منظومة زاد الفقير في الطب وشرحها
راشد بن خلف بن محمد بن عبدالله بن هاشم القرّي العِيني الرستاقي (ق: 9-10هـ/ 15-16م)، طبيب وفقيه وشاعر من بلدة عِيني من أعمال مدينة الرستاق بِعُمان، وقد عاش في محلة صغيرة في بلدة عِيني اسمها (صنعا) وفيها آثار هذا الطبيب وعائلته من الأطباء.
أخذ العلم عن والده وأشار إلى ذلك في مواضع عديدة من منظومته الطبّية، كما أخذ عن محمد بن عبدالله بن مدّاد الناعبي (ت:917هـ) وأشار في شرح منظومته أنه لقيه ذات مرة في بلدة فرق وسأله عن إحدى المسائل، وكان ذلك سنة 910هـ. وأخذ عن سعيد بن زياد بن أحمد البهلوي، وله سؤال وجهه إليه.
عاش المؤلف في حقبة تخللتها أحوال سياسية مضطربة وحالة من القحط والجفاف أشار إليها في شرح منظومته، وأشار إلى أنه كان في خدمة السلطان محمد بن بلعرب بن سلطان بن أبي حمير بن مزاحم بن يعرب بن محمد بن يعرب بن محمد بن مالك بن يعرب بن مالك. ترك من الآثار العلمية منظومة (زاد الفقير وجبر الكسير) في الطب وشرحها، وجوابات متفرقة في الطب، وآثارًا شعرية.
والمنظومة من بحر (الطويل) تقع في 309 أبيات، وقد شرحها ناظمها شرحا علميا لغويا، وتعد أقدم المؤلفات العمانية في الطب مما عُثر عليه حتى الآن. وقد صدّرها المؤلف بنظريتي: «معرفة الداء والدواء» و«العلاج بالأضداد» باعتبارهما من أساسيات علم الطب، ثم سرد وصفات طبية وعلاجات كثيرة وفقا لأجزاء جسم الإنسان من الأطراف والأحشاء. وقد اعتمد المؤلف على معرفته الطبية وحصيلته اللغوية، وعلى مصادر في الطب من التراث العربي والإسلامي أبرزها: (مختصر كتاب الرحمة في الطب والحكمة)، وكتاب (برء ساعة) لأبي بكر محمد بن زكريا الرازي (ت: 313هـ)، وكتابا (تقويم البلدان) و(منهاج البيان) لأبي علي يحيى بن عيسى بن جزلة (ت: 439هـ)، وآثار ابن الجزّار أبي جعفر أحمد بن إبراهيم القيرواني (ت: 369هـ)، وتذكرة الحكالين، لشرف الدين علي بن عيسى الموصلي الكحال (ق: 5-6هـ) كما أفاد من أطباء عصره الذين باحثهم في المسائل الطبية، وذكر منهم: الطبيب نصر الله بن حاجي بن حسن بن مزار، وأبا اللاذي كمال الدين بن ظهر دين بن اختيار الدين، وهما من أهل هرمز. وقد نالت المنظومة وشرحها عناية واسعة وانتشرت في عُمان وفي عدد من الأقطار العربية والإسلامية، وألَّف العالم علي بن محمد بن علي المنذري (ت: 1343هـ/ 1925م) شرحا مختصرا للمنظومة، وهو من العلماء بجزيرة زنجبار، وتحتفظ خزائن المخطوطات في عُمان بما يزيد عن 40 مخطوطة لها أقدمها مؤرخة سنة 942هـ/ 1535م في عصر المؤلف أو بعد وفاته بقليل، بينما رُصِدت 14 مخطوطة أخرى للمنظومة مفردة أو مع شرحها في مصر والمغرب والسعودية واليمن والعراق وليبيا وتركيا وإيران، من بينها 3 نُسخ محفوظة بجامعة الإسكندرية تعود إلى مجموعة الطبيب والمستشرق الألماني ماكس مايرهوف (1874- 1945م)، وأشير إليها في بعض الدراسات من بينها دراسة صدرت عن مؤسسة الكويت للتقدم العلمي عنوانها: (العلوم العقلية في المنظومات العربية) كتبها الأستاذ الدكتور جلال شوقي، وعدد من الدراسات التي نُشِرت في عُمان.
مهّد الطبيب راشد بن خلف في منظومته بالتعريف بعلم الطب وقواعده، ثم حشد وصفات طبية كثيرة في نظمه، ثم أخذ في تفكيك النظم بشرح جمع فيه بين اللغة وعلم الطب، فنرى في الشرح شواهد شعرية كثيرة بين شعر جاهلي وإسلامي وعماني وكأنك تطالع شرح ديوان شعر، ونراه كذلك قد مزج في وصفاته الطبية بين ما يُؤخذ من الطبيعة من نبات وشجر وحجر ومشتقات حيوانية، وبين المواد الكيميائية التي تُحَضَّر أو تُجلب من بلاد بعيدة.
ومن أمثلة وصفاته، صفة علاج الأذن إذ يقول:
وللأذن خذ دهنًا وثومًا ومصطكى ** وفلفل مدقوقًا وزده قرنفلا
إذا كان من بردٍ وداوِ طنينها ** بأفيون مصريٍّ وبالماء حَلِّلا
وفي بعض المواضع نقل شيئًا من جوابات الأطباء الذين راسلهم، ومثال ذلك نقله «صفة الخفقان» عن الطبيب كمال الدين بن طهر الدين بن اختيار الدين اللاذي الهرموزي، وفي مقدمته يقول له: «وردت التحيات الكافيات الوافيات والتسليمات التامات الكاملات إلى جنابه الكريم» ثم تخلص إلى الجواب عن سؤاله.
وقد أرَّخ الطبيب راشد بن خلف في آخر منظومته، وذكر أنه نظمها سنة 924هـ في بلدة عِيني من أعمال الرستاق التي دعا لها بالخصب ثم ذكر في الشرح أن بلدة عِيني التي بها فلج الحمام ليست من القرى التي يصيبها المحل، لكن المحل وقع في الرستاق، وقد صَوّر المحل بقوله: «إلى أن نقص الحمام مقدار ثلث عن زمان الخصب، والميسر نقص منه أكثر من غيره، ومات من قرية سوني كثير من الأموال، وأبو ثعلب نقص منه البعض فلم ينقص من سقيه، والطاغي مات، وكذلك عين الحلة والمقام وعين وبل وفلج مناقي لم يبق فيهم شيء من الماء، وأما فلج المدرى فلم ينقص عن سقيه ونقصانه كالحمام، والمحدث بقرية الغشب نقص ولم يمت وسقى بعض الأموال». وهكذا جمع شرح منظومة (زاد الفقير) بين الطب واللغة وشيء من الشوارد الأدبية والتاريخية.
محمد بن عامر العيسري: باحث في التراث العماني.