أيَكْفي غنائي؟
أَيَكْفي غنائي على حافَّةِ العُمْرِ
كي تَخْلَعَ الروحُ عنها الرماد
ونُسْقِطَ هذا الحِجابَ الذي يَفْصُلُ الآنَ بيني وبينكِ
ونُبْعِدَ عن مُشْتَهانا الظنونَ
ونكْشِفَ وهمَ الغوايةِ
ونشْرَبَ نَخْبَ اللقاءِ
أيكفي غنائي؟
لماذا المسافاتُ تَكْبُرُ ما بيننا؟
والسرابُ يُعَرِّي النوايا
يُعَمِّقُ في ظَمَئي الجُرْحَ
وحدي أُراقِبُ نَرد الحياةِ
وأعْرُضُ عن وحشتي
رُبَّما بعْدَ هذا الظلامِ الذي يَسْتَبِدُّ
سأُبْصِرُ في قَدَري نَجْمَةً تُؤنِسُ القلبَ
ريحٌ على شجرِ العُمْرِ توقِدُ نارًا من اليأسِ
لكِنَّني لَمْ أزلْ في الصبابةِ أبحثُ عن أملٍ أو يقين
غريبَ الملامِحِ ما زلتُ
في حضْرَةِ الحُبِّ أوغِلُ
صوتي مدىً للحيارى
أقولُ لقلبي الذي أنْهَكَتْهُ المفازاتُ:
لا تلْتَفِتْ للهجيرِ
لنمضي معًا حامِلينَ المجازَ
تَمائِمَ للواقِعِ المُتَهاوي
أَيَكْفي غنائي على حافَّةِ العُمْرِ
كي تَخْلَعَ الروحُ عنها الرماد؟
أعوذُ بعينيكِ من وحْشتي
وجراري لا ماءَ فيها
وروحي مَأْهولةٌ بالغيابِ
فهلْ كانَ يُمْكِنُ أنْ أسْتريحَ من الوهْمِ شيئًا قليلا
وأُبْصِرُ صورةَ نفسيَ كاملةً في المرايا؟
أجَلْ غرَّبتْني السنينُ
ولَمْ تَلْتَفِتْ لجراحي
تُلَمِّعُ فضَّةَ أيَّامِها بالأماني
خُذيني غريبًا
يُطارِدُ أسْماءَهُ في الرحيلِ الطويلِ
فأنتِ خُلاصَةُ كُلَّ المُحالاتِ في ريبِ عُمْري
ويقْطينتي أنتِ
رغْمَ العراءِ
أُحاولُ أنْ أسْتَعيدَ من الحوتِ عافيتي
أن أرى الصحْوَ رغمَ الغُبارِ الذي يعتريني
ورغْمَ انْصهارِ الخواطِرِ في لُجَجِ الشَّكِّ
رَغْمَ انْكِسارِي أمام الضياعِ
مشيتُ وحيدًا على طُرُقٍ لا تؤدِّي إليكِ
أنا لَمْ أكُنْ غيرَ أُنشودَةٍ للحنينِ
وتلويحةً للوداعِ الأخيرِ
ومَهْما ابْتَعدْتُ..
سيُرْجِعُني ولهي
لاشْتِباكِ الأماكنِ في داخلي
فترفَّقْ بحالي قليلا أيا حُبُّ
إنِّي غريبُكَ في قبضةِ التيهِ
طَمْأنْتُ نفسي مِرارًا مِرارًا بماءِ السرابِ
أَيَكْفي غنائي على حافَّةِ العُمْرِ
كي تَخْلَعَ الروحُ عنها الرماد؟
كأنِّي سماءٌ يُسامِرُها الليلُ
وحدي هُنا يا حبيبةُ
والروحُ ترْشُفُ أحزانَها في كؤوسٍ من الانتظارِ
أُحاولُ أنْ أتحرَّرَ من كُلِّ هذي التفاصيلِ
ذاكرتي عُزْلةُ الرملِ
حينَ نسى الغيمُ أشواقَها في الجفافِ
يُطارِدُني اليأسُ كالذِّئْبِ بينَ الجهاتِ
أنا يُوسُف
والمسافاتُ بئْري
ولا إخوة غيرَ هذا الفراغِ
بحَشْرَجةِ الغارقينَ أسىً في المنافي
أُسائِلُ نَفْسي
متى سوف أنْسلُ من غيهبِ الوقتِ؟
أخْلَعُ عنِّي ضبابَ السؤالِ؟
وأمشي على ماءِ أغنيتي شاطِحًا في ملامِحِ وجْهِكِ؟
فالقَلْبُ مثلُ الفراشةِ تحْرِقُهُ جَذْوةُ الاحْتِمالِ
وما زلتُ مُرْتَبِكًا أتلفَّتُ في الذكرياتِ
فلا شيءَ في وحدتي
غيرُ صمتٍ يُقَشِّرُ جِلْدَ الغيابِ
ولا هُدْهُد عادَ يَحْمِلُ من نبأ البُعْدِ شيْئًا
يُطَمْئِنُ حُزْني
تدورُ رَحى الوقتِ عكسَ الأماني
فهَلْ قبسٌ يؤنِسُ القلبَ
وهو يحاولُ مَجْهولَهُ
ويحاولُ أن يَقْتَفي أثرَ الحُلْمِ
فيما يُؤوِّلُهُ النَّبْضُ من سببٍ للحياةِ
أيكفي غنائي
لأنْبَعِثَ الآنَ عنْقاءَ حُبٍّ
وتَخْلَعَ روحي على حافَّةِ العُمْرِ عنها الرمادَ؟
ناصر الغساني شاعر عماني