محمد بن زوزان
محمد بن زوزان (ق 6هـ/12م) انفرد بذكره ياقوت الحموي عند التعريف بصحار في كتابه «معجم البلدان»، فقال:
«وصُحار قصبة عُمان مما يلي الجبل، وتؤام: قصبتها مما يلي الساحل. وصُحار مدينة طيبة الهواء والخيرات والفواكه مبنية بالآجر والساج كبيرة ليس في تلك النواحي مثلها
وقال نقلا عن البشّاري: صُحار قصبة عُمان ليس على بحر الصين بلد أجلّ منه، عامر وآهل حسن طيب نزهٌ ذو يسار وتجار وفواكه أجلّ من زبيد وصنعاء وأسواق عجيبة وبلدة ظريفة ممتدة على البحر، دورهم من الآجر والساج شاهقة نفيسة والجامع على الساحل له منارة حسنة طويلة في آخر الأسواق، ولهم آبار عذبة وقناة حلوة، وهم في سعةٍ من كل شيء، وهو دهليز الصين وخزانة الشرق والعراق ومغوثة اليمن....
وإليها يُنسب أبو علي محمد بن زوزان الصُحاري العُماني الشاعر، وكان نُكب فخرج إلى بغداد فقال يتشوق بلدته من قصيدة:
لحى الله دهرا شردتني صروفه
عن الأهل حتى صرتُ مغتربا فردا
ألا أيها الركب اليمانون بلّغوا
تحية نائي الدار، لقيّتمُ رشدا
إذا ما حللتم في صحار فألمموا
بمسجد بشار وجوزوا به قصدا
إلى سوق أصحاب الطعام فإنه
يقابلكم بابان لم يوثقا شدا
ولم يرددا من دون صاحب حاجةٍ
ولا مرتجٍ فضلا ولا آمل رفدا
فعوجوا إلى داري هناك فسلّموا
على والدي زوران وُقّيتم جهدا
وقولوا له إن الليالي أوهنتْ
تصاريفها زندي وقد كان مشتدا
وغيبن عني كل ما قد عهدته
سوى الخلق المرضي والمذهب الأهدى
وليس يضر السيف أخلاق غمده
إذا لم يفل الدهر من نصله حدا
والقصيدة أطول من هذا -كما ذكر ياقوت الحموي- وهي وثيقة تاريخية مهمة توحي أنها قيلت بعد تدهور الأوضاع السياسية والأمنية في صحار أواخر القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي).
والجلي أن للشاعر أبي علي محمد بن زوزان مكانة وشهرة وشرف، واشتهر له مجلس مشهور، يجتمع فيه الأدباء والشعراء، والجلي أنه افتقد ذلك عند خروجه من وطنه.
وهذه المقطوعة الجميلة، بناها الشاعر بناء متناميا، وضع في البيت الأول خلفية للأجواء التي قيل فيها النص حيث الغربة عن الوطن والأهل، ثم يطلب من الركب اليماني الذي قصد صحار أن يبلّغ سلامه لأهل الديار، ثم بنى صورة تخيلية لهذا الركب وهو يصل صحار فيرشدهم إلى مسجد بشار ويتجاوزونه إلى السوق العام، حيث سيجدون بابين لم يغلقا جيدا بانتظار الضيوف (والمسافر) ولم يرجع صاحب حاجة قصدهما خاويا، ليطلب منهم أن يدخلوا الدار ليسلموا على والديه، ويخبرونه أن الليالي أضعفته وقد كان شديدا، لأنه غاب عن نظره أهله وأحبابه ومذهبه في الحياة والتعامل، رغم أن السيف لا يضره الغمد إذا كان حادا شديدا..
واستطاع الشاعر أن يشارك القارئ في استحضار تلك الزيارة فكأنه يشاهد صحار وبيته أمام عينيه. والعاطفة في النص هي عاطفة الحنين والحب للوطن، كما يلمس المتلقي صدقا في حنين الشاعر، الذي وصف النص، وعيّن بيته وصفا دقيقا، كما نجد لغة الشاعر جميلة واضحة تعبيرا وتصويرا. أما الموسيقى الداخلية للنص فهي نابعة من قوة اللغة وتتعاضد مع الموسيقى الخارجية النابعة من وحدة القافية، وتظهر في النص ذاتية الشاعر، وأثر الغربة عليه.
أما عن سبب تركه لمدينته رغم مكانته فيها، فلا نجد ما يسعفنا، غير أن صحار -كبقية عمان- مرت بفترة تقلبات فبعد سقوط الإمامة الرابعة أرسل القرامطة حملتهم الخامسة تحت قيادة علي بن أحمد (عام 355هـ/965م) فدخلوا الظاهرة والداخلية واحتلوا نزوى وطردوا عمّال بني بويه، وسمحوا للعمانيين في انتخاب إمام لهم هو حفص بن راشد بن سعيد. فأرسل معز الدولة البويهي جيشا نجح في طرد القرامطة، وعاث فسادا، وتم تعيين أبا القاسم المظهر بن محمد مشرفا على عمان، والتقى بجيش الإمام حفص في معركة (دما) وتمكن من هزيمة قوات الإمام، وتمت السيطرة على عمان عام 364هـ، فقرر البويهيون أن يكلفوا بنو مكرم (من بني سامة بن لؤي) لحكم عمان، على أن يكونوا ولاة لهم يحكمون باسمهم وكان أولهم أبا محمد الحسين بن مكرم، حيث يتوارث بنو مكرم الحكم حتى عام 432هـ. وكانت عاصمتهم صحار، وشهدت فترة حكم أبي محمد الحسين بن مكرم اتصالا ثقافيا متبادلا بين فارس وعمان، فقد اتصل شعراء فارس ببني مكرم، وكان نظام حكمهم ملكيا وراثيا، حتى وصل للحكم أبو محمد بن أبي القاسم وكان صغير السن يفتقر إلى الخبرة، فأساء السيرة فقامت ضده ثورات عارمة، فتدخّل البويهيون وعينوا أبا المظفر بن أبي الكاليجار نائبا على عمان عام 433هـ وبذلك انتهى حكم بني مكرم، وحكم أبو المظفر عمان تسع سنوات، وفي أثناء ذلك أقام العمانيون إمامتهم السادسة بمبايعة الإمام راشد بن سعيد في مطلع القرن الخامس الهجري، وكان فارسا شجاعا مقداما أديبا شاعرا ورعا صادقا حازما، حيث يمد دولته إلى الأحساء. واستطاع أن يسقط حكم بني بويه، واعتقل أبا المظفر بن كاليجار أمير عمان وأعاد توحيد البلاد، معلنا استقلالها عن العباسيين والسلطة البويهية، ثم عاد إلى نزوى، وسكن في بيت طيني متواضع ويلبس ملابسه الرخيصة الثمن حتى وفاته عام (عام 445هـ).