اللبنانية أصالة لمع: أجد الشعر في كل عناصر الطبيعة.. من العشبة إلى النجمة
ترى الشاعرة اللبنانية أصالة لمع أن تغيراتٍ مجتمعيةً وتكنولوجية جعلت هناك جنوحا نحو الاستسهال والرداءة، كما منحت الحظوة لفنون أخرى، فالرواية مثلا أصبحت تحصل على اهتمام مضاعف. وبالتالي فقد الشعر مكانته القديمة، ولم يعد ديوان العرب، لكن أصالة لا تهتم بالتغيرات قدر اهتمامها بأن تكتب ذاتها بصدق، وأن تصل قصيدتها إلى قارئ ينفعل بها.
أصدرت أصالة لمع ديوانين، الأول هو «التفاتة نحو نغمة خافتة» والثاني صدر مؤخرا تحت عنوان «فيما تمعن فيك الأشياء العادية»، وحظي الديوانان بترحاب نقدي وإعلامي، وتُرجمت بعض قصائدهما إلى عدة لغات عالمية. هنا حوار معها حول رحلتها مع الشعر والأدب.
هل يشير العنوان بداية إلى تأثير الأشياء العادية عليكِ؟ أم يدل أكثر على اقتراب قصيدتك من التفاصيل العادية؟
لا يمكن للشعر أن ينفصل عن التفاصيل العادية، هو يترصَّدنا تحديدا في هذه التفاصيل، التي قد تبدو خارجه غير مرئية إلى حد بعيد. لا شك أن قصيدتي على صلة بهذه التفاصيل، لكنني في العنوان قصدت أن أشير أكثر إلى أشياء تحول بيننا وبين الدهشة، بيننا وبين لمعان نريد أن نصل إليه. الشعر هنا محاولة للحاق بما هو خارق للعادي، محاولة لتحدي هذا البرود الانفعالي الذي يقودنا إليه مشهد لم يعد يتبدل، إيقاع واحد وبطيء؛ مثل حقل واسع يظهر أمامك من نافذة في قطار، أو صوت تكات الساعة وهو يدق في رأسك بانتظام في الليل، والديوان أغنية هادئة تمشي بمحاذاة الأشياء العادية، تُلَمِّع وجهها وتحاول أن تصطفي لها معنى.
قصيدتك ليست قصيدة تفاصيل اليومي والعابر وهي أيضا ليست قصيدة المجاز الكامل، وإنما تقف في مسافة بين الاثنين.. ما رأيك؟
أوافق، وأعتقد أنني بلا قصد أحافظ على هذه المسافة. قصيدتي على احتكاك كبير باليومي والعابر، بالطبيعة والمدينة والوجوه والأصوات. في هذا الحيز تشتعل شرارة الشعر، فأنساق إليها وأمتلئ بها، وأكتب دوما بانفعال. لا أعرف حين أبدأ الكتابة إلى أين سوف يقودني الشعر بالتحديد. إنما مهما كانت الوجهة، أجد لغتي ترتفع بسلاسة من العادي نحو المجاز. أحب المجاز، أعتقد أنه المكان الذي تتكثف فيه شعريتنا، أحب توتر اللغة المجازية وأستمتع بإعادة خلق العالم في كل صورة. أقرأ الشعر الذي لا يعتمد على المجاز، وأحبه أحيانا، لكنني عاجزة عن كتابته، لأنني بحاجة إلى خلق حيِّزي الشعري الخاص. من جهة ثانية، الإغراق في المجاز يمكن أن يصبح تكلفا، ولا أحب الشعر الذي ينفصل تماما عن الملموس، خصوصا حين لا أفهمه.
رغم أنك تتساءلين في قصيدة «خدعة الاستعارة» كيف صدقنا مزيدا من الاستعارات.. إلا أن الديوان لا يعدم الاستعارات. هل الحياة نفسها استعارة؟
الاستعارات خادعة طبعا. نحن نتحايل على الحياة بالمجاز ونعيد تشكيل العالم كما تريد ذاتنا الشاعرة. في المجاز، ينفصل الشيء عن حقيقته ويصبح كما يريد الشاعر أن يراه. لكن الأمر يشبه الوقوف على جرف، يمكننا أن نحلِّق إنما هناك دوما حالة من السقوط تحدث عند الاستيقاظ على الواقع. المجاز حافة يقف عليها الشاعر، بوعي تام بأنه ينظر لظلال الأشياء ويشيح عن الأشياء نفسها، لكن هذا تحديدا ما يبقيه حيا: أن يكون حرَّا في مجازه، وأن يجعل الحياة نفسها مجازا حين يناسبه ذلك.
ما الجيل الأقرب إليك؟ ولماذا لا تهتمين بالتصنيف؟
الجيل الأقرب إليَّ طبعا هم شعراء الحداثة، مَن أسسوا لقصيدة النثر بشكلها المحبب، أعني أنسي وأدونيس وغيرهما.
لا أهتم بالتصنيف لأن الشعر الحقيقي عابر لكل حيز زمني أو مكاني أو حتى فنِّي. لا يهمني إن كنت أقرأ للمتنبي أو لدرويش أو لرامبو أو لتشارلز سيميك.. ما يهمني هو تأثير القصيدة علينا، ويفترض أن يكون بالزخم نفسه إذا كان الشعر شعرا حقا.
في قصيدة «قناع» تقولين: «لا أحب نفسي حين لا أشبه نفسي».. هل الديوان هو محاولة للنظر إلى الذات عبر مرايا متعددة؟
أنا مفتونة بالمرايا. المرآة عنصر شعري ملهم وحاضر في قصيدتي. ربما لأنني أشعر بأنني كثر، وما زلت أبحث عن الذات الأقرب إلى حقيقتي. ولأن فكرة الانعكاس تؤرق الشاعر. الشاعر يتخيَّل العالم كما يراه هو، عبر الضوء الذي تُسقِطه نظرته على الأشياء. المرآة تخبرنا أن الضوء الذي تسلطه علينا الأشياء والآخرون يمسُّنا أيضا. أحزن حين أرى صورتي مشروخة في إحدى المرايا أتلصص منها على نفسي، لأنني بحاجة إلى اكتمال يجعلنا أصلاء، أياً كانت المرآة أو الزاوية أو العين التي تعكس ضوءها على صورتنا. ليس الديوان فقط، وحتى ليس الشعر، بل الفن بشكل عام، هو هذا البحث المحموم عن الذات الحقيقية، يجعلنا ننفصل عنها ثم ننظر إليها عبر مرايا عديدة.
تسيطر على الديوان مفردات الوحدة بتعبيراتها المختلفة. في قصيدة «شعور عابر» مثلا تجزمين بأننا «وحدنا في العالم»، وحتى في القصيدة التي يشي عنوانها بالأُنْس وهي «لست وحدك» يبدو البطل فيها غريبا ووحيدا في الطريق وإن أظلته الغيوم والمصابيح والنجوم.. ما تعليقك؟
كل ما أكتب مشغول بخيط الوحدة. وهي في هذا الديوان، إحدى الثيمات الأساسية. لا أتنكر لوحدتي، على العكس أُربِّي ألفة رقيقة معها وأتعلَّم أن أحبها. أعتقد أن العملية الإبداعية تنطلق دوما من هذا الشعور بالاغتراب، من الحاجة إلى إعادة ترميم صلة انقطعت مع العالم. ولا أعرف كيف تكون الكتابة ممكنة دون أن يشعر الكاتب، ولو مؤقتا، بأنه وحده في العالم. في «لست وحدك»، نوع من المواساة، من الشعور بوحدة أقل والتآلف مع الشعور المؤلم عبر تحويله إلى حالة جمعية، إلى «شيء عادي»: «لست وحدك من فقد جسده أيها الغريب/ ولست وحدك من تصيبه حيرة الطرقات في المساء/ وملمس الخشب في الجوف/ ولستَ وحدك مَن تحت هذه المظلة الملونة/ يصيبه البلل حتى ضلعه الأخير/ ومَن لفرط شاعريته/ يصبُّ هذا المطرُ/ في قلبه». أن تعرف أنك حتى في وحدتك، لستَ وحيدا، هكذا يجعل الشعر العالم أقل وحشة.
تريد الذات الشاعرة أن تعود إلى روحها وتبقى هناك وألا تخرج من نفسها، تريد أيضا أشياء لم تعرفها أو تملكها يوما ما، تريد أن تكون قادرة على التخلي، تريد أن تتخلص من قلق الأشياء المعذِّبة.. ما أكثر الأفكار التي أردتِ توصيلها من خلال الديوان؟
هناك توتر عال في الديوان. هذا القلق وهذه الأسئلة لا تؤدي بالضرورة إلى شيء واضح. لكنها تحتاج لأن تعبِّر عن نفسها وأن تتكثف لغويا وشعريا. لا غاية واضحة للشعر هنا، هو يتخذ كيانه فقط، تاركا للقارئ مساحة حرَّة للتماهي مع هواجسه الخاصة. شيء مثل مقولة أرشيبالد ماكليش: «ليس على القصيدة أن تعني، بل أن تكون».
تقولين في قصيدة «تيه» «أنا الواقفة على حافة الأشياء، بين ما يحدث حقا وما أتوهم به.. وهذه النظرة في تقديري هي ما تنطلق منها قصائدك، فهي تقع بين نقيضين دائما، إضاءة وعتمة، استعارة وكلام عادي، واقع وأحلام، حقيقة وهذيانات.. ما رأيك؟
لديَّ فعلا هذا الشعور بأنني أهيم في مكان حدوده مغبشة. حيث الأشياء ليست حقيقية تماما لكنها ليست متخيلة أيضا. كل حياتي متأثرة بهذا الشعور الضبابي الذي يجعل للأشياء ماهية فريدة بين الحقيقة والوهم، بين الحضور والغياب، بين الملموس والمتخيل. أوافق بأن قصيدتي أيضا تولد على هذه الحافة، وبأنني آخذها أو هي تأخذني من الشيء إلى نقيضه باستمرار. في نهاية الأمر، لا أعتقد أن الثبات يقود إلى العملية الإبداعية، بقدر ما يفعل التأرجح بين السؤال والسؤال، بين الخواء والمعنى، بين الوحدة والتوحد مع العالم. هذا هو التيه الذي يخنقني أحيانا، وأحيانا أشعر بأنني ممتنة له، للهشاشة التي يلف بها الحياة، للقصيدة التي تهبط من غيومه، فيبدو كل شيء للحظة مناما ناعما لا أكثر.
من أين ينبع الشعر لديك؟ أين تجدينه؟
الشعر موجود في كل مكان، ينتظر كامنا، ويكفي أن نشرع الحواس قليلا لنكتشف أنه ليس غريبا. أجده في اللغة، في مفردات أقع في حبها فجأة، في صورة أقرؤها فأجدها جميلة إلى درجة موجعة. أجده في الطبيعة، التي أعتبرها العنصر الشعري الأكمل في العالم: من العشبة إلى النجمة، من التراب إلى السماء. أجده في الناس، في ملامح التعب على وجه غريب في الشارع، في تشابك يد أم بيد ابنها، في دمعة عالقة على جفن سفليٍّ. أجده أيضاً في مشهديات عادية تصل إليَّ بشكل مكثف: باب خشبي ملون، مقعد وحيد تحت شجرة وحيدة، ستارة ترتجف في الهواء، باقة من الورد في سلة تسوق. وأجده داخلي، كثيرا في الذاكرة. أسترجع الذكريات كمن يعيد كتابة التاريخ، أكتبها كمن يستعيد تداعياتها في الواقع، حتى أنني لا أكون متأكدة أنها حدثت حقاً. ينبع الشعر من كل هذا، من الجمال، من الوجع، من السؤال، من الشك، من كل ما يعصف بالحواس، من كل ما يظل قادرا على إحداث الانفعال والحماسة وهذا الفعل الخطر بالانسياق نحو أكثر أماكننا خصوصية، وعدم الخوف من كشفها على الملأ!
ما المختلف بين ديوانك الأول «التفاتة نحو نغمة خافتة» وهذا الديوان؟
هو الفرق بيني حين كتبت «التفاتة نحو نغمة خافتة» وبيني حين كتبت هذا الديوان. الشعر مرآتي الأكثر صدقا، وقصائدنا تعيش معنا وتكبر معنا وتُصقَل معنا. نحن نتاج تجاربنا الحياتية والأدبية معا؛ الخيبات والنضوج والأمومة من جهة، والقراءات والانكباب على الكتابة والاشتغال باللغة من جهة أخرى. كل هذا يغير فينا بالأيام وليس بالسنوات، ويغير بقصائدنا أيضا بالدرجة نفسها.
ما زلت أكتب كما أتنفس، بلا تفكير أو صنعة، لكن هناك اختلاف بين التجربتين. في الديوانين مناخ القلق نفسه، لكنني في الديوان الثاني أتشبث أكثر بأمومتي لأرى الأفق أكثر سكينة، وأتطرق إلى ثيمات أكثر تنوعا. اللغة مصقولة أكثر، والنص مكثف أكثر، وصوتي يتخذ نبرة واضحة. أشعر بأنني راضية عن مستوى الاختلاف بين الديوانين، ولن أنشر ديوانا ثالثا قبل أن أتأكد من أنني ما زلت قادرة على إحداث هذا التقدم بالتجربة.
أنت حاصلة على الدكتوراة في مجال العلوم السرطانية.. هل الشعر يخفف من صعوبة مجال تخصصك؟
مجال عملي بعيد عن الإبداع. يرغمني على عزل حواسي، على التفكير عوضا عن الشعور، حتى وإن كان الهدف النهائي إنساني إلى حد كبير، لكن الوسائل عقلية فقط. الشعر هو مكاني الآمن، حيث أطمئن على هشاشتي وأشدد على إنسانيتي. نعم، كل يوم، يجعل الشعر الحياة ممكنة وأقل وطأة.
ما الذي قدمته لك الثقافة الفرنسية كإنسان وشاعرة؟
السؤال عمّا قدمته لي كشاعرة أسهل، لأنني مفتونة باللغة الفرنسية، بغناها وموسيقاها وشاعريتها الداخلية. هناك مفردات في اللغة الفرنسية تحمل شاعرية عالية حتى خارج أي صورة أو توظيف. ولأنني أيضا متأثرة بشعراء الحداثة الفرنسيين: بودلير ورامبو ومالارميه وفاليري وايلوار وغيرهم. هذا التأثر الثقافي قدم الكثير للغتي ولشعريتي، أشعر أن قاموسي الشعري مضاعف، ويحدث أن تأتيني الفكرة بالفرنسية حين أكتب، وأقوم بترجمتها بشكل تلقائي. اللغة الثانية والانغماس في ثقافة أخرى هي عموما غنى للشاعر، والثقافة الفرنسية تحديدا هي مكان رحب ومعين واسع أستقي منه، البناء واللغة وحتى الأفكار والمعرفة والتجديد. أما ما قدمته لي هذه الثقافة كإنسان، فالسؤال أوسع، لأنه يفتح الباب على سؤال الهوية الشائك الذي لا يتسع المجال له هنا. سؤال اقتلاع الجذور والعيش في مكان غريب والخروج إلى الشارع كل صباح للاصطدام بوجوه لا تعرفها، تتحدث لغة مختلفة عن اللغة التي تحملها تحت جلدك، وانطباعاتها عن الأشياء -حتى الأكثر بساطة- التي لا تتقاطع مع رؤيتك في شيء. إنما إذا التففت حول السؤال وأجبت ببساطة، أستطيع القول إن الفرنسيين جعلوني أمجد الحرية الفردية على المستوى الاجتماعي، كما أنني أدين للثقافة الفرنسية بالكثير من انفتاحي الفكري على أي اختلاف.
وكيف تطلين على وطنك لبنان من الخارج؟
بكل ما في العالم من حسرة. ذلك النوع من الحسرة الذي يجعل الكلام سكينا في الرقبة. الغربة جرح لا يندمل. وعزلتنا عن المكان تجر عزلة شعورية وانطباعية واجتماعية ولغوية من الصعب معها على الإنسان ألا يتصدع. لا أظن أن أحدا عرف الغربة إلا وأصبح هاجسه يخص أزمة الهوية وضياعها. أشعر بأنني لم أعد أنتمي إلى أي مكان، فأنا لم أنزرع هنا لكنني لم أعد قادرة على الانغراس هناك، وأنظر إلى وطني في أزماته كمن يراقب منزله الآيل للسقوط، من مسافة تبدو أنها مسافة أمان، لكنها كاذبة جدا. لا يمكن أن يكون المرء بخير إذا لم يكن وطنه بخير. ولا يمكن أن يشعر بالطمأنينة في مدن لا يحفظ شوارعها الفرعية عن ظهر قلب. لذا سأظل أحلم بمكان صغير يعرفني وأعرفه ويتسع لي.
من الشعراء العرب والعالميون الذين تحبين القراءة لهم ولماذا؟
محمود درويش هو الشاعر الأقرب إلى قلبي، وأحب بسام حجار وأنسي الحاج ووديع سعادة وسنية صالح وكثر غيرهم. أحب أيضا طلال حيدر وأراه متفردا في عالم خاص به، كما أحب أن أتذكر الأخوين الرحباني حين أتحدث عن شعراء أحبهم، لأن صوت فيروز يجعلنا ننسى أحيانا كم ندين لهما -وربما لعاصي أكثر- بهذا المنسوب الشعري العالي الذي يغرقنا كلما شغلنا أغنية بلا انتباه. عالميا، بالإضافة إلى مَن ذكرتهم مِن الشعراء الفرنسيين، أحب ريلكه ونيرودا وبيسوا وإميلي ديكنسون وبورخيس. لماذا؟ لأنهم يؤثرون بي. هذا هو السبب الوحيد والأجمل الذي يجعلنا نحب شاعرا ما.
كيف ترين الاهتمام النقدي بأعمالك؟
بالنسبة إلى عملٍ الأول، سعدت بالأصداء التي تركها «التفاتة نحو نغمة خافتة»، بعد أن نشرت قصائده متفرقة في عدة منابر، وبالمقالات التي كُتِبت عنه. سعيدة أيضا لأن بعض قصائده تترجم إلى الإسبانية وستنشر قريبا ضمن أنطولوجيا شعرية. سأظل ممتنة لهذا الديوان، وسعيدة بالطريقة التي قدمني بها إلى القرَّاء. «فيما تمعن فيك الأشياء العادية» صدر منذ مدة قصيرة، وأتمنى أن يأخذ حقه من النقد، لأنني أتصوَّر أن التجربة نضجت وتستحق أن تتناولها عين خارجية وذائقة حيادية. إنما ما يهمني، أبعد من النقد، هو أن تصل القصائد إلى القرَّاء، وهو ما يبدو أحيانا صعبا لعدم توفر الكتب في كل الدول خارج المعارض الدولية. لكن الشعر بحاجة إلى قارئه، كل قراءة هي حياة جديدة للقصيدة وللشاعر معا، وأشعر أنني معنية بكل قراءة نقدية وغير نقدية لكل نص أكتبه.
• هل الشعر مظلوم إذا قسناه بالرواية؟ وهل ما زال ديوان العرب؟
الشعر تخفف من قضاياه ومن مهامه السابقة التي صار لها اختصاصاتها نتيجة التقدم العلمي والمجتمعي. من هذه الزاوية لم يعد ديوان العرب طبعا. هذا التخفف جعل الشعر أيضا يصبح أقل جماهيرية. الشعر مظلوم إذا ما قسناه بالرواية وإذا ما قسناه بالمكانة التي لطالما كانت له عبر التاريخ. هناك تحولات مجتمعية عميقة جعلت الشعر يتراجع في مكانته عن باقي الفنون. ليس أقلها هذه الثورة التكنولوجية المستمرة، التي تجعل هناك جنوحا نحو السهولة، وإقبالا على الرداءة وشحا في الجمال في كل المجالات. وهناك دور لم تعد تلعبه دور النشر في توجيه الذائقة العامة، ومسؤولية في عدم الانسياق فقط وراء اهتمامات القراء الآنية التي لم تكن يوما ثابتة. لكنني على يقين أن الشعر حيّ طالما نحن أحياء، لأنه الفن الأكثر قربا إلى الإنسان.
أخيرا.. ما طموحك للقصيدة؟
أن تكون. ألا تكف أبدا عن عناقنا.