«الليـوا»..فن السمر والأداء الحركي المتناسق «19»
جمعة الشيدي -
اللّيوا، أو «اللّيوه»، نمطٌ موسيقي تقليدي في قائمة أنماط الموسيقى التقليدية العُمانية، ذو سماتٍ ثقافية إفريقية، مارسه العُمانيون أوّل الأمر على أرض الساحل الشرقي من قارة إفريقيا، وعلى الأخص في موانئ ممباسا وزنجبار إبان الامتداد الحضاري العربي الإسلامي لأرض عُمان، مارسوه بمعيّة سكان تلك البلاد ثمّ نقلوه بعد ذلك إلى أرض عُمان الأم ليُصبح أحد أنماط فنونها وثقافتها التقليدية، ويُمارسه العُمانيون اليوم في مختلف مناسباتهم الاجتماعية المختلفة كجزء من ثقافتهم المحلية.
تُقام الليوا في بعض ولايات السلطنة، وعلى وجهٍ أخص في ولايات محافظتي الباطنة، وبعض ولايات محافظة مسقط، وهما منطقتان ساحليتان. ويعتمد أداؤه من قبل الرجال فقط أو اشتراك النساء فيه بحسب المكان الذي يُقام فيه، فقد تشترك النساء في أدائه في بعض الأماكن (كما في ولايتي المصنعة والسويق مثلا) ولا تشترك في أماكن أخرى (كما في ولاية صحار مثلا) في هذه الأيام إلا في حالة كون الفرقة التي تؤديه من السويق أو المصنعه. وتأتي مشاركتها في جانب الأداء الحركي لإكمال دائرة المشاركين الرجال بنفس أدائهم الحركي.
والليوا، فنٌ بديع التكوين في حركاته، وفي ألحانه وإيقاعاته، يُقيمه العُمانيون في مناسبات مختلفة، مثل مناسبات الأعراس وفي أيام الأعياد الدينية والوطنية، وقد تُقام في مناسبات الاحتفال بطهور صبي، وغيرها، لكنه في الأصل يُقام بغرض التطبيب أو في أداء النذور في أوقات سابقة، حيث تُنصب له خيمة وعريش إلى جوار (المرمس)، وتُغنّى لذلك أغانٍ خاصة تغلب عليها اللغة السواحيلية.
والليوا أيضاً فنُّ سمرٍ وترويح، تُقام في أوقات الفراغ للتسلية والترويح عن النفس، خاصةً في نهاية الأسبوع، وفي هذه الحالة لا يُشترط أن يُقام في المرمس المُخصّص للتطبيب أو النذر.
الليوا، لعبٌ وغناءٌ بمصاحبة آلة المزمار أو الزمر من النوع النّغَّار، ويُسمّى «الصُّرْناي» أو «الزّرنه» كما في دول الخليج العربية والعراق، وآلات إيقاع تختلف في أشكالها وأحجامها ونوعياتها وفي مُسمياتها أيضاً، والغناء عبارةٌ عن شلاّت شعرية تختلط فيها ألفاظ اللغة العربية باللغة السواحيلية، وهذا دليلٌ بالقطع لما كنّا قد أشرنا إليه في بداية حديثنا عن هذا الفن من كون ذلك نتاجٌ طبيعي لتلاقح وتداخل ثقافات وحضارات مختلفة، مثل الذي حدث من تمازجٍ بين الثقافتين العُمانية العربية الإسلامية والثقافة الإفريقية عندما وصل العُمانيون إلى هذه السواحل القاصية، أو قد تكون شلات تلك الأغاني باللغة العربية البحتة أو باللغة السواحيلية، وهذا هو ما نتج عند مُمارسة هذا النمط هنا على أرض عُمان. وهذا الغناء في مُعظمه غناء سمرٍ وغزلٍ ودعابة.
ومُصطلح الليوا لفظٌ عامٌ، يُطلق على خمسة أشكالٍ فنيّةٍ تُكوّنُ في مجموعها أسرةً واحدةً مُتجانسةً تتفقُ في شكلها العام وتختلف في إيقاعها ولحنها وحركتها اختلافاً طفيفاً قد لا يبدو هذا الاختلاف للوهلة الأولى لغير المتمعّن، غير أن هذه الأشكال الثلاثة تتّفق في ثلاثة عناصر، هي: حركة الدائرة (أو نصفها) التي ينتظم فيها المُشاركون اللاّعبون، حركة اللاّعب الفرد، وحركة عازف المزمار.
كيف يكون الأداء الحركي في الليوا؟: تتحرّك الدائرة التي ينتظم فيها المشاركون في اتّجاه عكس عقارب الساعة، أي إلى جهة اليمين، حول مجموعة من عازفي آلات الإيقاع الذين يجلسون عند مركز هذه الدائرة. الحركة الفردية عبارةٌ عن انحناءاتٍ خفيفة بالكتفين، وحركاتٌ جانبيّة من الذراعين والعصي التي يُمسك بها بعض اللاعبين إن لم يكن مُعظمهم في أيديهم اليمنى، ثم حركات التفافٍ بالجسم كله بحيث ترسم القدمان في أثناء هذه الحركة خطاً دائرياً متعرجاً. ويمكننا تمييز عدد من الفروقات المتباينة في الحركة بين كل نوع وآخر من أنواع الليوا، الزّمّار يتحرّك بحرّيّةٍ داخل الدائرة أمام اللاعبين وحول العازفين. ثم أن الحركة في هذه العناصر تختلف بين كل شكلٍ وآخر من أشكال فنون الليوا الخمسة، وهي: الليوا، السّباتا، البوم، الكتميري، و السوداني.
1ـ الليوا: أوسعها انتشارا. وفيه: يصطف المشاركون في دائرة مقفلة إذا كانوا كثيري العدد، أو مفتوحة إذا كان المشاركون قليلي العدد، ويجلس ضاربو آلات الإيقاع في وسط هذه الدائرة. وتبدأ الطبول في العمل أولا، ثم يبدأ الزمّار بالنفخ في زمره: حيث يزمر الزمّار جملة موسيقية كاملة هي شلة الأغنية، فيرد عليه المشاركون جميعا بغناء على نفس الجملة الموسيقية، ويتوالى تبادل الزمر والغناء على شلة من الشعر قليلة الأبيات لا تتغير حتى يغير الزمّار الجملة الموسيقية، لتبدأ أغنية أخرى.
الحركة في الليوا: خطوتان إلى الأمام ثم لفّة بالجسم إلى الخلف، ثم خطوتان أخريان، ثم لفّة بالجسم مع انحناءة بالجسم إلى داخل الدائرة عند كل خطوتين، وتلويح باليدين اللتين تحمل اليد اليمنى منهما عصا من الخيزران في الهواء وفي معظم الاتجاهات.
تشترك في الليوا آلات الإيقاع التالية:
ـ زمر، أو مزمار، ويسمّى أيضا صرناي أو الزّرنه في بعض البلاد الأخرى، وهو الآلة الرئيسية في الليوا.
ـ طبل مسندو قصير (جالس)، يضرب بعصاتين غليظتين.
ـ طبل مسندو طويل، يُضرب بالكف وخاصة في نوعي السباتا والبوم.
ـ طبل رحماني، يضرب بالكفين على كلا الوجهين، وموقعه إلى يمين المسندو.
ـ طبل كاسر، يضرب بالكفين على كلا وجهيه، وموقعه إلى يسار المسندو.
ـ الباتو، عبارة عن صفيحة معدنية قد تكون صفيحة زيت فارغة، تثنى من وسطها، وتضرب بعصاتين رفيعتين.
ـ برغام، أو «يم (جم)»: وهو صدفة بحرية مثقوبة ناحية طرفها المدبّب، ينفخ فيها فتصدر صوتا متقطعا لزخرفة الإيقاع والتنبيه.
ومن أغاني الليوا هاتان الأغنيتان (شلتان)، الأولى باللغة السواحيلية المختلطة باللغة العربية و الثانية باللغة العربية الدارجة:
ـ تشيزا بوانا تشيزا بوانا تشيزا بوانا تشيزا
تشيزا بوانا تشيزا وحبيبي راح ممباسا
ـ قالت أمّه ما يصير قالت أمه ما يصير
قال أبوه ركبوه بعير قالت أمه ما يصير
2ـ السّباتا: إيقاعه أبطأ قليلا من الليوا، يتناسب وحركة اللعب فيه. الحركة في السباتا عبارة عن خطوتين إلى الأمام وانحناءة بالجسم إلى الأمام مع إنزال اليد اليمنى إلى أسفل ثم خطوتين إلى الوراء، ودوران بالجسم، وهكذا. أمّا الآلات المستخدمة فيه هي نفسها آلات الإيقاع في الليوا، ولكن يُستبدل في السباتا المسندو الجالس بآخر واقف (كما في ولاية صحار مثلا).
ومن أغاني السباتا هذه الأغنية باللغة العربية الدارجة:
ـ عطيني بسرة خنيزي مابا زنجبار
ولد البحر عماني يالله امشي ويـاه
لا إلـه إلاّ الله يا ممباســـــا
3 ـ البوم: لا يختلف الإيقاع وآلاته في البوم عنه في السباتا، أما الحركة فتتغير، وتصبح: خطوة قصيرة بالقدم اليمنى إلى جهة اليمين، تتبعها خطوة بالقدم اليسرى، وثنية خفيفة من الركبتين، وتمايل بالجسم مع حركة خفيفة بالرأس، وتلويح باليدين في حركة حرّة إلى أعلى وأسفل، ثم التصفيق.
وهذان نموذجان لأغاني البوم:
هياليوو ساري سرى
نامزاليا همبا دو دو
4 ـ الكتميري: في الكتميري يتحرك الصف في الدائرة إلى الأمام في خطوات قصيرة خفيفة، ويتمايل اللاّعب بكامل جسمه، ويُحرّك يديه حركةً حرةً طليقة، وقد يدور حول نفسه في دورةٍ رشيقةٍ يعود بعدها إلى وضعه الأصلي. وفي آلات الإيقاع، يعود الطبل المسندو الجالس إلى اللعب مرةً أخرى مع بقيّة الآلات السابقة الذكر، ويُترك المسندو الواقف.
ومن شلاّت الكتميري، هذه الشّلّه:
ـ أوه بوانا ... سنكر موجا
5 ـ السوداني: وهو غير معروفٌ في عُمان.