نص : نشيد «للزمن الآفل..»
شريفة المحرزية -
يخبو السراج المُتَّقد.. في سماء العمر، وباحاته المونقة.. فتحترق شمعته الوضيئة وتذوي شعلته الزاهرة.. تتلاشى ملامحه في خريف الأيام تباعًا.. وتمّحي ألوان الرؤى
في ضبابية الزمان.. وينطفئ وهج الروح.. في سديمية الموت، ويتوارى بهاء الجسد في غياباته المعتمة.
***
يتغضّن في ملامحنا وجهُ الزمان.. ومرح الطفولة الجذلى ما يزال يلتمع في أحداقنا!
نهلة من نهرها الصافي، أو رشفة من ينابيعها الرائقة، تُزهر بيداءنا المقفرة، تغمر ملامح النفس وقسماِتها الجهام، بطيوبها الصافية .. تؤذن لبريق الآمال ، أن يسطع في فِنائها الرحب.. ويشعّ ضوؤها السافر.. في حطام المغيب.
***
في حكايات أعمارنا الباهتة.. تكتمل أنشودة الروح.. تنسج حرير الذكريات، من خيوط اللحظات.. تحيك بين أجزائه كنوز صمتها، لمّا أضاعته الكلمات، في ثرثرات العمر السادرة.
على أنقاض الفتوّة الذاوية، تنضر الحكمة الوارفة، تشمخ بصرحها بين شظايا الوهن، وتختال بأنوارها بين حطام الذكريات.. تُنشد ألحان النوح أغنياتِها الثكلى ـ تتلو مراثيها على أهبة الوداع وهي ترنو لمداها الفسيح ضائقًا في ظلال أيامها الذاهبة.
***
يتسارع خطونا في دروب الزمان.. يتصدع جسره وهو يجوب ردهاته.. عابرًا طرقه الشائكة
يذرو فتات أعمارنا في لجة المساحات.. غارسًا نصل أشجانه في حقولها الشاحبة.
***
يتبدى ضجر الكهولة على مرايا الأيام.. بفيض أحزانه يخط ّعلى صفحات العمر.. فيُطمَس عنفوان القلب في غمامة الحزن، وتُطوى بهجة الروح مع بقاياه الآفلة.
***
الثواني والساعات في عبورها المباغت.. ورحيلها المتوشح بسدول الغياب، تصعد بظلالها الموات على درج أعمارنا المتهالك.. تتبدّى صورة العمر على شفا من هاوية الغروب.. وتتهاوى شهب الأحلام في جنح الفَناء، تكبو أفراسها الجامحة، في صهيل الغياب.. وصدى الفراغ يصم آذان الفلوات.. في غسق الأزمنة الثاوية.
***
في جريان الزمن إلى خط النهايات، مستبقًا بسيرورته الدائرة حركة الثواني في لحاق أبدي مستحيل..تعصف زوابعه بشطآن الجسد.. فينكسر شموخه، وتنحني ذروته الصاعدة.. تاركًا أحداقَ الدجى تستلبُ من إيوانه مشعلَ الكبرياء.. فتغزو صفحتَه المشرقة ملامحُ مجدبة.. وآثارُ نظراتٍ باهتة، حافية الآمال.. عارية من بذخ الجمال.. وألقه الفاتن.. خاوية من زهوه الراقص، ومرآه البهيج.
***
حين تسرَق ومضةُ أعمارنا الساجية في غفلة الساعات.. تصدح في كهوف الروح وأغوارها القصيِّة أناشيدُ الحياة.. فنستفيق على وقع أسرارها، متناثرًا من عقد أيام، مضينا تفاصيلها كسراب حلمي.. أو كخطفة عابرة، سافرت في طيوف الخيال.
***
يغمرنا الحنين إلى طهر البدايات.. كلما هادنت أرواحُنا إلفَها في سلام سماوي.. يجرح صمتَه هديلُ ورقاء.. ويأسو حزنه هتافها الحاني.
***
كي نتعلم أسرار الطيران وبهجة التحليق، نطلق قيود الحواس من أسر المكان.. ونرسلها حرةً في صفحة الكون.
***
في اشتياقنا للجمال.. نتبع ظلّ فراشة.. كيما نؤاخيها، ونطيِّر أحلامنا على رفّة من جناحها المرهف.
***
في اشتياقنا للكمال نتبع خطى الأنبياء.. نقتفي ظلَّهم الوقور إلى بوابة الفراديس
كيما نبلغ نبع الحياة.. وننهل النعمى من فيوضها السخية.