفة في هذا المجال، من ضمنهم الهندي البريطاني بيكو باريك، تشارلز تايلور، وجيمس تولّي، وبطبيعة الحال ويل كميليكا، وذلك بسبب الجهود الرائدة التي بذلوها في هذا المجال، بتوجهات مختلفة، التي تشير لحدوث تحول هيكلي كبير في بنى المجتمعات الديمقراطية كما سبق القول.
ينتقد باريك وبشدة في الفصل الأول من هذا العمل، السياسات الاستعمارية التي ترجع أصولها إلى تفوّق الثقافة الأوروبية، التي يُنظر إليها على أنها السبيل الوحيد للتقدم العلمي والاجتماعي وغيرها. لذلك يرتكز فكره في إعادة النظر في المراحل الاستعمارية المؤلمة وتحديدًا تلك المتعلقة بالقارة الهندية التي ينتمي إليها، وخاصة في ظل تأثره الكبير بمفكرين مناهضين للاستعمار ومن أشهرهم فرانز فانون، وغاندي، من جهة، وبما تخُلفه العولمة من آثار مختلفة على الأفراد وعلى أنماط الحكم الموروثة التي تعود لحقبة وستفاليا عام 1648م من الجهة الأخرى.
بينما يتناول الفصل الثاني الفيلسوف الكندي تشارلز تايلور والذي يرى من خلال تجربته الطويلة في كندا وعن طريق الكثير من المؤلفات في هذا الجانب وبشكل خاص كتابه «هيجل والمجتمع الحديث» الصادر عام 1981م، والذي يرفض فيه أي تصور ذرّي للذات الليبرالية، حيث ينظر للإنسان بوصفه جزءًا من العالم، وعلى علاقة وثيقة بالسياق الثقافي الذي ولد فيه، ولا سيما من خلال اللغة. كما يرى أن «سياسات الاعتراف بالهوية وسيلة لتنشيط الحس المدني والشعور بالانتماء المشترك» ص 103. تأتي وجهات النظر هذه وغيرها من تايلور لتؤكد معارضته للحياد الليبرالي الذي تتخذه الكثير من السياسات في الدول ذات التعددية الثقافية، حيث يرى في هذا الجانب أن الليبرالية المحايدة رؤية ملائكية لا علاقة لها بالعالم الحقيقي الذي تعمل فيه الديمقراطيات، ذلك التزام الصمت من قبل النظام السياسي يعني ضمنيًا تفضيل الليبرالية لثقافة الأغلبية، بما فيها طغيان ثقافتها، وعاداتها، وتقاليدها. كما يمتد ذلك ليصل إلى أن الفصل بين الفضاءين العام والخاص ظاهرة مصطنعة، وغير طبيعية، الأمر الذي يجعل من الضروري إعادة الاعتبار للخصائص العرقية والثقافية والدينية المشتركة للمجتمع.
كما يذهب من جانب آخر، إلى أن الدين، وهو العامل الذي عاد للحياة العامة بقوة من جديد بعد انتشار فكرة انسحابه منها، وذلك من خلال كتابه «عصر علماني» والتي تشير إلى أن التدين أو الخيار الديني أصبح ضمن خيارات كثيرة للفرد في العصر المعلمن الذي نعشيه منذ فترة طويلة، وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال غيابه أو اختفائه من الحياة العمومية، بل اتخذ مسارًا آخر، يتناسب والتعددية التي تشهدها المجتمعات المتعددة ثقافيا. الأمر الذي يتطلب إعادة استثمار الدين من جديد وإعطائه مكانة مناسبة في روح وضمير الأفراد في مجتمعاتهم الجديدة.
بينما يتناول الفصل الثالث، المفكر الكندي ويل كلميليكا المعروف بغزارة إنتاجه ومساهماته الكثيرة في هذا الجانب، الذي يُعتبر في منزلة بين المنزلتين، والتي تتمثل الأولى في الجانب الليبرالي والذي يصر على الحقوق الفردية وأهميتها وضرورتها، في حين يذهب الجماعتيين إلى الحاجة لحماية الجماعات التي تُعد بمثابة حامل للقيم الفردية والجماعية والتي تحافظ على تماسك المجتمع، وبالتالي تُبقي الفرد في وضع آمن، وتساعده على تحقيق حقوقه وقيمه الثقافية المختلفة.
وبالرغم من التداخل الكبير بين التيارين، إلا أن اجتهادات ومساعي كيميلكا تهدف إلى التوفيق بينهما، وذلك من خلال جعل الليبرالية أكثر إدراكًا للاختلاف الثقافي، عن طريق إدماج القضايا الثقافية في النظرية الليبرالية، وهو ما يعني في هذا السياق، إعادة تقييم فكرة حقوق المجموعات بحيث لا تتعارض مع الحقوق الفردية. يتفق كيمليكا في هذا الجانب مع جون لوك، الذي يرى أسبقية الحرية الفردية والقيم الكونية والملكية الخاصة، والتي تتطلب تدخلًا من الدولة للحؤول دون الوقوع في التجاوزات الممكنة من الأغلبية تجاه هذه الأقليات والأفراد الذي يشكلون مشروعات وهويات جديدة تتشكل بحرية.
وهذه الرؤية تعاكس بشكل جذري وعميق ما سبق طرحه في الفصلين الأول مع بيكو باريك، والثاني مع تشارلز تايلور، وذلك من خلال اقتراح نموذج يسعى للاستجابة لمطالب الهويات الفردية المختلفة. بحيث يقوم هذا النموذج، على ضرورة انفصال الجمهورية عن الجنسية، كما انفصلت عن الدين سابقًا، وتحديدًا منذ الصراعات بين الأديان التي ميزت بدايات الحداثة» (ص146)، ما يعني بأن الحياد الليبرالي -بحسب تحديد رولز السابق- يعتبر خاطئًا وبحاجة ماسة لإعادة النظر كما يرى كيميلكا.
فالحرية الليبرالية –كما يذهب كيميلكا– ليست كيانًا فارغًا يؤدي إلى رفض نهائي للقيم والأدوار الاجتماعية، ولكنها تتضمن أيضا حق الفرد في التداول والقبول والمراجعة والتي ربما تؤدي لرفض الانخراط في الحتميات الاجتماعية المرسومة مسبقا والتي تتضمن بذلك نقدا لمسار الجماعاتيين الذين يركزون على أدوار الجماعات المختلفة كالجماعات الدينية، والنقابات، والكنائس، وغيرها، دون التفكير في الأقليات أو الهويات الجديدة التي تتشكل بطرق غير معهودة، والتي تتخذ مسارات بدون دروب مرسومة مسبقًا. بهذا المعنى يرى كيميلكا أنه من الضروري أن تفهم الحقوق الجماعية على أنها مجموع الحقوق الفردية التي تُمارس من قبل الأفراد، وليس الجماعات فقط. الأمر الذي منح الاستقلالية الفردية أمام قيم ومبادئ الجماعات أهمية كبيرة، بالرغم من وجود الهويات الجمعية التي تؤثر لحد كبير على الأفراد وقراراتهم الحياتية.
كما يتناول الفصل الرابع، الفيلسوف الكندي أيضا جيمس تولّي James tully، الذي يرى أن «الدستورية الحديثة هي السبب الرئيسي في عدم تكيف المجتمعات الديمقراطية الحديثة مع التنوع» (ص181)، حيث إن الدستور يمنح الحقوق والواجبات الملقاة على عاتق المواطنين دون الأخذ بعين الاعتبار الاختلافات الجذرية والسطحية بينهم، المتمثلة في الاختلافات اللغوية، والثقافية، والعادات والتقاليد المختلفة، لذلك توضع كل هذه الاختلافات تحت عنوان سطحي عريض جدا، وهو اللاعقلانية، التي تتنافى مع قيم الحداثة، وتنتمي لفترات ما قبل الحداثة، ولغتها التي انتقدها تولّي بشدة أيضا في مشروعه النقدي، والذي لاحظ أن أصوات الأقليات الفكرية قد حُيدت لصالح رؤية موحدة للمجتمع السياسي، وبخاصة في الفكر الليبرالي والاشتراكي. كما يعود أيضا هذا التماثل إلى سيادة لغة التنوير الأوروبي في الحديث عن الجانب السياسي المتنوع، كما هو الحال في المفاهيم الخاصة بالدولة الأوروبية الحديثة، كالحزب، مفهوم الأمة، أو حتى الحركات الاجتماعية. الأمر الذي يمهد لاستمرارية العصر الكولونيالي حتى وإن لم تكن الأوضاع السياسية كذلك، إلا أن اللغة المستخدمة تشير إلى بقاء هذا النمط الفكري واستمراريته، وبالتالي تشير إلى ضرورة الأخذ في الحسبان تنوع السكان الأصليين، وبشكل خاص في مناطق متنوعة مثل الكيبيك وكالتالونيا، وهي المناطق التي طالبت بالحكم الذاتي لفترات طويلة، بالرغم من وجود نمط ديمقراطي في الحكم في هذه البلدان، إلا أن الحضور الكبير لأيديولوجيا الليبرالية أضاع تأسيس أرضية مشتركة للحديث مع الشعوب الأصلية، وبشكل خاص -على سبيل المثال- في مسألة ملكية الأرض المستمدة من التفكير الليبرالي والتي لا تتناسب مع لغة وتفكير هذه الشعوب.
وكمخرج من هذا الانسداد التاريخي والمفاهيمي، يعمد تولّي لإعادة التفكير في الدستورية الحديثة، وتحديدا في كتابه «التعددية الغريبة: الدستورية في عصر التنوع»، حيث يرى بأن ثلاث مدارس أو حكات أسهمت في تآكل الأمبريالية الأوروبية، وهي ما بعد الحداثة، النسوية، والتعددية الثقافية، كما عززت هذه المدارس في المقابل التنوع الثقافي ورسخته في الحياة المجتمعية الأوروبية.
بالرغم من كل الجهود النظرية والفلسفية التي صاغها المفكرون والفلاسفة الموضحة أعلاه، فإنها تعرضت لعدد كبير من النقود من مفكرين آخرين، طرحوا مخاوف وهواجس لم تكن في حسبانهم، ومنها نقد برايان باري، من أن التعددية الثقافية تستعيد حجة التنوير المضادة المتمثلة في «الإشادة بالخصوصيات، وإدانة عملية توحيد شكل المجتمعات، وكذلك الإصرار على الطابع السياقي والتاريخي للقيم الثقافية» (ص209). كما تسهم سوزان أوكين أيضًا بالإضافة لأخريات في المسار النقدي هذا، والتي تنطلق من وجهة نظر نسوية، وخاصة بعد كتابها «هل التعددية الثقافية مضرة بالنساء؟» التي ترى أن سياسات ونظريات التعددية الثقافية التي وضعها مفكرون مؤثرون، كانت معادية لتحرر المرأة، الأمر الذي ولد توترًا حادًا بين حقوق الجماعات وحقوق النساء.
في الختام، من الضروري القول، إن التعددية الثقافية لا تقتصر فقط على المجتمعات الديمقراطية، وإن كانت حظيت بنقاشات واسعة ومنذ فترات زمنية طويلة، إلا أن بقية المجتمعات تستقبل الكثير من المهاجرين وتنشأ بها الأقليات بشكل طبيعي لأسباب كثيرة، غير إنها لا تحظى بهذه الحوارات والحقوق والجدل الفكري والفلسفي على كل الأصعدة بما فيها الأكاديمي والإعلامي وغيرها. فالأقليات في الكثير من المجتمعات تعاني من تهميش مزدوج، بما فيها الأقليات المواطنة التي لا تُشكل أغلبية عرقية أو لغوية، ناهيك عن الهويات الجديدة التي تتشكل يوما بعد يوم. وهو ما يضع التعددية الثقافية في مركز الفلسفة السياسية خلال السنوات القادمة، ويسهم في طرح تساؤلات حيوية حول مستقبل التعددية الثقافية في ظل هذه التحديات التي تواجهها من جهة، وفي ظل عدم الحديث عن هذا الموضوع بشكل كبير في الدول العربية ذات نظام الحكم التقليدي من الجهة الأخرى، والتي لا تأخذ بالحسبان التنوع الطبيعي للهويات والأفراد والسلوكيات وغيرها. غير إنه يُلقي ضوءًا ساطعًا حول أهمية الأصوات المختلفة في صياغة وتأسيس بل وتوسيع مساحة المجتمعات والتعايش فيها بين الأفراد.
علي بن سليمان الرواحي كاتب عماني