افتتاحية
عندما تنطلق مباريات كأس العالم، فإن الجميع يتحولون إلى مشجعين، ومتعصبين كل إلى منتخب بلاده أو المنتخب الذي يشجعه، ويتساوى في ذلك الجميع: الكاتب والفيلسوف والمفكر والشاعر ورجل الشارع، الجميع يبحث عن السعادة والمتعة والإثارة التي تصنعها كرة القدم بسحرها الأسطوري.. ولذلك قال الروائي ألبير كامو يوما «أنْ لا مكان يكون فيه الإنسان أكثر سعادة من ملعب كرة القدم». وملعب كرة القدم هو المساحة «الخضراء» التي تدور فيها معركة حامية الوطيس، ولكن بكثير من السعادة سواء «للمتحاربين» أو لمن يتابعهم على جوانب تلك المساحة الخضراء أو على شاشات التلفزيون في جميع قارات العالم.
ويتجاوز افتتان العالم بكرة القدم من مجرد كونها «لعبة» نشأت للتسلية إلى كونها أداة مهمة في صناعة إرادة الشعوب، وتجييش مشاعرهم الوطنية، وفي سياق آخر إلى كونها أداة ثقافية واقتصادية وسياسية بالضرورة.
ومع بدء بطولة كأس العالم في دولة قطر وتحول أنظار الجميع إلى ذلك المستطيل الأخضر حيث يشعر الجميع بسعادة المتابعة وبحماس القوة فإن ملحق جريدة عمان الثقافي يواكب الحدث بملف خاص عن كرة القدم وعوالمها من زاويا ثقافية وفكرية وفلسفية.
يكتب في الملف ناصر صالح مقالا بعنوان «حذاء فان جوخ ومارادونا» معتبرا أن كرة القدم تفتح عالما جديدا للإنسان وتقود خطاه نحو الوجود بما تبنيه من عوالم حياتية موازية سواء في الحقيقة أو في السياق الفني.
كما يترجم أحمد شافعي مقالا للكاتب جان فيليب توسان بعنوان «ثلاثة انطباعات عن كرة القدم». ويعتبر الكاتب في مقاله أن كرة القدم «مسألة ذهنية» ولا يمكن قياسها أو تقديرها إلا في الخيال، حيث تبنى خيالات الانتصارات والقوة.
وعن الروسية يترجم يوسف نبيل مقالا للعالمة الروسية ي.ن شابينسكايا بعنوان «كرة القدم بوصفها ظاهرة للثقافة الجماهيرية المعاصرة». تؤكد فيه أن كرة القدم تأخذ طابع تجربة عاطفية عميقة حاول الباحثون فهم جوهرها وأهميتها في حياة الإنسان.
ولم تكن لعبة كرة القدم بعيدة عن كتابات الأدباء والمفكرين بل نجدهم في الكثير من الكتابات يتأملونها بشكل عميق جدا ويبتعدون عن النظر لها باعتبارها مجرد «لعبة» إلى كونها ظاهرة تستحق الدرس والتأمل.
فيستعرض الروائي العماني سليمان المعمري كتابا كتب عن اللاعب الأرجنتيني «ميسي» بعنوان «ميسي: تمارين على الأسلوب» للكاتب جوردي بونتي، وبونتي أديب وصحفي رياضي، ومن النادر جدا أن يعمل الأديب صحفيا رياضيا، قد يعمل صحفيا ثقافيا أو حتى سياسيا.. ولكن هنا تكمن أهمية الكتاب الذي يناقش فيه ما أسماه «أسطورة» ميسي. ويؤكد مراجع الكتاب سليمان المعمري أن القارئ سواء كان يعرف ميسي من قبل أن يقرأ الكتاب أم لا، ولكنه لن يصل إلى الصفحة الأخيرة إلا وهو ممتلئ بالإعجاب به وبأسلوبه الذي يتحول من كونه أسلوب كرة قدم إلى كونه أسلوبا ساحرا في كل شيء.
وفي مقال آخر يستعرض الصحفي حسن عبدالموجود كتاب إدواردو جاليانو الذي يؤرخ للعلاقة بين كرة القدم والسياسة في كتاب خاص، ويتتبع تاريخ كرة القدم، كيف نشأت وتطورت وعلاقتها بالسياسة ولكن في قالب أدبي ممتع يشابه إلى حد كبير متعة كرة القدم نفسها.
أما فيصل العلوي فيطير إلى قطر ويرصد كيف غيرت استضافة الدولة لبطولة كأس العالم شكل المدن القطرية، وبشكل خاص في الأبعاد الثقافية وليست التنموية رغم أن الجانب التنموي مهم جدا. ويرصد الأعمال الفنية الجدارية والمنحوتات التي تملأ المدن القطرية وجاءت مواكبة للاستضافة ولكنها ستبقى معلم من معالم المدن القطرية لسنوات طويلة تذكرنا بأن كأس العالم قد مر من هنا.
وكذلك المتاحف الضخمة التي تم افتتاحها قبيل افتتاح البطولة.
وإضافة إلى الملف الخاص بكرة القدم يجد القارئ الكثير من المقالات والحوارات والنصوص السردية والشعرية بينها مقال الروائية العمانية جوخة الحارثي والذي حمل عنوان «هل توجد فهود في السافانا» تبحث فيه موضوع الخيال في الكتابة وهل من حق عوالم الكتابة أن تكون لها سياقاتها الخاصة من الخيال الذي يصنعه الكاتب؟.
كما ينشر الملحق حوارا مع الروائي المصري طارق إمام حول روايته الإشكالية «ماكيت القاهرة». وفي العدد الكثير من مراجعات الكتب والمقالات الثقافية والفكرية ونص شعري وكلها مواضيع تستحق لذة القراءة المتمهلة.