المشترك اللفظي بين اللغات السامية.. السريانية والشحرية نموذجا
تزخر المنطقة العربية بالعديد من المفردات الثقافية المتفردة، لعل أهمها اللغات التي حملت الأديان السماوية الثلاثة إلى البشرية، تلك التي سُميت لاحقًا باللغات السامية، التي شكلت ثقافة المجموعات السكانية في منطقة شبه الجزيرة العربية وبعض الأجزاء من إفريقيا كالحبشة مثلا.
سنحاول هنا الاقتراب من مفهوم اللغات السامية، وأبرز آراء علماء الساميات المنتقدة للمصطلح أو المتفقة معه. على أية حال فإن المنطقة العربية التي شهدت نزول الأديان وتشكل المعالم الأولى للحضارة الإنسانية هي المنطقة التي قدمت للعالم أولى الحروف والأبجديات والشرائع. ونحن لا نقدم هذه المعلومات للتفاخر أو للتمييز بل للحقائق الواقعية، ولتلك الأسباب فإننا قد نفهم ديمومة الصراعات في تلك المنطقة التي قدمنا منها. وقدمت منها الأديان السماوية والعلوم والمعارف.
اللغات السامية
يتفق علماء اللغات السامية على أن العالم النمساوي «شلوتزر» هو أول من أطلق تسمية اللغات السامية سنة 1781م، على مجموعة من اللغات المشتركة مثل: العربية والعبرية والآرامية والحبشية، معتمدًا في تلك التسمية على ما جاء في سفر التكوين الإصحاح العاشر(1). وأن شعوب المنطقة تنسب إلى سام بن نوح.
لقيت تسمية اللغات السامية اعتراضًا من قبل علماء الساميات أنفسهم، مثل «تيدور نولدكه» و«موسكاتي» وغيرهم، فنولدكه يقول: «إنها لا تُبنى على وجهة نظر لغوية»، وموسكاتي يقول: «إنه لا سبيل إلى تفسير هذا التقارب إلا بافتراض أصل مشترك لها»، أما جواد علي فيقول: «لا يمكن الحديث عن السامية على أنها جنس صاف، بالمعنى الانثربولوجي»(2). بينما المستشرق «كارل بروكلمان» يراها «تسمية مختصرة ومناسبة، كما هو الواجب في الأسماء الاصطلاحية»(3).
وقد سبق علماء اللغة والمعاجم العرب العالم «شلوتزر» في ذكر التشابه بين اللغات السامية، فالخليل بن أحمد الفراهيدي صاحب كتاب العين، يكتب عن الشبه بين اللغة العربية ولغة الكنعانيين. أما ابن حزم الأندلسي فقد ذكر في كتابه «الإحكام في أصول الأحكام» التشابه بين اللغات العربية والعبرية والسريانية.
ونحن بدورنا لا ننظر إلى المسمى إلا كمصطلح تداولي، لا أكثر ولا أقل، مع الإقرار بأن كل اللغات السامية منبتها المنطقة العربية، حتى اللغة الحبشية، المصنفة ضمن اللغات السامية الجنوبية، فإن علماء الساميات ينسبونها إلى أقوام سكنت الجزيرة العربية ثم هاجرت إلى الحبشة.
تُقسم اللغات السامية على ثلاث مناطق:
1- السامية الشرقية: الأكادية بلهجاتها البابلية والأشورية.
2- السامية الغربية: «شمالية وجنوبية» فالشمالية تضم الكنعانية والآرامية، والكنعانية تنقسم على الأوغاريتية والفينيقية والمؤابية. والعبرية والآرامية تنقسم إلى مجموعتين شرقية وغربية، المجموعة الشرقية آرامية الدولة، وآرامية التملود البابلي والمندائية والسريانية.
أما المجموعة الغربية فتنقسم إلى اللهجة السامرية، وآرامية العرب الأوائل وتشمل التدمرية والنبطية والحضر.
أما الفرع الجنوبي من اللغات السامية الجنوبية الغربية، فيضم العربية الشمالية، منها اللغة العربية المتداولة حاليا.
والعربية الجنوبية بلهجاتها القتبانية والمعينية، واللغات العربية الجنوبية الحديثة «الشحرية المهرية السوقطرية» والحبشية والجنوبية، والحضرمية، والحبشة بلهجاتها الأمهرية والجعزية والتيجرية.
أهم ما يميز اللغات السامية عن اللغات الأخرى:
- اعتمادها على الصوامت (Consonants) في بداية الكلمة.
- إن أغلب الكلمات يرجع في اشتقاقها إلى أصل ذي ثلاثة أحرف.
- ليس في الساميات أي أثر لإدغام كلمة في أخرى.
- وجود حروف الحلق (ح. ع).
- حروف التفخيم أو الأطباق (ط. ص.ق.ض).
- الحروف الأسنانية (ظ. ث.ذ).
اللغة السريانية:
تعد السريانية إحدى اللهجات الآرامية، ولاحقًا سمى الآراميون أنفسهم باسم السريان بعد اعتناقهم للدين المسيحي؛ لأن الاسم القديم صار عندهم يدل على الكفر، مثل الاسم هليني عند اليونان(4).
تنقسم السريانية تبعًا لانقسام الكنيسة المسيحية إلى سريانية شرقية، وهي سريانية المسيحيين التابعين لتعاليم «نسطوريوس» ويسمون بالنسطوريين، وسريانية غربية وهي سريانية المسيحيين التابعين لتعليم يعقوب البردعي ويسمون باليعاقبة(5).
وأهمية السريانية تمكن في أنها اللغة التي كتب بها الكتاب المقدس من العهد القديم مثل نبوءة دانيال وسفر عزرا ونحميا.(6)
استخدمت السريانية الخط الاسطرانجولي وأصل الكلمة سريانية تعني المدور. ولكن بعد القرن الخامس الميلادي دب الخلاف بين النسطوريين المشارقة واليعاقبة في الغرب، فأصبح لدينا خطان، خط نسطوري شرقي، وخط يعقوبي غربي، ويسمى الأخير بخط «السرطو»، ويعني المستقيم، وهي كلمة حدث فيها قلب مكاني من كلمة السطر في اللغة العربية (7).
وهذا هو الخط الذي سنستخدمه في هذه الورقة.
تستخدم السريانية 22 حرفا «أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت»، إضافة إلى خمس حركات، إضافة إلى ستة حروف تنطق نطقًا مختلفًا حينما تأتي معها الحركات السابقة، وتجتمع الحروف في كلمة (بجد كفت - فتنطق هذه الحروف باللفظ القاسي «قوشايا» نطقا عاديا، لكنها في اللفظ اللين «روكاخا»، فتلفظ لفظا مختلفا (ب / v- ج/ غ- د/ ذ- ك/خ- ܦ/ ف- ت/ ث).
اللغة الشحرية:
تصنف اللغة الشحرية ضمن اللغات السامية العربية الجنوبية الحديثة مع المهرية والسقطرية.
وهي لغة مهددة بالانقراض كونها لغة شفوية غير مكتوبة، ويتم الاستعانة بالحروف الصوتية «الفنولوجية» في كتابة اللغة. ويتحدثها حوالي 100 ألف نسمة في ظفار بجنوب سلطنة عُمان.
تعد اللغة الشحرية لغة مستقلة من حيث «مخارج الأصوات، البنى الصرفية، بنية الضمائر، الحالات الإعرابية، أسماء الإشارة، والتذكير والتأنيث..إلخ».
تنطق الشحرية (93) حرفًا صوتيًا، منها (33) حرفًا أبجديًا و(6) حركات. وتنطق (25) حرفًا من الحروف تمامًا كنطقها باللغة العربية، أما الحروف الخاصة باللغة الشحرية، فهي (6)، ثلاثة منها شفوية (Labies/labial): ( ج/ جيود/ ش/ شاهي/ ض/ ضُيين/ عقرب)، وثلاثة شدقية (ض/ضورب وجع، ش/ شام باع، ذ/ ذيون، وهو حرف يحل محل حرف ل في كثير من الكلمات):
كما يوجد أيضا حرفان في الشحرية لها نطق مشابه مع بعض اللغات السامية:
- ص/ صود ( سمك).
- ق/ قيضوب (ذكر الضبع). حرف القاف يُنطق في الشحرية أحيانًا حرف الغين.
الحركات:
- ءَ أمئ /الأم
- ءِ إب/ الأي / اِب / الكبير
- ءُ أُز/ غنمة
- رآل/ رمال
- حهل/ زمن
- كوب/ كلب
بعض المفردات المتشابهة بين الشحرية والسريانية:
(انظر الجدول)
إن هذه المفردات المتشابهة في النطق والمعنى بين لغتني ساميتين، والتي عثرنا عليها من خلال دراستنا للغة الآرامية، لا يعني بالتأكيد أنها لا توجد مفردات متشابهة أخرى، بل تفتح المجال أمام دراسات مقارنة أكاديمية وعلمية بحتة، للوقوف على المزيد من التقارب اللفظي بين المفردات السامية. وهذه دعوة مفتوحة للمؤسسات البحثية الأكاديمية في السلطنة، لطرق هذا الباب، وتخصيص مساقات دراسية للغات السامية في كليات الآداب والعلوم الإنسانية؛ لأن عُمان هي البلد العربي الوحيد الذي يضم تنوعيا لغويا ثقافيا فريدا من نوعه في الجزيرة العربية، فالإضافة إلى اللغتين الشحرية والمهرية، المصنفتين ضمن اللغات السامية العربية الجنوبية الحديثة -تسمية الحديثة تميزا لها عن اللغات السامية الجنوبية المنقرضة مثل: القتبانية والسبأية- توجد لغات أخرى مثل: الهبيوت والحرسوسية والبطحرية، وهذه اللغات لا توجد إلا في السلطنة باستثناء المهرية والهبيوتية وهي لغات مشتركة مع اليمن.
الهوامش:
1- جهود المستشرقين اللغوية. السلطاني، فارس. مركز عين للدراسات والبحوث المعاصرة- د.م. ط1..2018. ص13.
2- المرجع السابق. ص 13-14.
3- فقه اللغات السامية، بروكلمان، كارل، ترجمة: رمضان عبدالتواب، منشورات جامعة الرياض 1977. ص11.
4- قواعد اللغات السامية، عبدالتواب، رمضان، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط2، 1983، ص181.
5- المرجع السابق، ص181.
6- اللمعة الشهية في نحو السريانية، الموصلي، اقليميس يوسف داود، الموصل، دير الآباء الدوسكيين، 1879. ص 8.
7- قواعد اللغات السامية، مرجع سابق، ص 182.
المراجع:
- جهود المستشرقين اللغوية. السلطاني، فارس . مركز عين للدراسات والبحوث المعاصرة- د.م. ط1..2018.
- فقه اللغات السامية، بروكلمان، كارل، ترجمة: رمضان عبدالتواب، منشورات جامعة الرياض 1977.
- قواعد اللغات السامية، عبدالتواب، رمضان، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط2، 1983.
- اللمعة الشهية في نحو السريانية، الموصلي، اقليميس يوسف داوود، الموصل، دير الآباء الدوسكيين، 1879.