فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ د.كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان
هل الأوثان التي تعبد من دون الله هي الجن، كما في قوله تعالى في سورة سبأ: «قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ»؟ هل هذا يعني أن الأوثان التي كانت تعبد هي من الجن؟
المقصود بعبادتهم هؤلاء الصنف من المشركين للجن هو طاعتهم لهم، إما بعبادتهم للأوثان أو بعبادتهم لما يتصورونه مما له تأثير وقوة في حياتهم ونسبوا ذلك إلى الملائكة، فإذا بالملائكة -وهم عباد مكرمون- يتضرعون لربهم جل وعلا ويكشفون أن هؤلاء المشركين كانوا يعبدون الجن أي كانوا يطيعونهم، فالعبادة بمعنى الطاعة، فعبادتهم لهم إما بالوسوسة فتزل بهم العقائد وينحرفوا عن طاعة الله عز وجل وتوحيده وعبادته أو بما كانوا يوهمونهم إياه عند عبادتهم للأوثان، فتظهر بعض التأثيرات أو تخرج بعض الأصوات، فينسبون ذلك إلى تلك الأوثان وفي حقيقة الأمر إنما كان من تزيين شياطين الجن، ومن استخفاف شياطين الجن وكفرة الجن بعقول هؤلاء الذين فرغت قلوبهم من الإيمان بالله تبارك وتعالى ومن التوحيد له، فهذا هو المعنى، وهو يشمل صور عبادة الجن وعبادة الشيطان، وعبادة إبليس، العبادة المباشرة، ويشمل معنى الاستجابة والطاعة لما يوسوس به الشيطان من إبليس وأعوانه من كفرة الجن لهؤلاء، فينحرفون ويزيغون عن الصراط المستقيم ويتبعونهم في التوحيد وفي العبودية وفي الشرائع. والله تعالى أعلم.
لماذا الإنسان إذا كان وحده يخاف من الجن، ويقول في نفسه: «أنا لا شأن لي بهم وليست لي بهم علاقة، ولن يصيبني إلا ما كتب الله لي» ويعرف أنه خائف لأنه فكر فيهم فقط، ولكن رغم ذلك يظل الخوف والقلق يراودانه ويلتفت يمينا ويسارا ويتخيل ويتوهم أن هناك من يراقبه أو يريد أن يؤذيه، هل يوجد تفسير في الدين للخوف من الجن؟
هذا التعميم غير صحيح حينما يقول: إن الإنسان إذا خلا إلى نفسه فإنه يخاف من الجن، هذا تعميم في غير محله، يمكن أن يصيب هذا الأمر بعض الناس، ومنشأ ذلك إنما هو ضعف في الإيمان وعدم يقين بالله تبارك وتعالى، وأن عقيدة القضاء والقدر أنه لا شيء يمكن أن يصيب هذا الإنسان بضر إلا ما كتب الله عليه، كما قال تعالى: «قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك»، فحينما يملأ المسلم قلبه بهذه العقيدة الراسخة ويتعلق هذا القلب بالله تبارك وتعالى محبة فيه وخشية منه وإجلالا وتعظيما، ويقينا بأن شيئا لا يصيبه، إلا من باب الابتلاء من الله تبارك وتعالى وأن الأمور كلها بيد الله عز وجل، حينما يكون قلبه معمورا بذكر الله تبارك وتعالى يلهج لسانه بذكر الله عز وجل، ويستعين بالله تبارك وتعالى بالأذكار الواردة في كتاب الله عز وجل من نحو سورة البقرة وآية الكرسي وخواتيم البقرة، ومن نحو المعوذات وسورة الإخلاص ويحافظ على أذكاره وعبادته في المقام الأول والفرائض التي افترضها الله عليه ويستشعر معانيها ويخشع فيها ويكثر من ذكر الله تبارك وتعالى أدبار الصلوات بأنواع الذكر الواردة في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكثر من ذكر الله عز وجل عند مدخله ومخرجه، وإذا نزل بمكان جديد وإذا كان في خلاء وإذا كان في هجعة من الحياة، وإذا كان مقبلا على جمع من الناس وإذا دخل السوق، كل هذه الأحوال فيها أذكار ثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
فلا ينبغي للمسلم أن يخلي قلبه منها، وأن يكون لسانه جافا لا يذكر ربه تبارك وتعالى، ولا يأتي بهذه الأذكار والأوراد.
فمثل هذا سيكون فارغا، يمكن أن يكون عرضة لأن يصاب بالخوف وأن تتخطفه الأوهام وأن تتملكه مشاعر الخوف، لأن قلبه خال من ذكر الله عز وجل، ولأنه لم يحصن نفسه بالأوراد والأذكار الثابتة، ولذلك فإن من شأن المسلم أن يكون ذاكرا لله تبارك وتعالى ذكرا كثيرا كما أمرنا ربنا تبارك وتعالى وكما أثنى على الذاكرين الله كثيرا والذاكرات، فلا ينبغي للمسلم أن يخلي قلبه ولسانه من ذكر الله تبارك وتعالى وإلا كان صيدا سهلا لهذه الأوهام وللمخاوف التي يمكن أن تأتي من أي مكان، هذا هو التفسير الديني لهذه الحالة التي يمكن أن تصيب البعض والله تعالى أعلم.