زكريا الهادي: القرآن الكريم ما زاحم شيئا إلا باركه
من أخلص النية لله وحده سيفتح عليه في مسيرة حفظه
عند ختم أحدنا للقرآن نجلس في حلقة معه حتى يختم آخر آية حفظها ويسجد سجدة شكر لله
نسمّع لحافظ صغير ذي ١٣ عاما وهو يسرد ١٥ جزءا في جلسة واحدة
نحتاج نية صادقة لتخصيص وقت الناشئة لحفظ كتاب الله وربطهم به
حفظة القرآن هم أهل الله وخاصته، اختارهم الله من بين الخلق لكي تكون صدورهم أوعية لكلامه العزيز، بفضله وتوفيقه، فتلك بركة أسبغها الله على حيواتهم، نالوها ثمرة لجهدهم في تدارس القرآن وحفظه، فبذلوا أوقاتهم رغبة منهم في حصولهم على هذا الوسام الرباني، فنالوا ما كانوا يرجون، كيف بدأت رحلتهم في الطريق المبين؟ ومَن أعانهم على سلوكه؟ وما العقبات التي ذللها الله لهم لاجتياز هذا الدرب؟ وقصص الشغف التي رافقتهم في هذا الطريق القويم؟ وما آمالهم وطموحاتهم المستقبلية التي يطمحون إلى تحقيقها، كل ذلك وغيره نستعرضه في هذا الحوار مع الحافظ لكتاب الله «زكريا بن سالم الهادي».
يخبرنا زكريا عن بداية رحلته في حفظ كتاب الله، وكيف كان لمحيطه العائلي دور في دفعه وتشجيعه لحفظ القرآن الكريم، وكيف أن بذرة الحفظ انطلقت من المشاركة في المراكز الصيفية فقال: «بداية الحفظ كانت منذ الصغر بالمشاركة في المراكز الصيفية». بعدها انتقل الهادي إلى مرحلة أخرى تتمثل في الحفظ الممنهج وذلك من خلال انتقاله إلى المركز التحفيظي «بيت القرآن» في ولاية سمائل في عام 2012م، ويرى أن هذه المرحلة ساهمت كثيرا في تقدم مرحلة الحفظ فهو يقول: «ساهم هذا المركز في مسيرة الحفظ كثيرا حيث إنه علّمنا الالتزام بحفظ المقرر اليومي ومراجعة المحفوظ السابق».
ويكمل لنا الهادي سرد رحلته مع الحفظ حيث انتقل بعدها إلى ولاية العامرات ليلتحق بـ«مركز الرسالة» و«مركز حياة الروح» حتى أتمّ الحفظ.
وكان لأخيه الأكبر الدور الأبرز في تشجيعه على الحفظ، فهو يقول: أخي الأكبر له الفضل عليّ بعد الله عز وجل، وذلك من خلال إدخالي في هذه المراكز التحفيظية، وتشجيعه الدائم لي على الحفظ والتعلم.
وعندما سألناه عن مزاحمة تخصيص وقت للحفظ إلى جانب التحصيل الدراسي أو مزاولة الأعمال والالتزامات، أجابنا بعبارة نابعة عن تجربة فقال: لا أبدا، وبالعكس تماما، فالقرآن الكريم ما زاحم شيئا إلا باركه، فنجد البركة في الأوقات والأعمال بسبب ملازمة القرآن الكريم.
وعن الصعوبات والتحديات التي واجهته في مسيرة حفظه للكتاب العزيز، بيّن لنا أن التحديات كثيرة، ولكن مَن أخلص النية لله تعالى وحده سيفتح الله عليه في مسيرة حفظه ولن يجد أي صعوبة في الحفظ.
وحول تجسد البركة التي يتركها القرآن في حياة مَن يحفظه أكد لنا الهادي أن القرآن العظيم يترك أثرا واضحا في صاحبه، حيث إن جميع أموره تتيسر وتتبارك بفضل القرآن، ويجد نفسه أمام نِعم عظيمة من الله لا تعد ولا تحصى، فربنا جل وعلا وصف هذا الكتاب بأنه مبارك في قول تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ).
وأوضح لنا الهادي أن القرآن الكريم يسره الله للذكر والحفظ، فقال: القرآن يدعونا أربع مرات لذلك في قوله تعالى في سورة القمر (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ).
وبيّن لنا أن الإنسان بطبيعته لا يرسخ في ذهنه شيء إلا بعد التكرار أو كثرة السماع في معظم الأوقات، وهذه الطريقة هي علاج لمَن يعاني من سرعة نسيانه لما حفظه من القرآن الكريم، وهذه الطريقة تعين على رسوخ الحفظ وعدم النسيان.
وأجمل المواقف والقصص التي علقت في ذاكرته أثناء مسيرته مع حفظ كتاب الله ما حكاه أنه «عند ختم أحدنا للقرآن نجلس في حلقة معه حتى يختم آخر آية حفظها، ويسجد سجدة شكرٍ لله» هذا الموقف يبيّن مساندة أهل القرآن لإخوانهم من الحفظة، وكيف يشتركون في هذه الجلسة الاحتفائية بختام أخيهم لحفظ كتاب الله.
ومن القصص المبهرة التي لا تُنسى والتي يحكيها لنا الهادي أيضا هو أنهم كانوا في ولاية الكامل والوافي «نسمّع لحافظ صغير ذي ١٣ عاما وهو يسرد ١٥ جزءًا في جلسة واحدة، وبعدها يكمل في اليوم التالي ختم القرآن الكريم كاملا في جلسة أخرى»، وبيّن «أن هناك قصصا كثيرة جميلة حصلت أثناء التحاقنا بحفّاظ كتاب الله، عشنا فيها روحانية القرآن ولذة حفظه وحلاوة تلاوته».
وعندما سألناه عن الآية التي تتردد في ذهنه دائما ويجد نفسه تتلفظ بها دون أن يشعر أجابنا بهذه الآية: «وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ».
وحول أهم الطرق والأساليب لربط الناشئة بالقرآن الكريم يقول: «في البداية نحتاج إلى نية صادقة لتخصيص وقت الناشئة لحفظ كتاب الله وربطهم به، ثم إن وسائل الترفيه واللعب جانب لا بد منه، ويفضل أن يعطى حقه ولكن في الجانب الآخر لا بد أن يعطى القرآن وقتا كافيا كذلك، فالمسألة تحتاج إلى توازن وعدم الحرمان من الجانبين فكلاهما مهم بالنسبة للطالب».
وسألناه عن المسابقات القرآنية التي شارك فيها فبيّن لنا أنه في مسابقات كثيرة، منها أهلية وأخرى محليّة في سلطنة عمان ومسابقة واحدة دولية كانت في مصر، وعن فائدة هذه المسابقات لتجويد الحفظ قال: «مسابقات القرآن مهمة جدا وفيها يتم التنافس على الخير، وهي تعين الحافظ على المراجعة والتثبيت وإتقان التجويد».
أما عن كيفية استعداد الحفّاظ للمشاركة في المسابقات الدولية لحفظ القرآن الكريم فأجاب الهادي: «باستعانته بأهل الاختصاص ممن منّ الله عليهم المكنة الكاملة في القراءات أو التثبيت في الحفظ، وأخذ برنامج للمراجعة وتسميعها مع الشيخ المحفّظ قبل بدء المسابقة.
ويقول زكريا الهادي عن المشروعات المستقبلية التي يطمح إلى تحقيقها والتي تخص كتاب الله: إذا مد الله في أعمارنا فالخطوة الأولى هي إعانة نفسي أولا على تثبيت حفظ كتابه وأن أحفّظه لأبنائي من بعدي، وكذلك خدمة كتاب الله في كل مكان وزمان، وتعليم أحكامه وتربية الأجيال القادمة على الحفظ والتعلم بكتاب الله.