زاوية لغوية: المبتدأ الذي له مرفوع يسد مسد الخبر
إسماعيل العوفي -
يكون للمبتدأ مرفوع يسد مسد الخبر إذا كان المبتدأ وصفًا أي: اسم فاعل أو اسم مفعول، فإنه يأخذ فاعلًا يسد مسد الخبر، وقد يأخذ الوصف مفعولًا به كقول القائل مثلًا: «هل مكرم خالدٌ محمدًا»، فـ(مكرم) مبتدأ، و(خالد) فاعل سد مسد الخبر، و(محمدًا) مفعول به للوصف الذي وقع مبتدأ، ويشترط في الوصف الذي له مرفوع يسد مسد الخبر أن يعتمد على نفي أو استفهام على المشهور، ونسب إلى الأخفش والكوفيين جواز العمل من غير اعتماد على نفي أو استفهام، وهناك في المسألة رأي ثالث، وهو إجازة الإعمال على قلة مع عدم الاعتماد، وعليه حمل ابن مالك كلام سيبويه في الكتاب عند قوله: «وزعم الخليل –رحمه الله- أنه يستقبح أن يقول: قائم زيد وذاك إذا لم تجعل قائمًا مقدمًا مبنيًا على المبتدأ كما تؤخر وتقدم فتقول: ضرب زيدًا عمرٌو، وعمروٌ على ضرب مرتفع. وكان الحد أن يكون مقدمًا ويكون زيد مؤخرًا، وكذلك هذا الحد فيه أن يكون الابتداء [فيه] مقدمًا، وهذا عربي جيد، وذلك قولك: (تميميٌّ أنا)، و(مشنوءٌ من يشنؤك)، و(رجل عبد الله)، و(خز صفتك).
فإذا لم يريدوا هذا المعنى وأرادوا أن يجعلوه فعلًا كقوله يقوم زيد وقام زيد قَبُح لأنه اسم، وإنما حسن عندهم أن يجري مجرَى الفعل إذا كان صفة جَرَى على موصوف أو جَرَى على اسم قد عمل فيه كما أنه لا يكون مفعولًا في ضارب حتى يكون محمولًا على غيره فتقول: هذا ضارب زيدًا وأنا ضارب زيدًا ولا يكون ضارب زيدًا على ضربت زيدًا وضربت عمرًا، فكما لم يجز هذا كذلك استقبحوا أن يجري مجرَى الفعل المبتدأ وليكون بين الفعل والاسم فصيل وإن كان موافقًا له في مواضع كثيرة فقد يوافق الشيء الشيء ثم يخالفه لأنه ليس مثله» ، وحمل آخرون كلام سيبويه على المنع، وهو ظاهر كلام السيرافي (ت:368هـ) إذ يقول: «إذا نقلت الفعل إلى اسم الفاعل ورفعت الفاعل به ولم يكن قبله ما يعتمد عليه قبح... والذي قبحه فساد اللفظ لا فساد المعنى»
وحمل ابن خروف القبح عند سيبويه على المنع، وذكر الفارسي (ت:377هـ) مواضع من كلام سيبويه يقع فيها لفظ القبح، والمراد منه المنع.
وعند النظر في المسألة يظهر للناظر أن الدليل إن طرقه الاحتمال سقط به الاستدلال، والمعهود أن الوصف وهو اسم الفاعل، واسم المفعول لا يعملان إلا في حالات، منها الاعتماد على نفي، أو استفهام، ووقع ذلك عند الاعتماد على النفي، أو الاستفهام خصوصًا؛ لأن الاستفهام، والنفي يطلبان الفعل، والشواهد التي استدل بها المجيز قابلة لوجه آخر في الإعراب، وهي جعل الوصف خبرًا، والمرفوع مبتدأ إلا شاهدًا واحدًا وهو قول الشاعر:
فخيرٌ نحنُ عندَ الناسِ منكمْ
إذا الدَّاعِي المُثَوِّبُ قالَ يَالا
فلا يمكن جعل (خير) خبرًا، و(نحن) مبتدأ؛ لأنه يلزم منه الفصل بين أفعل التفضيل ومن بأجنبي، وهو المبتدأ، وأفعل التفضيل ومن في حكم المضاف والمضاف إليه، ولا يصلح الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالمبتدأ، وبهذا يقال: الأقرب إلى الصواب جواز العمل مع قلة إذا لم يعتمد الوصف على نفي، أو استفهام، ولكن هذا الشاهد لا يخلو الاستشهاد به من نظر على القاعدة المنسوبة إلى الكوفيين من أن العامل في الخبر المبتدأ؛ فعلى هذا لا يكون (نحن) أجنبيًا من (خير)، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا يسلم أن أفعل التفضيل ومن في حكم المضاف والمضاف إليه في عدم جواز الفصل بينهما؛ لورود الفصل بين أفعل التفضيل ومن بما لم يفصل به بين المضاف والمضاف إليه، وهو التمييز، والفاعل، والظرف، والجار والمجرور، ونقل عن ابن خروف أنه جعل (خير) خبرا لمبتدأ محذوف تقديره نحن، و(نحن) توكيد للضمير المستحق في (خير)، فالشاهد طرقه الاحتمال فلا يقوم الاستدلال به؛ أو يضعف به الاستدلال؛ وعليه فالأولى ترجيح القول بمنع عمل الوصف الواقع مبتدأ من غير اعتماد.