المؤرخ المصري شعبان يوسف: أنا نصير المرأة العربية
يعتبر المؤرخ والشاعر المصري شعبان يوسف أن الدفاع عن الكاتبة العربية قضية أساسية بالنسبة له، ولذلك خصص جزءا من مؤلفاته لإبراز جهودها وإسهاماتها في الثقافة والتنوير، ومن بين تلك المؤلفات «لماذا تموت الكاتبات كمدا؟» الذي تناول فيه حصار وتجاهل المبدعات حتى يرحلن حزينات ووحيدات وبائسات.
ومؤخرا أصدر شعبان يوسف عمله الجديد «الذين قتلوا مي زيادة»، ومن خلال فصوله يعيد الحق إلى مبدعة عربية كبيرة ومهمة حصرها عمالقة من عينة إبراهيم عبد القادر المازني وأنور المعداوي وسلامة موسى وغيرهم في رسائل الحب والغرام، وتناسوا إسهاماتها الكبيرة في الصحافة والأدب.
الحوار مع شعبان يوسف يعيدنا إلى زمن المعارك والصالونات الأدبية الكبرى ومعارك المدارس الطليعية والكلاسيكية، من خلال شخصية مي زيادة التي لا تزال تشغل أذهان الكثيرين رغم مرور أكثر من ثمانين عاما على رحيلها.
• متى قررت أن تخصص عملا كاملا عن مي زيادة؟
في عام 2015 وأنا أكتب الحلقات الخاصة بكتابي «لماذا تموت الكاتبات كمدا؟»، اكتشفت مدى الظلم والإجحاف والتسفيه والتسخيف والاستبعاد الذي تعرضت له الكاتبات، وهذه المفردات أسوقها ليس على سبيل المجاز أو المبالغة، ولكن كحقائق دامغة، والأدهى من ذلك أن هذه الحقائق لا يقترب منها الباحثون بأي شكل من الأشكال، فهناك كتابات كثيرة تؤرخ للفن والأدب في كل أجناسه الشعرية والسردية، وكذلك الإصلاح الاجتماعي، ولكن هذه الكتابات تخلو بشكل واضح وفاضح من التعريج على جهد الكاتبات والمبدعات، وهذا التجاهل لا يخص اليمين أو اليسار، فالتياران يشتركان في استبعاد الكاتبات، وفي الكتاب رصدت تلك الظواهر، واستدعيت بعض النماذج، أقول بعض النماذج، ولا أقول كلها؛ لأنها تقريبًا تشمل غالبية كتب التأريخ الثقافي والفكري والفني.
وفي بحثي، وجدت أن مي زيادة أكثر من وقع عليها الأذى والاستبعاد والتهميش، رغم أن اسمها يصدح في كل آونة وكل مجال، لكن هذا الصيت الذي أخذه اسم مي زيادة، يخص مأساتها الاجتماعية، وقد تناولها الباحثون وكاتبو سيرتها من طرف واحد فقط، واكتشفت أن من كانوا في حضرتها دائمًا، وتشملهم برعايتها وبوقتها وبأحاديثها، وتذكرهم في كتاباتها، وتكتب عنهم في الصحف والمجلات، هم سبب كبير في عملية استبعاد جهدها النقدي والفكري والإبداعي، ولم يتناول أحد منهم أي منجز أدبي لها، وهذا الأمر يشمل كتّابا كبارا ومرموقين لهم تأثير بالغ في الحياة الثقافية والفكرية والأدبية، مثل: طه حسين وسلامة موسى وإبراهيم عبد القادر المازني وعباس العقاد الذي كان يزهو بشكل علني بأنها كانت تحبه، ودائما ما كان يذكر أن شخصية هند في روايته «سارة» هي مي زيادة، وبالطبع هناك آخرون اشتركوا في تغييبها واستبعادها. لذا لم أكتف بالقدر الذي خصصته لها في كتابي الأول «لماذا تموت الكاتبات كمدا؟»، وقررت أنها تحتاج إلى كتاب يخصها، بل أكثر من كتاب في حقيقة الأمر، وعقدت العزم على ذلك، حتى واتتني الفرصة، ففعلت.
•قصدت من عنوانك «الذين قتلوا مي» القتل المعنوي، ومع هذا تبدو مفردة القتل صعبة وفيها مبالغة كبيرة، الهدف منها محاكمة بعض رموز الأدب والثقافة ممن تجاهلوا منجزها أو اختلفوا معها أو رأوها مجرد امرأة جميلة صاحبة صالون. لماذا وصلت إلى يقين بأن مي تعرضت للاغتيال؟
أتفق معك في أن العنوان صادم، لكنه ينطوي على قدر من الحقيقة، فما حدث مع مي، هو نوع من القتل، على الأقل نوع من القتل الأدبي والفكري والإبداعي، وبالطبع لا أقصد القتل الفيزيائي؛ لأنه أقل تأثيرًا وألمًا في رأيي، لكن التجاهل، قتل، والاستبعاد، قتل، والتسخيف الذي ارتكبه إبراهيم عبد القادر المازني أيضًا قتل، أي مثقف يدرك مدى تأثير التجاهل والاستبعاد على الكتّاب والكاتبات. هناك استبعاد مع سبق الإصرار والترصد، وما حدث لمي، هو قتل مزدوج، فعائلتها في بيروت دمرت نفسيتها بخطة دنيئة وتسببت في دخولها المستشفى هناك، والقتل الثاني هو تجاهل المحيطين بها لكل منجزها الإبداعي والفكري، لم يصدر عن هؤلاء سوى بعض كلمات العزاء والرثاء في تأبينها، تجاهلوا فيها ذكر إسهاماتها الصحفية والفكرية والإبداعية، وسار الجميع على نهج هذه الكلمات بعد ذلك، وجعلوا منها مجرد مادة ثرية للقيل والقال والتكهنات والنمائم الرخيصة إرضاء لصحف ومجلات كانت تتكسب من سيرتها في العشق والغرام.
•سلامة موسى رأى في مي آنسة مسيحية تدافع عن العرب واللغة العربية ثم عاد في رأيه وقال إنها تخشى الرأي العام وتحس على الدوام بأنها مسيحية في وسط إسلامي. في رأيك لماذا انقلب عليها؟
انقلاب سلامة موسى كان مفهوما؛ لأنه كان ينتمي لوجهة نظر متحفظة تجاه الأدب العربي، رغم طليعية كثير من أفكاره، إذ إن مي انتصرت بعكسه للأدب العربي قديما وحديثا، ومع مرور الوقت أصبح كل منهما يغرد في بستان مختلف، هي تستقبل في صالونها طه حسين والعقاد وأحمد لطفي السيد وإسماعيل صبري ومصطفى صادق الرافعي وغيرهم ممن كانوا امتدادًا أصيلًا وجدليًا وتجديديًا للثقافة العربية، بينما كان هو خصما لدودا لكل هؤلاء، أو بعبارة أقل حدة، كان على الطرف الآخر، فهو انتمى للثقافة الغربية بكل تقاليدها وصفاتها وبشَّر بها، أما هي فرغم إتقانها للقراءة والكتابة بعدد من اللغات، كالإنجليزية والفرنسية فقد ظلت على علاقة عظيمة بالأدب العربي، وقد تطور الخلاف بينهما إلى ما يشبه الهجوم من جانبه؛ لأنه كان ينتظر منها أن تكون في جبهته، لكنها اختارت معسكرًا آخر.
•لماذا انطلقت في كتابك من نسف معظم الأعمال عن مي، ولماذا وصفت كتاب كامل الشناوي «الذين أحبوا مي» على سبيل المثال بأنه كتاب شديد السطحية؟
كثير من الكتابات التي تناولت سيرة مي زيادة، كانت عزفًا على ألحان قديمة، وضعتها حالة ثقافية ذكورية، وكانت كتابات ظالمة، لأن معظمها دار حول قصص الحب والغرام والهيام وكلها مجرد أوهام وخيالات؛ لأنها لو كانت حقيقة، لشغلت مي زيادة، ولما استطاعت إنجاز كل هذا التراث الأدبي الذي تركته لنا، وهو تراث رائع لم يخضع لأي قراءات تحليلية فاحصة ممن حولها، أما كتاب كامل الشناوي، فهو شديد التفاهة والسطحية، لم يقدم فيه سوى جهد صحفي بائس يرضي غرائز الناس، ولا توجد فيه أي مادة فكرية، فقط بعض القصص المشوقة والمبالغ في مجازها، ولم يفعل هذا الكتاب سوى سكب البنزين على نار مشتعلة فعلا، ولأن كامل الشناوي كان صاحب قلم رشيق، وجملة لطيفة، وله حضور مهم في عالم الصحافة، زاد رواج هذا الكتاب شعبيا، على غرار الكتب الأكثر مبيعًا في الوقت الراهن.
•لماذا مال الرجال وهم أدباء كبار إلى حصر مي في جسدها؟
مي زيادة بالنسبة لكثيرين كانت ظاهرة اجتماعية خاصة. بدأت في الذيوع والانتشار منذ عام 1914، من خلال صالونها، الذي أصبح قبلة للقامات الفكرية والأدبية في بداية القرن العشرين. طه حسين نفسه كتب أن كثيرًا من الأدباء، تعاملوا معها ليس باعتبارها كاتبةً ومثقفةً فقط، وإنما امرأة شديدة الجمال، طاغية الأنوثة، وبالتالي ركز هؤلاء على المرأة الفاتنة لا الكاتبة صاحبة الإنجاز، خاصة أن الوسط الأدبي والثقافي لم يكن يتسع أو ربما لا يسمح بوجود الكاتبات والأديبات إلا بشكل نظري، والدليل على ذلك أن مي نفسها كتبت رسالة حادة عام 1914 إلى أحمد لطفي السيد، رئيس لجنة تأبين المترجم والعلامة أحمد فتحي زغلول «شقيق الزعيم سعد زغلول»، توبخه فيها بسبب اقتصار التأبين على الرجال فقط. لمَّحت مي إلى أن الرجال لا يريدون النساء إلا كنوع من الزينة فقط، ورد عليها لطفي السيد معترفًا بذلك الخطأ الفادح، ولكنه أشار إلى أن هذا الأمر كان هو رأي اللجنة وليس موقفه هو، والرسائل منشورة في كتاب «أطياف من حياة مي» للكاتب طاهر الطناحي.
•طه حسين في حفل تأبين مي رأى أن المقام يجب أن يكون لمي الإنسان فلماذا حكمتَ عليه بأنه تجاهل الحديث عن قيمتها الحقيقية؟
لم يكن موقف طه حسين منها محصورًا فقط في كلمة التأبين، ولكن التاريخ بينهما كان ينم عن ذلك التجاهل، وفي الكتاب رصدت بعضًا من التراشق الذي حدث بينه وبينها، واللهجة العدوانية التي بدت في عباراته، واتهامها بأنها لم تكن تريد سوى أن يقول الناس إنها هاجمت طه حسين، وبالتالي هناك استعلاء واضح في تعقيب أو هجوم طه حسين على مي، رغم أن ما كتبته لم يحتمل كل هذا العدوان، بالإضافة إلى أن عميد الأدب العربي وهو أحد العلامات الفكرية والأدبية الشامخة في أدبنا العربي، لم يتناول كتابات مي، من قريب أو من بعيد، بالنقد والتحليل والرصد، كما فعل مع توفيق الحكيم وإبراهيم ناجي وعلي محمود طه ومحمد عوض محمد وغيرهم. كتابات طه حسين عن الكاتبات بشكل عام شحيحة ونادرة، فرغم أنه كتب مئات المقالات والدراسات على مدى تاريخه، فإننا لا نجد إلا النذر اليسير عن الكاتبات، مثل كتابته عن سهير القلماوي، وهي تلميذته الأثيرة، ثم كتابته عن قوت القلوب الدمرداشية، وإيمي خير، وجان أرقش، لأنهن كن يكتبن بالفرنسية، وكان حادًا في تلك الكتابات، يكفي مقاله الصعب جدا الذي سحق فيه درية شفيق، وهذا الكلام بالطبع لا يقلل من حضور طه حسين العظيم في مختلف مجالات ثقافتنا العربية.
•هل تجربة مي الصحفية تستحق كتابًا كاملًا خاصة وأن الفصل الذي خصصته عن تلك التجربة يشير إلى مقالات أخرى بحوزتك لم تظهر في هذا الكتاب؟
طبعًا، مي كانت تكتب في صحف كثيرة، بداية من جريدة والدها «المحروسة»، مرورا بمجلة «الهلال»، ثم «المقتطف» التي نشرت فيها ثلاثة كتب بشكل مسلسل، وهي كتبها عن الشاعرات والأديبات عائشة التيمورية وملك حفني ناصف «باحثة البادية»، ووردة اليازجي، وهي كتابات تُعتبر رائدةً في مجال النقد النسوي، بالإضافة إلى تجربة كانت طازجة وجديدة في المجال الصحفي الثقافي، قادتها إلى أن تترأس القسم النسائي في «السياسة الأسبوعية»، جريدة حزب «الأحرار الدستوريين»، في تجربة من أبرز التجارب النسائية الرائدة في ذلك الوقت، حيث نافست القسم النسائي، برئاسة الرائدة نبوية موسى، في جريدة «البلاغ الأسبوعي»، التابعة لحزب «الوفد». استطاعت مي أن تجعل الكتابة والأخبار والتحقيقات والمتابعات في ذلك القسم، متجردة من توجه الجريدة أو الحزب بشكل كامل، وكتبت في أول عدد باشرت فيه عملها أنها لا تخدم حزبا بعينه، أو سياسة ما، ولا تسير في ركاب زعيم من هنا أو هناك، كتبت ذلك في ظل احتدام حالة الاستقطاب التي كانت واضحة في ذلك الزمان، وتلك المقالات التي كتبتها مي في ذلك الوقت، أي عام 1926، لم أرها في ما تم جمعه، ولا أدَّعي أنني أحطت بشكل كامل بما نُشر من تراث مي، لكن ما أعلمه أن أحدا لم يستفض في الحديث عن تلك التجربة.
•هل يمكن اعتبار أن محمد حسين هيكل هو نقطة الضوء الوحيدة في الكتاب بوقوفه مع مي؟
الدكتور محمد حسين هيكل، صاحب الرواية الرائدة «زينب» كان رجلا متزنا، وقضى معظم وقته في العمل الفكري والسياسي والأدبي، وعلاقته بمي لم يكن بها ذلك النزوع الذي طارد أو لاحق الآخرين، ذلك النزوع الذكوري في حالات الاستبعاد أو التسخيف الثقافي، وكذلك النزوع الاستقطابي الذي حاوله كثيرون معها، ممن كانوا يغازلونها في الصباح والمساء، ويصنعون خيالات هزيلة عنها، أما محمد حسين هيكل فلم يكن كذلك، ولم يتبادل معها أي رسائل، بل لم أقرأ أنه كان من بين رواد صالونها، ورغم ذلك قدمها في صحيفة «السياسة الأسبوعية» تقديما يليق بها وبه، وبخلاف هيكل هناك أمين الريحاني. عطف عليها، وذهب إليها في بيتها، واعتذر لها عن انجراره خلف شائعات روّجها البعض عن جنونها. بعد ذلك أصدر كتابا صغيرا جميلا عنها بعنوان «قصتي مع مي» اعترف فيه بخطأه، ولكن تلك الكلمات لم تستطع أن تخفف الجراح العميقة بروحها.
•ما الذي يجعل إبراهيم عبد القادر المازني يستخف بدعوة مي ثم يقبلها بعد ذلك؟ وهل يمكن تفسير الأمر بأن مي كانت تمثل سلطة ما بصالونها وعلاقاتها تجعل البعض متخوفًا من أن يرتبط بها؟
المازني كان حالة أدبية وثقافية وفكرية خاصة، وأظن أنه كان يشعر بدرجة ما بأنه لا يشبه هؤلاء العمالقة، ولم يلق بنفسه مثلهم في قصص غرامية كبيرة، ولم تتواتر عنه قصص حب ملتهبة سوى أشياء مضحكة، ولأنه كان صديقا لعباس العقاد، فلم يشأ أن يزاحمه في علاقته بمي. المسألة عند المازني نفسية أكثر منها ثقافية أو فكرية، فقد كتب عددا من المقالات عن مشاعره تجاه مي زيادة وما تكتبه وما تنشره، ضمَّنها كتابه «حصاد الهشيم» دون أن يحاول قراءة كتابيها «الصحائف» و«ظلمات وأشعة» اللذين أهدتهما له، وراح يتأمل غلافيهما الفاخرين كما ذكر في مقالاته، ويتساءل: لماذا تكتب المرأة؟ وأخذ يرسل كلاما أقرب إلى هذيان لا يخرج عن مساحة الذكورية التي يتمتع بها كتّاب كثيرون، والمدهش أنه اعتذر عن كل ذلك في حوار منشور بكتاب محمد عبد الغني حسن «حياة مي» لكن بماذا يفيد الندم؟
•هل يُعتبر الناقد أنور المعداوي هو الأكثر عنفا في وصف مي.. ولماذا؟
أنور المعداوي رغم تمتعه بفرادة في الأدب والنقد والثقافة، ورغم أنه صاحب تجربة صحفية عميقة، إذ تولَّى تحرير مجلة «الرسالة» مع أستاذه أحمد حسن الزيات، إلا أن تفكيره كغيره من الكتّاب الذكوريين، انطوى على حالة فصامية كبرى، فموقفه رجعي من المرأة عمومًا، وموقفه طليعي من الثقافة بشكل عام، وهناك كتاب مهم حرره ونشره الناقد رجاء النقاش، عن «رسائل أنور المعداوي إلى الشاعرة فدوى طوقان»، لم يخرج من عباءة عنترة بن شداد وامرؤ القيس وغيرهما من الفرسان القدامى الذكور، فلم يروا في المرأة سوى بستان من الفاكهة الحسية تنتظر الأكل والغزل وكل أفعال الاحتكاك المادي والجسدي، وهذا أدى بالمعداوي أن يصف مي بأنها امرأة شاذة، وأن حرمانها من ممارسة الحب، أدى بها إلى الجنون. اختصر مي بشكل أكثر تعسفا من آخرين في أنها مجرد جسد محروم، وبالتالي حدثت الكارثة، وطفح الطوفان على حياتها. والغريب أن المعداوي كان أحد رواد التحليل النفسي للأدب، وكان كتابه عن شعر علي محمود طه، علامة في ذلك الاتجاه، ولهذا يبدو موقفه من مي غير مفهوم.
•لو قدر لمي أن تعيش حتى اللحظة الحالية هل كانت ستجد مناخًا أفضل تبرز فيه كصحفية وكاتبة؟
أظنها لن تحتمل ما يحدث، فالتمييز أصبح أشد وطأة، ولدينا أمثلة كثيرة على ذلك، أبرز هذه النماذج الدكتورة نوال السعداوي التي لم تنل أي تكريم يليق بها في حياتها، أو بعد رحيلها، المرأة الكاتبة في عالمنا العربي لا بد أن تمر من أبواب واسعة للذكورية، وإن أرادت أن تسير في الاتجاه العكسي، انهال عليها كثير من أنواع الأذى، بداية من التجاهل، مرورًا بتسخيف ما تكتب، وصولًا إلى اتهامها بأن هناك من يكتب لها. المرأة الكاتبة في عالمنا العربي لا بد أن تتكئ على «شلّة» ما، ومن خرجت عن قطعآن الشلل، فقدت كثيرًا من الأوسمة وأشكال التكريم والجوائز الزائفة، وأظن أن مي كانت ستسير في الاتجاه المعاكس.
•لماذا تهتم دائما بقضايا المرأة وتعرضها للظلم كما فعلت في كتابك «لماذا تموت الكاتبات كمدا؟». هل تعتبر أنك نصير المرأة العربية؟
أنا نصير لكل من نالهم التهميش والاستبعاد ظلما وعدوانا، والكاتبات هن أكثر من تعرضن لذلك. هناك تقصير حاد وواضح في إبراز جهدهن الفكري والأدبي والثقافي، وأعتقد أن كتابي «لماذا تموت الكاتبات كمدا؟»، كان بداية الحديث عن ظاهرة تهميش الكاتبات والمبدعات، لدرجة حذفهن تماما من الصورة. كل المجاميع القصصية تقريبا التي صدرت في عقدي الخمسينيات والستينيات في مصر، كانت لرجال. مجلة «جاليري 68» الطليعية لم تنشر إلا نصا وحيدا للكاتبة صافيناز كاظم، رغم وجود كاتبات كثيرات مثل جاذبية صدقي وصوفي عبدالله وفوزية مهران ونجيبة العسال وغيرهن، ومن هنا كان اهتمامي بهذا الجانب، وأنا سعيد بهذا الدور، وسعيد كذلك بأن ما أكتبه في هذه القضية يجد اهتماما واسعا في الحياة الثقافية المصرية والعربية.
•ما أكثر شخصية نسائية عشت معها في الأرشيف وعدت معها إلى الماضي؟
أظنها لطيفة الزيات. أحاول إنجاز كتاب عنها؛ لأنَّ لها وجوها أخرى ليست معلنة، وظلّت هذه الوجوه مسكوتا عنها، بإرادة لطيفة نفسها، وإرادة من كانت تنتمي إليهم، سواء من اليمين أو اليسار الثقافي، في الخمسينيات والستينيات. وحالة الصمت تلك شائعة في الثقافة المصرية أو العربية، ونحن جميعا مدانون حتى نتحدث ونكشف المسكوت عنه ونفصح عن الخبايا، مع أننا لن نسلم من التجريح، لكني لا آبه حتى لو طالني، فعلى المؤرخ أن يتجرد من كل نوازعه الأيديولوجية، فالأيديولوجيا كثيرا ما تكون مقبرة للحقائق.
•في رأيك لماذا استقبل الوسط الثقافي هذا الكتاب بنوع من الاستحسان؟
أظن أن الكتاب لامس بعض الحقائق المسكوت عنها، والقارئ يحتاج إلى كشف حقائق جديدة لا يعرفها عن أشخاص يرتبط بهم وبحبهم، ورغم تقاعسي في ترويج وتسويق ما أكتب، إلا أنني أكون سعيدا بذلك الاستقبال الطيب.
•أخيرا، ما هي الكتب الأخرى التي تعمل عليها بخلاف عملك عن لطيفة الزيات؟
أعمل على كتابين، الأول عن مصطفى محمود، والثاني عن نجيب سرور، والكتب الثلاثة، إذا أضفت كتابي عن لطيفة الزيات، تتبنى رواية أخرى عن الثقافة المصرية، الرواية المستبعدة، وأظن أنها كتب ستثير الجدل، كما حدث حين أصدرت أعمالا عن يوسف إدريس ونجيب الريحاني وغيرهما، لكنني على أتم الاستعداد للمواجهة.
حسن عبدالموجود كاتب وصحفي مصري