افتتاحية

في روايته «مياكرو» يقدم لنا الكاتب الألماني جيورج كلاين تصورا ثوريا لمدينة تدور فيها أحداث روايته، مدينة غارقة في رؤية المستقبل حدّ التطرف، كل خبرة سكانها تأتي من الشاشات، ويمكن وصف ممراتها وأمكنتها بأنها أقرب إلى الأدراج التي نعرفها في حياتنا اليومية، كل شيء يأتي عبر تلك الأدراج. وثمة قوة عظمى غير واضحة المعالم تتحكم في تلك الأدراج، وتصنع وعي سكانها إن كان ثمة وعي. لا يمكن أن نغفل الرمزية الكبيرة الحاضرة في بناء هذه المدينة، ولكن أيضا لا يمكن أن يفوتنا بناؤها الغريب والغارق في تصورات المستقبل، وهذا ليس جديدا؛ فمنذ عقود مضت والعالم يحاول أن يرسم شكل مدينة المستقبل بناء على التحولات التي تحدث من حولنا ونعيش تفاصيلها بوعي أو بدونه، كيف يمكن أن نتصور شوارعها، وبيوتها، ومحلاتها التجارية، ومقاهيها، وطريقة سير الناس وسطها، كيف يمكن أن تكون هذه المدينة بعد عقدين من الزمن على سبيل المثال، هل ستكون كما صورها كلاين في روايته أم أن ثمة نماذج أخرى أقل تطرفا من ذلك وأكثر حلما من فكرة الشاشات والأدراج.

في هذا العدد من «ملحق جريدة عمان الثقافي» نطرح سؤال المدينة وتحولاتها وتصوراتنا عنها، وقدرتها على التأثير في مسارات حياتنا وعلى المنتج الإبداعي في العالم العربي.

يرصد الكاتب مشير باسيل عون في مقال له في العدد نظريات بناء المدينة الإنسانية في الفلسفات الغربية، وكيف تصورت تلك الفلسفات شكل المدينة الإنسانية وبشكل خاص عند هيجل وكارل شعيت وهايدغر وآخرين من فلاسفة الغرب. كما يرصد الناقد د. سعد البازعي المتغيرات التي شهدتها مدن الخليج العربي، كما رصدتها مجموعة من الأعمال الروائية التي احتفت، إيجابا أو سلبا، بالمدينة. ويرصد الباحث في علم الاجتماع الدكتور عبدالرحمن الشقير التحولات الاجتماعية التي شهدتها المدينة العربية خلال العقدين الماضيين بشكل خاص، ليس فقط على مستوى المتغيرات الاجتماعية ولكن أيضا في شكل المدينة، بنائها ومعمارها وثقافتها وإغراقها في تقليد المدينة الغربية.

تكتب منى السليمية عن مدينتها منطلقة من الشارع 99 التي ترى فيه نقطة ارتكاز تدور حولها، كما تكتب هدى حمد عن المدن التي شكلت وعيها وساهمت في تحديد مساراتها المستقبلية فيما تراجع بشاير السليمية سيرة مدينة بغداد للعراقي نجم والي. ويكتب عصام زكريا عن تأثير مدينة القاهرة في أفلام الثمانينيات، ويراجع الصحفي نضال برقان دراسة عبدالله رضوان عن المدينة في الشعر العربي الحديث، وتكتب ثمنة الجندل عن فضاء المقاهي في مدينة صلالة والتأثير الاجتماعي والثقافي الذي صاحب ذلك الفضاء. فيما يعود بنا إبراهيم فرغلي إلى الكهف القروي العتيق خلال محاولته استقراء شكل مدينة المستقبل.

وفي تحقيق صحفي أنجزه الصحفي حسن عبدالموجود يتحدث مجموعة من الكتاب والمبدعين العرب عن تأثيرات المدينة على منجزهم الإبداعي.