كتاب من يحكم العالم؟.. تفكيك أنماط النخبة التي تقود العالم
العمانية: يرصد كتاب «مَن يحكم العالم: أوضاع العالم 2017» الذي أشرف عليه الأستاذان في معهد الدراسات السياسية في باريس لبرتران بادي ودومينيك فيدال، مواطن السلطة في الغرب، والتغيرات التي طرأت عليها، وأنماط التأهيل الاجتماعي للنخبة التي تقود العالم وطرائق انتشارها واتساع نفوذها.
وقد صدرت أخيرا ترجمة عربية للكتاب عن سلسلة حضارة واحدة التابعة لمؤسسة الفكر العربي، وهي من إعداد نصير مروة.
وجاء في كلمة الناشر إن العالم لم يشهد تغيرًا بسرعة التغير الذي شهده خلال السنوات الأربع الأخيرة، حيث نهاية الشيوعية، والعولمة، والثورة الرقمية، وهي ثلاث ظواهر جعلت العالم يتغير تغيرًا جذريًا.
ويضيف الناشر أن الكتاب يسلط الضوء على القوى التي انتهى إليها حكم العالم، ولا سيما أن الدول لم تعد وحدها هي التي تسيطر عليه، حتى ولو ادعت ذلك. فالعولمة التي تقلب العلاقات الاجتماعية رأسًا على عقب، تولد ارتهانات جديدة، تجعل الشبكات والشركات متعددة الجنسيات تتحدى سيادات الدول؛ وهو الأمر الذي يترجم نفسه أيضًا بما يظهر من تفتت في السلطة، ومن ترابطات وارتهانات متبادلة ومتزايدة التعقيد.
ويشير إلى أن هوية العولمة بحسب المشاركين في الكتاب، تكمن في أنها تلك القدرة الاستثنائية على خلق الشبكات، وهي قدرة متكتمة ولكنها غامضة ملتبسة، وتترجَم في الحين ذاته بتجزّأ السلطة وتفتتها بسبب الترابط، وبعلة الارتهان المتبادل الذي يزداد تعقيدًا.
ويرصد الكتاب أيضًا معالم عدة من النظام الدولي ومتغيراته التي يمكن أن تولد السلطة؛ فتم تمييز خمسة من معالم هذا النظام العالمي، أولها التقليد الذي استحدث في العالم كله الأدوات الأولى للسيطرة، والذي لم ينقطع عمله هذا ولم يتوقف، حتى في أكثر المجتمعات حداثة، لأنه يتواصل عبر الرقابة الاجتماعية والتحكم الاجتماعي، وعبر النظام الأبوي البطريركي، وعبر تقسيم العمل بين الجنسين، ومن خلال الزبائنية والعصبية والمحسوبية.
أما ثاني هذه المعالم فهو المقدس والديني، لكونه يشكل امتدادًا للأعراف والتقاليد، ويستمر ويتواصل إما بتنظيم سيطرة بذاتها ولذاتها، وإما بتزويد دوائر أخرى بأدوات تدعيم وتعزيز ثمينة تفيدها في تدعيم سيطرتها وتعزيز غلبتها. والمعلم الثالث هو الدولة التي كان مبرر وجودها هو ادعاؤها الحق في احتكار ممارسة السلطة السياسية. ويتبعه الاقتصاد، الذي انفصل كفئة مستقلة أو «مقولة» مستقلة منذ بروز الرأسمالية التجارية في حدود عصر النهضة، والذي راح يدعي، تدريجيًا، بغلبة مستقلة بذاتها، أو بسيطرة مستقلة، ما تزال قائمة إلى يومنا هذا.
ويرى الناشر أن العولمة هي أبعد من أن تكون امتدادًا لرأسمالية الأمس، والتي تستحدث مشهدًا عالميًا جديدًا، ثم تعبئ ثوابت ومتغيرات غير مسبوقة للسلطة وتجندها، ولا سيما عبر ثورة الاتصالات، التي هي أساس شكل جديد لا سابق له من الغلبة والسيطرة.
ويعاين الكتاب معالم النظام العالمي الجديد، ولا يكتفي بمحاولة فهم من يحكم العالم، بل يتعدى ذلك إلى فهم كيف يُحكَم هذا العالم.
ويتطرق المشرفان على الكتاب إلى الدوائر التي ما تزال السلطة الغربية تسيطر بها على العالم، ويرصدان الديناميات التي تتم من خلالها هيكلة ميادين أو حقول السلطة الغربية بشكلها العصري، وانتشار هذه السلطة على الصعيد العالمي، والطرق التي يتم بها إلى اليوم تكوين علاقات وروابط سلطوية عابرة للأوطان والقوميات.
ففي دراستهما يلاحظان أنها لم تعد أماكن للتنسيق السياسي كما في السابق، ولا لاتخاذ قرارات اقتصادية كبرى، إلا أنها، على الرغم من ذلك ما تزال تسهم في تداول المعلومات، وكذلك في انبعاث تضامنات وبروز حس طبقي مشترك يمكنه أن يؤثر في هذه المسارات والسيرورات.
ويقدم الباحث فنشينزو روجيرو بحثًا بعنوان «المافيات، كممثلات للحوكمة»، يوضح فيه الكيفية التي تنجح بها المافيات في التأثير على الحكومات عبر تفحص السمات التي تتجلى الجريمة المنظمة أو تظهر عبرها، ويرصد عبر جولة في عدد من البلدان كيف باتت الجريمة المنظمة نشاطًا متعدد الوجوه، كإنتاج الكوكايين وتصديره؛ وطباعة العملات المزورة من فئتي الدولار واليورو، وتزوير جوازات السفر، والقيام بعمليات اختطاف، وتجنيد القتَلة، بسبب الوضعية اللاشرعية التي يعيش فيها جانب كبير من نخب هذه البلدان، التي تجعلها مستعدة لتقاسم السلطة الاقتصادية والسياسية مع المنظمات غير الشرعية.
ويقدم الباحث إيفان دو روي أطروحة بعنوان «عندما تستولي الشركات متعددة الجنسيات على السلطة» يركز فيها على الضخامة الاقتصادية الهائلة لهذه الشركات التي تتحدى اقتصادات الدول القومية وتنافسها.
ويقول الباحث: «لعل الدليل على المنافسة التي تقوم بها شركات المال والصناعة النفطية والسيارات والطاقة، هو استخدام متاجر «والمرت» المركزية الأمريكية نحو /2.2/ مليون شخص، أي ما يناهز عدد سكان باريس، فضلًا عن تحقيقها حركة مبيعات تزيد قيمتها على 485 مليار دولار سنويًا، أي ما يعادل الناتج القومي القائم للأرجنتين أو لتايوان؛ فيما تقارب الميزانية المصرفية العمومية لبنك باريس القومي «باري باس» الألفي مليار يورو، أي ما يوازي الناتج الوطني القائم للبلد الذي اتخذ مقره فيه، فرنسا، التي تحتل مرتبة القوة الاقتصادية السادسة في العالم.