افتتاحية
قامت الصحافة الثقافية عبر تاريخها بأدوار كبيرة في نشر المعرفة وتعزيز التبادل الفكري عبر الحدود الجغرافية والاجتماعية. ورغم أن الصحافة الثقافية في العالم العربي ركزت، في الغالب، على الجوانب الأدبية «الشعر والرواية والقصة القصيرة» إلا أنها ناقشت في بعض الأحيان النظريات النقدية والفلسفية والتاريخ والعلوم الإنسانية وكان لها فضل لا ينكر في مسار تطور المجتمعات في العالم العربي من خلال النقاشات الساخنة التي أسست للكثير من التحولات الفكرية في العالم العربي.
ورغم التراجع الكبير الذي تشهده الصحافة الثقافية في العقد الأخير والذي توقفت خلاله أهم الملاحق والمجلات الثقافية العربية إلا أن منصفا لا يمكن أن يتجاوز دور هذه الصحافة وما بقي صامدا منها في صناعة الوعي الجمعي حول الكثير من القضايا التي عايشتها المجتمعات العربية بشكل خاص.
لقد ساهمت هذه الصحافة عبر تاريخها في تعزيز التنوع الثقافي من خلال تشجيع القرّاء لفهم الثراء الكبير في المنتج التعبيري البشري، وكذلك رعاية الإبداع من خلال توفير المساحة والمنبر لطرح الكثير من الأفكار الجديدة والمساهم في تطويرها. وقامت الصحافة الثقافية بدور مهم في تشجيع التفكير النقدي، أحد أهم ما يتميز به العقل البشري، حيث فتحت هذه الصحافة الكثير من النقاشات حول قضايا مختلفة وبددت في تلك النقاشات الكثير من الأفكار الجامدة التي بقيت بعض المجتمعات متمسكة بها لقرون طويلة.
كما ساهمت الصحافة الثقافية في الحفاظ على التراث الثقافي والهوية الوطنية واستطاعت أن تقوم بدور الجسر بين القديم والجديد.
وما زالت الصحافة الثقافية رغم كل التحديات التي تحيط بها تقوم بدور المحفز والداعم لبناء التفكير النقدي في المجتمعات وتهيئة بيئة تقدر الإبداع والتفكير النقدي والتنوع الثقافي وبالتالي صناعة المجتمعات المستنيرة.
وفي الحقيقة فإن العالم العربي، والعالم أجمع، في أمس الحاجة اليوم إلى عودة الصحافة الثقافية إلى عصرها الذهبي؛ فالمجتمعات اليوم بحاجة إلى التفكير النقدي الرصين الذي يستطيع فرز الخطابات الكثيرة في مجتمعاتنا وفرز منتجها النقدي و«الفكري» و«الفلسفي» وإعادة صناعة وعي جمعي يتجاوز الكثير مما هو سائد اليوم.
وفي هذا العدد من ملحق جريدة عمان الثقافي نناقش دور الصحافة الثقافية العربية عبر العقود الماضية والتحديات التي تواجهها اليوم.
تكتب هدى حمد مقالا بعنوان «المجلات الثقافية وتاريخ انتهاء الصلاحية!» كما تكتب ليندا نصّار مقالا بعنوان «تحولات الصحافة الثقافية»، فيما يكتب محمد اليحيائي مقالا بعنوان «الصحافة الثقافية في عُمان» يناقش فيه، أيضا، التحولات التي مرت بها الصحافة الثقافية في عُمان منذ ثمانينيات القرن الماضي وإلى اليوم. ويجري الصحفي حسن عبدالموجود تحقيقا صحفيا حول «الصحافة الثقافية: محاولات للصمود والعودة» يتحدث فيه مجموعة من المثقفين العرب المتماسين مع الصحافة الثقافية عبر عقود طويلة بدءا من المرحلة الذهبية ووصولا إلى بدء مرحلة الانطفاء في بعض العواصم العربية.
ويقدم الصحفي إسكندر حبش شهادة حول الصحافة الثقافية في بيروت وبشكل خاص حول الملحق الثقافي لجريدة السفير اللبنانية. ويكتب محمد شعير شهادة حول تجربة جريدة «أخبار الأدب» منذ مرحلة التأسيس وإلى اليوم. ورغم ارتباط الازدهار الثقافي عبر التاريخ بازدهار الدول وقوتها إلا أن الشاعر بول شاوول يكتب مقالا بعنوان «انهيار الدولة لا يعني انهيار الثقافة في لبنان». ويكتب شعبان يوسف عن الدور الذي لعبه عبدالفتاح الجمل في المشهد الثقافي المصري في ستينيات القرن الماضي عبر صحيفة «المساء».
كما تكتب أمل السعيدي شهادة عن الصحافة الثقافية في إذاعة سلطنة عمان، ويحاور الصحفي أحمد فرحات الإعلامي والروائي حسن داود عن دور الصحافة الثقافية في صناعة الوعي الثقافي في العالم العربي والتحولات التي مرت بها منذ مجلة شعر وإلى اليوم.
وفي الملحق مواضيع أخرى مختلفة تناقش قضايا الثقافة والفكر والفلسفة.