الروائي إبراهيم الكوني: كل عمل لا يعتنق أسئلة الوجود المرجعية إبداع منسيّ!
عندما نتحدث عن إبراهيم الكوني، نجده واحدا مع الصحراء، لا يمكن فصلهما. الصحراء، هذا المكان الشاسع والجاف، ليست مجرد لوحة جغرافية بسيطة، بل هي عالمٌ ذو رمزية عميقة، تحمل في أعماقها أسرارا وتفسيرات لا نهائية. إنها المكان الذي ينبض بالحياة والروحانية، حيث يمكن للإنسان أن يجد فيه مرآة تعكس له جوانب من ذاته.
في هذا الحوار مع الكاتب الليبي المعروف إبراهيم الكوني، نغوص في عوالم التفكير والتأمل، نناقش مفاهيم مثل الصحراء والإبداع والأيديولوجيا والتصوف. نستكشف كيف يمكن تجسيد هذه المفاهيم في الأدب والفلسفة، وكيف يمكن للصحراء أن تكون مكانا لاكتشاف الذات والبحث عن الحقيقة.
حوارنا يسلط الضوء على أفكار ذات قيمة حول الصحراء، وكيف تحتل مكانة خاصة في الثقافة والفلسفة. نتناول مفهوم الصحراء كرمز للحرية والتجربة والخلاص، ونبحث في كيفية استغلالها لنمو الروح والتفكير العميق في الذات والكون.
يفحص إبراهيم الكوني العلاقة بين الصحراء والحرية، وكيف يمكن أن تأتي الحرية مع ثمن من الخطر والألم. ننظر أيضا إلى كيفية تواجد الصحراء كمكان للتواصل مع الله والكون، وكيف يمكن لهذا التواصل أن يشهده شعور عميق بالوحدة، حيث يكن «الكوني» في أفكاره احتراما كبيرا للصحراء كمكان مقدس، وتعبيرا عن تأملاته في أهمية فهم هذا المكان بعمق قبل محاولة السيطرة عليه.
حوارنا مع الروائي الليبي المعروف إبراهيم الكوني يفتح أبواب التفكير العميق حول الصحراء ومكانتها في عالمنا، وكيف يمكن أن نستكشف من خلالها أعمق أبعاد الحياة والإنسانية معا.
•رحلتك تنطلق دائما من الصحراء، هذا المكان الذي تجد فيه المأوى والهوية أينما تكون. بعض الناس يرون أن العيش في الصحراء ليس مجرد تجربة جغرافية، بل هو تجربة رمزية يعيشها الكتّاب. ولكن مع توسّع ثيمة الصحراء في أعمال إبراهيم الكوني واستمرارها في التأثير على القرّاء، يبدو أن العيش في الصحراء «بالكتابة» يمكن أن يكون أكثر قربا وحميمية بالنسبة للكتّاب مما هو الحال عند العيش فيها حقيقة. كيف ترتبط الميثولوجية الصحراوية في أعمال إبراهيم الكوني بتجربته كإنسان في البداية وككاتب فيما بعد؟
من الطبيعي أن يكون العيش في الصحراء، كما تسمّيه، تجربة مشفوعة بآلامٍ، لأن ليس للإنسان الذي انبثق من رحم الأمّ، ليجد نفسه في واقع، هو كلّه حريّة، كالصحراء، أن يطمع في أن يحيا في ترف، ما دمنا نعترف للصحراء بهذه الهوية الوجودية، المترجمة في حرفٍ تعترف له الإنسانية بتجسيده كتجربة عصيّة كالحرية، فإن تكون حرّا يعني أن تحيا تجربة مِيتة، يعني القبول بقدر القربان، الذي يستدعي دفع مكوس، هي من حيث المبدأ تسديدٌ لدَين هو الوجود على خارطة واقع حرفيّ، لتتحوّل التجربة هنا مسألة خيار. فالحرية هي الجنّة التي نُقاد إليها بالسلاسل عادة، وهو ما يعني أن ليس كل من عاش في الصحراء، قد ارتضى هذا القدر، أو آمن به كرسالة، لأن أغلبية الناس قطيع، وأخيار القطيع وحدهم يستطيعون أن يُحيوا فيهم حدس تغيير ما بالنفس، لتحقيق تغيير ما بالواقع، خوضا لتجربة تحرير، تُعلّمنا أن السعادة إنما هي رهينة مدى قدرتنا على تحقيق هذا التحرير. وسذاجةٌ أن ننتدب أولئك الذين يجهلون معنى وجود الصحراء في حياتهم، لنسوّقه كقياس، لأن العالم عرف منذ الأزل طينتين من الأنام: طينة الحرف، وطينة الروح، طينة الترف، وطينة الحقيقة، وما التاريخ سوى ترجمة لصراع هاتين الفئتَين.
فما يطرحه القطيع كقدس أقداس ليس قيمة دوما، بل هو تجديفٌ ضد القيمة، بدليل أنه لا يحقق السعادة لسَدَنة هذه العقلية، لذا لا يليق أن نسوّقه مقياسا في محاولة طرح سؤال على إنسانٍ نزف عمره نزيفا لكي يعيد الاعتبار لما ابتذلناه، بمنطقنا، الذي يعتمد النّمط أيديولوجيّة، كما الحال مع الصحراء، التي لا أملك إلّا أن أسمّيها ضحية الأبدية، لأن أبناءها هم أكثر الأنام لها عداوة، ولا مجال للاعتراف بحقيقتها، كمسقط رأس التكوين أولا، ثم مسقط رأس النبوّة ثانيا، إلّا بالتخلّي عن هذه الروح النمطية الساذجة، وإعادة قراءة سورة الصحراء من جديد. والشغف باستيعاب مجدها الحقيقي لا يتحقق من دون استنطاق مستودعها الميثولوجي. ولكن ذلك لن يتحقق بسبب بسيط، وهو أن المخوّل الأول لخوض هذه التجربة هم أبناء الواقع الصحراوي، الذين اغتربوا عن روح أمّهم الصحراء بسبب الهوس بورم خبيث ودخيل على ثقافتهم وعلى واقعهم، وهو الأيديولوجيا، لتكون علّة اغتراب هؤلاء وجوديا، لا ثقافيا أو روحيا وحسب، بحيث لم يعد العقل العربي فلسفيا، كما كان يوما، كما لم يعد ميثولوجيا أيضا، مما يترجم مفارقة مُهينة. ولا أملك كسليل صحراء، إلّا أن أعبّر عن امتناني للعناية الإلهيّة التي ختمتني ببصمة الميثولوجيا، المعادية من حيث المبدأ للأيديولوجيا، لأني لم أملّ، ولن أملّ، من أن أردد أن اغتراب العقل الميثولوجي، رهين هيمنة العقل الأيديولوجي، لأن الأيديولوجيا أفيون الإنسان الحضري، كما الميثولوجيا دين الإنسان البرّي، أي الصحراوي، لتلعب الأيديولوجيا دور الجلّاد في الواقع الإنساني، منذ أن تنكّر لهويّته البرية (لأن ما لا يجب أن ننساه هو أن البشرية في ربيع عمرها كانت كلها مهاجرة، ولم تنقسم إلى شطرين إلّا في مراحل متأخرة)، لتغدو الميثولوجيا هي الضحية. وأن تكون الميثولوجيا هي الضحية سيعني تلقائيا اغتراب مريد هذه الميثولوجيا، لذا فالإنسان البرّي اليوم إنسان هامش، بل طريد فردوس، ببرهان التجربة. وإيماني بسطوة هذا الجور هو الذي خلق منّي كاتبا، لأنه نبّهني مبكّرا بحقيقة الصحراء كمسقط رأس التكوين، وبالتالي كمسقط رأس وجود، كما نبّهني تاليا لمعنى أن تكون هذه الكاهنة المعتزلة، المهجورة، المغتربة، مسقط رأس النبوّة: النبوّة في مفهومها الديني كخلاص، والنبوّة في مفهومها الروحي كتجربة هجرة: الهجرة التي كان لها الفضل في حبك حلم البشرية: الحرية!
لا أدري لماذا نصرّ على جهلنا إلى درجة نترفّع فيها عن أن نتساءل: لماذا اعتمدنا تاريخنا بأسره في طينة هجرية، وليس في طينة ميلادية، كما المسيحية، أو تيمّنا بطينة جلوسٍ على عرش الفرعون، كما في الأمازيغية؟
لقد قرأنا كل شيء، وأخضعنا للتأويل كل شيء، باستثناء كتابنا الطبيعي، الذي لا يقل قداسة وقيمة ودرسا في الخلاص، عن الكتب المقدسة، وهو: كتاب الصحراء. وأحسب أن فهمنا لدرس «اقرأ»، كمفتاحٍ لخوض تجربة حياة، حرّض عليها الكتاب كحجّة حجج، إنّما هو رهين استيعاب الدرس، الذي تطرحه الهجرة في حرف واقعٍ طبيعي، صحراوي، يتغنّى بالبراءة في رديف آخر في منطق اللغة هو: البرّي.
•استمرارية للنقاش السابق، يُلاحظ أن إبراهيم الكوني يسعى في مشروعه بشكل عام إلى العمل على إنقاذ الصحراء، وهذا الهدف يتكرر كثيرا في لقاءاته وأعماله. ومع ذلك، يبقى السؤال المتكرر هو: كيف يمكن إنقاذ الصحراء من جبال الألب؟ وفي هذا السياق، كقارئ، كيف يمكن للمرء أن يفهم تشكل اللاوعي في مخيلة الكاتب؟
إنقاذ الصحراء من جبال الألب؟ وكيف يمكن أن ننقذ أي شيء من خارج موقع مّا هو بالطبيعة مكان؟ أوَ ليست جبال الألب مكانا أيضا؟ أم أنها منتجع لهواة التزحلق على الجليد، كما يروّج بعض الخصوم البلهاء؟ ما هذه النزعة الساذجة في تسفيه كل نيّة قدسيّة؟ أيعقل أن يبلغ بنا الهوَس بالاستفزاز حدّا يعمينا عن أكثر الحقائق بديهيّة، فنستسلم للسباب المجاني لمجرّد العجز عن استيعاب تجربة إنسانٍ سلخ العمر كلّه كي ينجز أعمالا إبداعيّة تربو على المائة، فنبيح لأنفسنا استهتارا يُلغي كل هذا القربان لمجرّد أننا لم نقرأها أصلا، وحتّى لو قرأناها، فإننا لم نكلّف أنفسنا عناء فهمها، حتّى إذا قررنا طرح الأسئلة هرعنا لجهازٍ مشحون، لا بالحكمة، ولكن بالأكذوبة،
لكي نستشيره في أمرٍ يتعلّق بتسيير عملنا؟ أليس عارا أن نحاكي الخطاة، والمتبطّلين عن دفع العرق، فنستهين بسؤال الحقيقة الجليل، في استطلاعٍ يجب أن تكون هي عنوانه الأوحد؟
فالنّبي محمّد، عليه الصلاة والسلام، أنقذ الجزيرة العربية بأسرها، ومعها العالم، من موقع كهفٍ هو غار حراء، والنّبي عيسى أنقذ، لا أهل الناصرة وحدهم، ولكنه حقّق الخلاص لكل مريد حقيقة، في زاوية اغترابٍ، لا تبعد كثيرا عن الناصرة، وإلّا لما مكّنه أهلها من هذا الخلاص، لسببٍ بسيط جاهر به تاليا: «الحقّ، الحقّ أقول لكم، لا كرامة لنبيّ في وطنه»، كأنه يتنبّأ بما يحصل مع كل مريد حقيقة في هذا العالم، وأكبر دليل هو طرح مثل هذا السؤال على الإنسان الذي أبَى مرارا إلّا أن يضيف لوصيّة المسيح السالفة وصيّة أخرى تقول: «ولا كرامة لنبيّ في زمنه أيضا، إلى جانب وطنه»! وكل ما أريد أن يعلمه الهواة هو يقيني بأن كل حكم على الصحراء هو باطل، أباطيل، ما لم يكن المعني بالسؤال مسكونا بأحجية اسمها الصحراء. أقول «مسكونا» عامدا، لتمييزها عن السكن الحرفيّ في الصحراء. فليس كل إنسان يسكن الصحراء هو إنسان صحراءٍ، لأن القلّة القليلة فقط مسكونة حقّا بالصحراء. والقياس دوما هو المكان الذي يسكننا، لا المكان الذي نسكنه. فالإفتاء في حقّ الصحراء يبقى ترفا، بل تجديفا، في حقّ الصحراء، ما لم يكن صاحب الفتوى مسكونا بالصحراء، بقطع النظر عن وجوده الحرفي في رحاب الصحراء كواقع جغرافي، لأن الواقع الروحي، المعبّر عنه بأن نكون نحن سكنا للصحراء، هو الحَكَم المخوّل بأن ينصّب نفسه حاكما على الصحراء. وهو ما ينسحب على الزمان أيضا، كما ينسحب على المكان. فنحن نراهن على الزمان الذي يسكننا، لا الزمان الذي نسكنه؛ لأن الزمان الذي نسكنه باطل، مجرد وقت لا يمسّنا، لأنه ينساب في واقع يقع خارجنا، أمّا الزمان الذي يسكننا فتجربة روحية. وأن يكون تجربة روحيّة يعني أنه قيمة. وأن يكون قيمة يعني أنه حقيقة، وأن يكون حقيقة، فسوف يعني أننا نحيا، فلا نكتفي بأن نحيا، ولكننا سعداءٌ بأن نحيا. وعلى الذين تستهويهم جبال الألب بوصفها نعيما، أن يهنأوا بالا، لأن الألب أيضا صحراء ملفّقة من جليد، كما الصحراء بحرٌ ملفّقٌ من رمال!
إنقاذ الصحراء لن يتحقق بدون تغيير جذري في الموقف من الصحراء، سيّما إذا علمنا أن موقفنا من الصحراء حتى الآن عدميّ، فنصرّ أن ننتزع منها غصبا، ما لم تهبه لنا طوعا، في حين يقضي الواجب أن نعامل هذه الناسكة من موقف حبّ، لا موقف الجشع إلى النفع.
•إلى أي مدى يمكن للفرد، سواء كان كاتبا أو فنانا أو مبدعا بشكل عام، أن يتجرد من ذاته بشكل كامل ويتجه نحو الروح في داخله، والتي تنفصل عن واقعها وتعيش تناقضاتها الكبرى في مساحة المبدع؟ أم هل نعيش هذه المثاليات كواقع مزيف، دون قصد أو وعي، حينما نحاول التجرد، ونجد أن أفكارنا في النص تبقى ثابتة، سواء كتبتها بروح الإنسان أو المبدع؟
بالطبع الرهان هو على النصّ وليس على الشخص. وقد نبّهت إلى هذه المسألة مرارا. وبما أننا ننتمي إلى أمّة «اقرأ» التي عاهدت نفسها ألّا تقرأ، فإن تجاهل النص لحساب الشخص يبقى هو الإفيون الذي نصرّ أن ندمنه، متناسين ألا وجود للشخص في واقع المبدع، وإلّا لما كان مبدعا، ولكن هو منذ اعترفنا به مبدعا، فالواجب يقضي أن نحتكم في شأنه إلى النصّ، لأنه، منذ الآن، لم يعد شخصا، ولكنه، نصٌّ في نصّ. والدليل؟ الدليل أن النصّ هو جواز سفره نحونا، هو هويّته الثبوتية، وسوف نجهله إلى الأبد، ما لم نحتكم في شأنه إلى النصّ. وعندما يبدع المبدع فإنه يبدع بروح تتنفّس نبض النصّ، لتدلي بشهادتها في شأن وجودٍ ثريّ، بقدر ما هو خطر!، والحقيقة التي يستجليها، في هذه التجربة الدموية، رهينة مدى سخاء النزيف الروحي، الذي يدفعه في المغامرة كضريبة.
•من وجهة نظرك، كيف يمكن تفسير كيفية تحويل الصحراء نفسها إلى نموذج جمالي فريد، حيث يبدو أنها المكان الوحيد الذي يمكن للإنسان فيه تجربة الموت والعودة إلى الحياة من جديد كما قلت ذات مرة؟
الغرب هو الذي أقام القيامة على شذرة لي قديمة تُرجمت منذ ثلث قرن إلى اللغات الأوروبية تقول: «الصحراء هي المكان الوحيد، الذي تستطيع أن تزور فيه الموت، ثم تعود من الرحلة سالما».
وأستطيع اليوم أن أضيف فأقول: «وقد لا تعود»، فلسنا كلنا مهووسون بالوجود قيد الوجد، إلى الحدّ الذي يجعلنا حريصين على العودة من فردوس الحقيقة، بعد أن نكون قد تحررنا من الوزر اللئيم، الذي نصّبناه في مغامرتنا معبودا، لنسفّه بذلك وصيّة القنطروس، الموجّهة إلى «سيلين» عن بليّة اسمها الوجود قيد الوجود، لأن ترياقها هو وجوب التخلّص منها بأسرع وقت، حال الوقوف على حقيقتها. وحقيقتها، في رؤيتي، تسكن الصحراء، لأنها السجل الذي يجسّد لنا العدم حرفا ومجازا في آن، ونستطيع بفضل هذا الازدواج أن نحدّد موقفنا من القطبين الخالدين: الوجود أم العدم!
والصحراء وحدها تقدّم لنا هذه الفرصة مجّانا، كما يفعل الموت تماما!
الفكر العربي سيبقى أسير انحطاطه ما ظلّ متشبّثا بتلابيب الأيديولوجيا، التي جرّدت العقل العربي من أعظم مؤهّلاته وهي: الروح الميثولوجية، لأن المعادلة تقول أن قرين الأيدلوجيا الإفلاس، أمّا الوجدان الميثولوجي ثراء روحيّ، بالأيديولوجيا، ولكن من مستودع الميثولوجيا. بلى! لقد اغترب العقل العربي منذ أن سلّم زمام أمره لورم مميت هو الأيديولوجيا، ليتنكّر لتقاليد أسلافه المجيدة، الذين لم يكن ليكونوا أصحاب تاريخ ثقافي لو لم تهرع لنجدتهم الميثولوجيا. وها هي الأدلجة تجرّدهم اليوم، لا من الروح الميثولوجية وحسب، ولكن من الروح الوجدانية، ليكفّ هذا العقل المبدع يوما عن إنتاج عقلية فلسفية، يستطيع بفضلها أن يعيد الاعتبار لتراثه الثريّ، المغترب اليوم بفعل حجّة جائرة هي: «الأدب الجاهلي»، لتضع تلك الملاحم الشعرية الرائدة في قفص الاتهام، بل وتصادر إلياذات، ألِفناها في المعلّقات، لتصادر معها روح الإنسان العربي في بُعده الكلاسيكي.
•في روايتك «التبر»، أشرت إلى أن «الصحراء قاسية لأبعد حد، لكنها في الوقت نفسه ساحرة للحد نفسه، وصفت الإنسان الصحراوي بأنه جزء من الصحراء وأنه يتحمل تحدياتها بكل صلابة. ومن ناحية أخرى، أشرت إلى أن العمران يوفر (بالإيجاب) مزايا لا تتاح في الصحراء، لكنه في بعض الجوانب يقيّد الحرية وحتى يقتلها.
بناء على هذا السياق، كيف تقيّم العلاقة بين الصحراء والحرية؟ هل ترى أن الصحراء تمنح حرية كاملة في حين يقيّد العمران هذه الحرية؟ وكيف يؤثر هذا التبادل على الكتابة والتعبير، خاصة عندما تصف الصحراء بأنها نظام صارم ومسيطر بـ«الناموس» في حين ربطت العمران بالعدوانية؟ هل هناك سبب لهذا التشابك والتصادم في تلك العلاقة؟
لا يتحفنا العمران بمأثرة سوى التّرف. والتّرف، كما تعلم، ورم الضمير، وغلّ يحرّض على الخمول وكلاهما شرَكٌ لا أخلاقي، لأن الرأسمال فيهما هو الشغف بالنفع. بالمقابل تروّض الصحراء مريدها على الحرمان، وتربّي فيه الاستعداد للجود بالفداء، الذي لا ننزل ساحة هذه الدنيا إلّا لكي لنؤدّيه بوصفه واجبا، لأن ما وجودنا في هذه الدنيا سوى فدية، تنتظر أجل الجود بالقربان. لهذا السبب نجد مريد الصحراء سعيدٌ بشقوته، أو ما نحسبه نحن شقوة، هذا في حين نرى صاحب العمران شقيٌّ بسعادته، أو ما يتبدّى لنا ترفا.
•أشرت في إحدى مقابلاتك، إلى أن «العمل الإبداعي» هو عمل ديني يثير أسئلة عميقة حول الوجود ويناقش مسائل الهوية والإنسانية، أيضا، قلت أن الحجة الميثولوجية تمثل الصوت الذي يعبر عن وجودية الأشياء بعمق ديني. في هذا السياق، هل يمكنك توضيح الارتباط الذي تقصده بالتحديد بين هذه النظرة ووجود أعمال إبداعية تختلف عن ذلك، حيث لا تطرح أي أسئلة عميقة ولا تتعمق في هويات إنسانية، ولكن تُصنف على أنها «إبداعية» وفقا لمعايير القارئ الحالي؟
الإبداع بالطبع عملٌ دينيّ بامتياز، ويدهشني أن يدهش هذا الموقف من الإبداع أناس يتعاطون الإبداع. فما دمنا لا نستطيع أن ننكر أن الإبداع مغامرة روحية، فلن نشكّ، أو نملك الحقّ في أن نشكّك في طبيعة الإبداع كسباحة في غمرٍ غيبيّ لم نملك له تحديدا منطقيا حتى اليوم، كما الحال مع ظاهرة، ليست بظاهرة، كالروح. وأحسب أن وجود البُعد الغيبيّ، في هذه الملحمة، كقاسم مشترك أعظم بين الإبداع، وبين كل ما متّ بصلة للغز الروح، سبب كافٍ لكي نعترف للإبداع بهويّة دينية، ما دمنا لسنا معنيّين بما يُرَى، ولكن ما يستهوينا دوما هو ما لا يُرَى، لأنّ، كما يقول القديس بولس، ما يُرى وقتيّ، أمّا ما لا يُرى، فأبديّ. والمبدأ الأبديّ هو موضوع الإبداع، وليس المبدأ الوقتيّ.
الإبداع معنيّ بالطبيعة في بعدَيهما الإنسانيّ والربوبيّ. ولا وجود لضمان في شأن تحقيق خلود لنصّ أدبي ما لم يعتنق دين هاتين الطبيعيّتين، لأن نشاط الإنسان في بُعده الاجتماعي رهين مرحلة معيّنة، وواقع لجماعة بشريّة محدّدة، فيغدو ضحيّة الزمن، الذي لا يعترف بغير النصّ الممهور ببصمة الإنساني، أو الإلهيّ، والدليل تهديه لنا الأعمال الإبداعيّة الكبرى في تاريخ الجنس البشري بداية بجلجامش، مرورا بالإلياذة، والإنياذة، والكوميديا البشريّة، والكتب المقدّسة، ونهاية بأعمال شكسبير كافّة، والكوميديا الإنسانيّة، والإخوة كارامازوف، والبحث عن الزمن الضائع، والشيخ والبحر، وأعمال فوكنر كافّة؛ لأن الأعمال الخالدة غير معنيّة بالوقتيّ، بل بالأبديّ، الذي يراهن على الطبيعة البشرية في بعدها الوجودي، المفطور على العمق الغيبيّ، ممّا سيعني أن الفلسفة في الإبداع، هي التعويذة الوحيدة، القادرة على تحصين النصّ من قدر النسيان، لأن الزمن لا يعترف بغير الحكمة شفيعا، إذا تعلّق الأمر بالخلود، ولا أمل في خلود لنصّ تنكّر لدينيّة الطبيعة البشرية، واعتنق دين الواقع الاجتماعي، أو النظام السياسي أو النشاط الاقتصادي، لأن الحكم في هذه الفئات، خاضعٌ للحسابات النفعيّة الزائلة، أو للأمزجة العاطفيّة العابرة، بوصفها أحاسيس متحوّلة بطبيعتها، وليست طبيعة كامنة في جوهر الروح الإنسانية، والدينية بالسليقة، مما سيعني أن كل عمل إبداعي، لا يعتنق أسئلة الوجود المرجعية إبداع منسيّ، لأن سؤال الحقيقة دوما ملاذٌ دينيّ. أليس جنونا أن نرجو خلودا لنَصٍّ لم يُختَم بأنفاس الله؟
•سؤالنا السابق يحيلنا نحو التفكير الصوفي والاستكشاف العميق لهذا المفهوم، فالبعض يراها ترفا وليست ضرورة في حين أن روح التصوف تخترق وتتماهى مع الوجود، وهذا مؤشر على آراء متباينة بين من يعتبرون التصوف ضروريا لفهم أعمق للنصوص وبين من يرون أن لفظ «الصوفي» قد يُساء فهمه أو أن يتم استخدامه بطرق باطلة فما هي رؤيتك؟
نحن مغرمون بالحرف، في مقابل الاستهتار بثمار الحدس، ربما لأن ثقافتنا لفظيّة، وليست منطقية، كما يحرّض موقفنا من منطقٍ هو بالأساس قرين وجود. وموضوع التصوّف إحدى هذه الملفوظات، التي خضعت للإجهاض بفضل هوسنا بالألفاظ. ولو أخضعنا هذه المفردة للفحص لاكتشفنا أن معناها اغترب منذ زمن بعيد. والسبب؟ السبب دوما من تدبير مكيدة الأزمنة المتمثّلة في الأيديولوجيا. فكل ما تأدلَج حقّت عليه اللعنة. والتصوّف لم يكن في التجربة استثناء. لأن الأيديولوجيا هي الداهية المؤهّلة لتزوير الجوهر، وتسخيره لمآربها النفعية. وعندما أقول النفعية فإني أتسامح في شأن عملها القبيح، لأن غايتها أبعد، وهي احتكار الحقيقة، كسبيل وحيد للاستيلاء على معبودتها الخالدة: السلطة. هذا في حين لا يستدعي أن نفهم حقيقة مفردة كالتصوّف كل هذا الحجم من القرابين، لأنها ببساطة محاولة عصيّة لتحقيق التحرير، بتقنيات مختلفة، ولكنها وفيّة كلّها لوصيٍّ حكيمٍ هو: الروح! تستطيع الأسماء أن تتعدّد ما شاء لها أن تتعدّد، ولكن الروح تبقى القاسم المشترك الأعظم لأية تجربة خلاص، والتصوّف، في المعادلة، لن يكون استثناء.
ولكن المشكلة حقّا هو أن عالمنا لم يعد يعترف بالروح وصيّا، يحدث ذلك بوحيٍ خسيس من سادنة الطاغوت، المدعوّة، أيديولوجيا.
• في الوطن العربي يسيطر الفكر الأيدولوجي على الإنسان بشكل واضح والبعض يبحث عن الكاتب من ذلك المنظور بل ويفتش عنه دون الغوص في قراءة تجربته الإبداعية، وقد لاقى «الكوني» ما لاقى من شرر تلك النظرة .. لكن كيف أثر ذلك في فكرك إنسانا وكاتبا مع مجتمع رغم كل ما يملك من تطور فكري وعلمي ظل مرتبطا بمنظوره الأيدولوجي بشكل أو بآخر؟
بالفعل عشتُ واقعا مؤَدلجا حتّى النخاع، بداية بليبيا الملكيّة، وليبيا الجمهورية، وكذلك ليبيا الفوضويّة، كما نراها اليوم، لأصير طريد هذه الأيديولوجيات عبر العالم، بداية بمعقل الأدلجة الاتحاد السوفييتي، ثمّ بولندا الشيوعيّة، ثمّ روسيا السوفييتيّة مرّة أخرى، لأكون شاهدا هناك على مصرع معبد الأيديولوجيا الأممية، لتُتاح لي فرصة معايشة الأيديولوجيات الغربية أيضا، سواء في سويسرا أو إسبانيا، ليمكّنني هذا الكابوس من إدراك حقيقة هي: كم هو بائسٌ هذا المخلوق، المدعو إنسانا، الذي لا يهنأ بالا ما لم يستجر بملاذ يلقّنه نفحة من أنفاس الأدلجة، التي لم تكن يوما في حقيقتها سوى أدجنّة للعقل، وسرطان مميت للروح، بحيث تغدو بديلا للدّين، ولمنظومة الأخلاق، ولكل القيم، لسببٍ بسيط هو قدرتها على تعطيل، بل إلغاء، الإرادة، لتعَدَ إنسان الحداثة بفردوسٍ موهوم هو السلطة، لا لشيء إلّا لأنها السبيل الوحيد لتحقيق هذا الحلم، المشروط بالإيمان بالأيديولوجيا التي لا تستحي أن تتغنّى باحتكار الحقيقة. وعلّ المدهش حقّا هو استمرار الإيمان بهذه الخرافة حتّى بعد أن تسبّبت في إغراق أوطاننا بنزيف الدمّ، بوصفها تنزيلا غير قابل للفحص، وكلّهم سعداء بغيبوبيّتهم، حتّى إذا ماتوا انتبهوا!
•مآلات ما سمي بالربيع العربي للأسف أصبحت عكسية في حاضرنا وعلى المستوى المنظور القريب لا يبدو أن ثمة ما يلوح في الأفق نحو «الديمقراطية» المرجوة أو حتى الحصول على أبسط الحقوق التي ترتجيها الشعوب التي ثارت تجاه الظلم .. وأنت قلت أن «ثورة لا تأتي بخير «بلاش منها» (فيما معناه)، وأن مسألة الديمقراطية يحب أن يعاد النظر فيها»، كما أشرت إلى سوء استبدال واقع سيء بواقع محتمل؟ فعلام يفترض أن تؤسس الشعوب البسيطة نجاح ثوراتها في وقت لا يقوم المثقفين (بصفة الموجه) بدورهم التنويري قبل ذلك ويمارسون التنظير عقب ذلك ولا يستفيد من كل ذلك إلا الذين يجلسون على كراسيهم في بيوتهم؟
ذاك كان الصقيع العربي، وليس الربيع العربي، كما طاب لي أن أعلن منذ البدايات. ذاك أن الثورة، كانت منذ الأزل، وستبقى إلى الأبد، رهينة كلمة الحقّ، ولكنّه الحقّ الذي أُريد به باطل. وعلّ أكثر ما في توقنا إلى الثورة لؤما هو حقيقتها كـ «كلمة حقّ»، أي أنها تقوم لتحقيق أنبل ما في الوجود وهو العدالة. وهو المؤهّل الذي تعدنا به دوما، لننخدع به دوما، فلا تفي به أبدا، بدليل فشل الثورة كمفهوم، وعجزها التاريخي في الإيفاء بتحقيق الحلم الذي وعدت به. أي أنها مكيدة في التاريخ، لأن حيلها انطلت على مدى الأجيال، دون أن يتخلّى أي جيل عن تعاطيها، برغم إخفاقها المكسور، لتغدو في الحياة الإفيون الخالد! إنها تروي ظمأنا إلى التغيير، لنستأسر لها بفعل هذه الحجّة. ولكنها ليست معنيّة بطينة هذا التغيير، وهي تخيّب آمالنا هنا بالذّات، لأن تغييرها كان دوما إلى الأسوأ.
وسوف تستمر في خداعنا بمكيدتها إلى ما لا نهاية ما لم ندرك يوما أن التغيير الحقيقي الذي يستهوينا، ليس تغيير ما بالواقع السياسي القائم، وليس تغيير ما بواقعٍ يقع خارجنا وهو العالم، ولكنه التغيير الذي يسكننا، أي تغيير ما بأنفسنا، بدليل أننا لو كنّا شجعانا بما يكفي، وأحسنّا الظنّ بذخيرتنا، لاكتشفنا ألا تغيير حقيقيا ما لم يكن تغييرا نحدثه فينا، في مستودعنا، في روحنا، لنكتشف في الحال كيف يتغيّر العالم من حولنا، حال قيامنا بهذه البطولة، التي لن تتأخّر في مكافأتنا بجني نتائجها، لندرك كم كنّا بلهاء في تجربتنا، لأننا نحن مَنْ خان واقعنا، عندما خنّا منطق اللغة، لأن كلمة «ثورة» ما هي في العربية سوى «فورة»، مستعارة من مفردة «ثور»، التي نعلم أنها رديفٌ لحيوان أهوج لا يبشّر فعله بخيرٍ عندما ينطلق من عقاله. هذا ليس كل شيء، لأن المفردة في اللاتينية، التي استعارتها منها كل اللغات الأوروبية إنما تعني «revolution»، الدالّة على ردّة من مفردة بريئة ودالّة ووفيّة لفحواها وهي: evolution، بمعنى: التطوّر. أي أن الثورة في منطق اللغة، وبمنطق الوجود بالتالي، هي تجديفٌ في حقّ مفهوم نبيل هو التطوّر، وكفرٌ بمحتواه. فلا أدري كيف نتوقّع أن تتنكّر الثورة لهويّتها كردّة تنفي ناموس الطبيعة، الذي هو التطوّر، لنقوم نحن بتنصيبها على عرش تغييرٍ قد تفي به شكلا، ولكنها تعاديه بمنطقها مضمونا، فلا نلوم الثورة، ولكن علينا أن نوجّه اللوم لأنفسنا، لأننا طينة إنسانية تأبَى إلّا أن تسوّق في حياتها الأُمْنِيَة، وتنتظر أن تتحوّل إلى واقع. وليس لنا إلّا أن نواجه الحقيقة، باعتماد تغيير ما بالنفس دليلا في ثورة موجّهة بالأساس للواقع الذي يسكننا، لا الواقع الذي نسكنه، فإذا استسلمنا لضعفنا وأخفقنا، لأنه الخيار الأقسى، فليس لنا إلّا أن نقبل بالحدّ الأدنى في ميتافيزيقا التغيير، وهو: الإصلاح!
ما هو الإصلاح؟ الإصلاح هو القبول بالممكن، بالتصالح مع واقعٍ قابلٍ لأن يستثمر السّلم، السِّلم كأب شرعي وحيد نتج عنه هذا الاستقرار الذي يستثمر الإنماء، لتحقيق حلم الأحلام: التطوّر!
والتجربة برهنت أن هذا ممكن. ممكن فقط إذا احتكمنا إلى المنطق في اللغة، وبالمنطق في الوجود، واستبعدنا، في صفقة الخلاص، شبح الأيديولوجيا، الذي أعمانا عن حقيقة تجاهلناها طويلا، وهي أننا نحن من أساء الظنّ بالثورة، عندما مارسنا التجديف في حقّ اللغة، التي كانت وفيّة للمفهوم، الذي انتدبت من أجله، بإصرارنا على تصريف أحلام اليقظة، كواقعٍ ذي حضورٍ في الحرف.
•كيف يمكن للرواية أن تحقق التوازن بين استلهامها من واقع المجتمعات العربية والحفاظ على الحياد في تعبيرها وسلوكها؟ وهذا في ظل حقيقة أن واقع تلك المجتمعات غالبا لا يكون حياديا بذاته، وهل يمكن استخدام رواية «الورم» كنموذج لهذا النقاش؟
رواية «الورم» أقوى صرخة احتجاج ضدّ نزعة احتكار السلطة على الإطلاق، كما وصفها أحد رموز الأدب السويسري في ندوة منقولة على التلفزيون السويسري حال صدورها بالألمانية، واعتبرها نبوءة لما حدث في العالم العربي تاليا. وهو ما يعني أن الإبداع بطبيعته طينة لا حيادية في كل ما متّ بصلة لأسئلة الوجود الكبرى، والسلطة بالطبع أحد هذه الأسئلة المركزية في المنظومة الشكسبيرية، مع ملاحظة أن السلطة هنا مَتنٌ في نَصّ يتنفّس أهوية وجودية، وما السياسة، التي تستهوينا فيها، سوى هامش يلعب دورا ثانويا، بالمقارنة مع المتن الوارد في «الورم» كسلطة هي معبود يصلّي في محرابه الكلّ على اختلافهم. والمقياس بالطبع هو الزاوية التي نتناول منها هذه الجنيّة: هل هي أيديولوجيا تترنّم بالوتر المبتذل كمعزوفة بمفردات موسيقية سياسية؟ أم أنها أنشودة وجدانية تعتنق دين الميثولوجيا؟
•إلى أي مدى يمكن أن تعتبر دراسة أحمد النعيمي للمضامين الاجتماعية في ثنائية البحر والصحراء مفتاحا لفهم حياة سكان السواحل والصحراء في أعمال إبراهيم الكوني؟ وكيف تقيمون توازنا بين تطابق هذه المضامين والواقع الذي تم تصويره في مكانين مختلفين قد يشتركان في لغة مشتركة تمثلها عناصر مثل الرمل والموج، والرياح والسماء؟
لم يكن لي شرف الاطّلاع على هذه الدراسة، التي لا تعدم أهمية في نظري من خلال الموضوع المترجَم في العنوان، لأن الصحراء والبحر، في مفهومي، قرينان، كما تعبّر الشذرة التي تقول: الصحراء بحر رمال، والبحر صحراء ماء، بدليل أن قدس أقداس كالحرية هو قاسمهما المشترك الأعظم، فلا نركب البحر طلبا للماء، ولكن توقا للحرية، كما لا نرتاد الصحراء طلبا للماء، ولكن ظمأ للحرية.
فيصل بن سعيد العلوي صحفي في جريدة عمان