وقت للكتابة: الأدب أولاً
قاسم حداد -
١
الأديب قبل ان يكون كذلك، هو كائن اجتماعي فذّ. بهذا الشكل يتميز الأديب فيما يتصل بمكونات المجتمع، والسياسة هي احدى أكثر ظواهر المجتمع البشري، حتى أن أحدهم، وهو يتفذلك بنظره الى الحياة، وصف الانسان بأنه حيوان سياسي.
٢
بالطبع وصف الحيوان هنا يتصل بالعفوية والفطرة غير المفكرة وغير القابلة للتدجين. وهي الطبيعة التي تجعل الانسان مندفعاً بغريزة الرعونة التي سترى السياسة فعل فضيحة دائمة، عصية على الاستغناء عن العلف خشية التوقف عن الحياة.
وليس مثل الحيوان قدرة على تمييز اللون الأخضر في العلف، لكي يذهب إليه بالغريزة، من بين الألوان كلها. ففي الخضرة شيءٌ من حياة الكائن.
٣
كأديب، بوصفك الإنساني، من حقك ممارسة السياسة. ليس ذلك فحسب، بل ان السياسة هي فعلك الطبيعي في المجتمع، السياسة هي خصوصاً وأجبك كوحش يخرج على الغابة.
المهم هنا أن تضع الادب في المرتبة الأولى دائماً، والسياسة بعد ذلك.
٤
ولتدع الكائنات الاجتماعية الاخرى وضع السياسة في المراتب التي تناسبها.
فأنت أديب، وفنان، وشاعر. موهبتك الإبداعية تأتي أولاً، ليس فقط لأنها موهبتك الأصلية الاولى، ولكن، خصوصاً، لأنك لن تحسن شيئاً آخر، مهما زعمت ومهما توهمت. وبالتالي لن يحل مكانك شخص آخر مهما تميز بمواهب أخرى.
٥
المبدع في حقل موهبته، وهو منغمس في انهماكاته السياسية، سيكون، وهو يبدع في الفن الذي يُحسنه، أكثر فعالية وحيوية لمصلحة قضيته السياسية التي يُؤْمِن بها.
إلى ذلك، فإنهم من المتوقع أن يعثروا على عشرات الناشطين السياسيين الذين يحسنون دورهم النضالي المباشر، في وقت ليس من المتيسر لهم مصادفة موهوب مبدع في الأدب والفن.
٦
شرط الفن، إذن، هو ما يتوجب على الأديب التشبث به، وعدم التضحية به لصالح العمل السياسي، إذا كان يرغب فعلاً الانتصار لقناعاته السياسية ويناضل من أجلها.
نقول هذا، ونكرره ونؤكد عليه بين وقت، لئلا يظن البعض، ويتوهم البعض، ويخطئ البعض الآخر، بالوقوع في براثن النظرة الطهرانية، حين يتعلق الأمر بالعلاقة العميقة بين الادب والسياسة.
فتقاطع الأديب، حياتياً، يحدث مع السياسة بوصفها حركة الجوهريّ، وليس باعتبارها حركة الحدث اليوميّ السطحي المتغير العابر. تلك هي السياسة في العمل الفني والأدبي. حيث المبدع، كإنسان، هو أيضاً، حيوان سياسي فذّ، خارج الغابة.
٧
نقول هذا، خصوصاً، نجاةً بالمبدع من الحماقات التي يقع فيها السياسي، الذي لا يتوقف عن ذلك، ولا يكفّ.