حمد الناصري: نستخدم الأواني الفخارية كالجحال للحصول على الماء البارد
الجلوس مع كبار السن والتحاور معهم حول ذكرياتهم والمواقف التي تعرضوا لها خلال شهر رمضان في العصور السابقة يعتبر حديثا شيقا وله رونق خاص بل إن هذه الذكريات تعتبر ذاكرة ومرجعا تاريخيا للأجيال الحالية الشابة التي تتمتع بكافة سبل الراحة وتوفر كافة الإمكانيات لصوم شهر رمضان المبارك بكل سهولة ويسر.
وقد كان لاستراحة الصائم وقفة ببلدة العبلة بوادي العين بولاية عبري والتقينا مع حمد بن سيف الناصري وذلك لمعرفة ذكرياته مع شهر رمضان المبارك وكيف كان الناس في السابق يتحرون رؤية هلال شهر رمضان وكيفية قضاء أيام وليالي رمضان في العصور السابقة وأنواع الوجبات الرمضانية التي كانت تتوفر لديهم وأهم الأعمال التي كان الأهالي يقومون بها خلال أيام شهر الرحمة بالإضافة إلى معرفة بعض المواقف الصعبة التي مر بها سابقا خلال شهر رمضان ومدى توفر الساعات لمعرفة أوقات الإفطار والسحور ومعرفة المظاهر الاجتماعية التي كان الناس يمارسونها في السابق وأصبحت حاليا قليلة سواء كان في شهر رمضان أو خلال أيام العيد السعيد.
كيفية رؤية الهلال
حدثنا في البداية حمد بن سيف الناصري فقال: أول رمضان صمته كان خلال فترة الصيف وكان في شهر أغسطس وكان عمري لا يتجاوز حوالي عشر سنوات، وقد كان أهلنا في السابق يدربون الفتية الصغار على الصيام من سن الثامنة وإذا ما بلغ العشر سنوات يكون ملزما وتحت مراقبة الأهل على المواظبة بأداء الصلاة في أوقاتها، وقد أمرني والدي بالصيام منذ الصغر.
وأضاف قائلا: لقد كان الأهالي ببلدة العبلة بوادي العين بولاية عبري يتحرون رؤية هلال شهر رمضان، في البداية يجتمع أهالي البلدة من بعد صلاة المغرب بعد غروب شمس التاسع والعشرين من شهر شعبان من كل عام لتحري رؤية هلال رمضان ويختارون مجموعة من الشباب لتحري رؤية الهلال، ويقوم الشباب بالصعود إلى أعلى مكان في البلدة أو على أسطح البيوت وعند رؤية الهلال يقوم أحدهم بإطلاق أربع أو خمس طلقات متتالية في الهواء من الأسلحة التقليدية المتوفرة لديهم كالصمع أو الكند وعند سماع إطلاق الرصاص يكون الخبر المؤكد برؤية الهلال وبنفس هذه الطريقة تتم رؤية هلال العيد.
وتابع قائلا: لقد صادفنا في العصور السابقة أننا لم نر هلال العيد وكنا صائمين يوم العيد وهذا حصل في بعض من القرى الواقعة بين الجبال وتستحيل فيها رؤية الهلال ولذلك تجد هناك تفاوتا ما بين قرية وأخرى حسب جغرافية موقعها من رؤية الهلال وعدمه فتكون هناك بعض القرى صائمة وأخرى تكون في أول أيام العيد في العصور السابقة وذلك لعدم توفر وسائل الإعلام كما هو الحال في الوقت الحالي.
حفظ القرآن الكريم
وعن كيفية قضاء نهار رمضان قال: كل يوم من صبيحة أيام رمضان نذهب إلي مدرسة تحفيظ القرآن الكريم، وكان الصغار منا يدرسون القراءة ويتعلمون الكتابة، وبينما الكبار يتعلمون تلاوة القرآن الكريم وحفظه، وفي وقت الظهيرة قبل أذان الظهر يكون قد انتهى اليوم الدراسي ونذهب إلى المسجد للتهيئة لأداء صلاة الظهر وبعد صلاة الظهر نعود إلى بيوتنا وكذلك بعد انقضاء صلاة العصر نشارك الأهالي في تحضير وجبة الفطور والقيام ببعض الأشغال كري المزروعات وإطعام الحيوانات.
وأضاف قائلا: إن من أهم الوجبات الرمضانية التي كنا نأكلها عند الإفطار تتمثل في الشوربة المعمولة من القمح وكما هو معلوم أن القمح من المحاصيل المحلية وتضاف فيها اللحوم البيضاء أو الحمراء المحلية وكذلك يحضر معها اللبن المحلي والتمر ورقائق الخبز المحلى بالعسل والسمن وكنا نتناول في وجبة السحور الحليب مع رقائق الخبز والتمر وأحيانا تكون معها وجبة الهريس.
واستتبع قائلا: إن من الأعمال التي كنا نقوم بها خلال شهر رمضان، فبعض الأهالي يمارسون أعمال الحراثة والزراعة ورعي الأغنام وتربيتها والبعض يمارس أعمال التجارة وبناء بيوت الطين في البلدة وقد كان الشي الجميل لدى الأهالي في السابق أنهم يقدمون مساعدات لبعضهم البعض ومتعاونون في كل شيء.
المواقف الصعبة
وعن المواقف الصعبة التي مرت عليهم خلال شهر رمضان في السابق قال: لقد كانت هنالك مواقف صعبة في أيام شهر رمضان في الأعوام التي يكون فيها رمضان في فصل الصيف وكما هو معلوم فصل الصيف في العصور السابقة يكون شديد الحرارة ولا توجد كهرباء ولا وسائل التبريد وكان الناس يعملون من بعد صلاة الفجر وحتى قرب الظهيرة والعمل كان إجباريا بسبب الظروف التي يمرون بها في ذلك الوقت وذلك لتوفير لقمة العيش وكانوا يواجهون صعوبة في الصيام بسبب المجهود الذي يبذلونها في العمل.
وأضاف قائلا: لقد كان الأهالي في السابق يعتمدون على 80% في أغذيتهم على المحاصيل الزراعية التي يزرعونها وكذلك كانوا يحصلون على بعض المال من المحاصيل الزراعية وتربية الثروة الحيوانية، ويشترون بعض احتياجاتهم من التجار المتجولين، حيث يقوموا هؤلاء التجار بعرض بضاعتهم في الأماكن العامة ببلدة العبلة ليشتري الأهالي حسب رغبتهم من المواد المتوفرة لدى التجار، وبعض الأحيان لا يتوفر المال لدى بعض الأهالي لشراء احتياجاتهم وبتسهيل من التجار يقبلون بدلا من المال النقدي مواد من القمح والتمور.
وتابع قائلا: إن الأهالي في السابق يقومون بتجهيز الأغذية خلال شهر رمضان كالقمح الذي يتم طحنه بطريقة تقليدية من خلال الطاحونة اليدوية المعمولة من الصخور الجبلية، وكذلك كانوا يستخدمون بعضا من المشغولات اليدوية لتجهيز الوجبات كالأواني الفخارية والجلود الحيوانية وذلك لتحضير اللبن والزيوت المستخرجة من الألبان كالسمن.
كيفية الحصول على المياه؟
وعن كيفية الحصول على المياه في السابق قال: إن مصادر المياه في السابق كانت مياه الأفلاج والآبار وكان الأهالي يستخرجون مياه الآبار بواسطة الآلة اليدوية والتي تعرف بالمنجور ويتم استخدامها في ري الأشجار وسقي الحيوانات، وكان الأهالي في السابق يستخدمون الأواني الفخارية كالحجال للحصول على الماء البارد والبعض منهم كانوا يستخدمون جلود الحيوانات ويعملونها على شكل أسطوانة وتتم تعبئتها بالماء وكل هذه الأواني تعلق على الأشجار أو داخل البيوت تحت الظل وبعد أربع أو خمس ساعات يكون الماء باردا بنسبة جيدة.
وأضاف قائلا: في العصور السابقة لا تتوفر لدى الجميع الساعات لمعرفة وقت الإفطار والسحور خلال شهر رمضان المبارك والأغلب كانوا يعتمدون على حركة الظل وحركة النجوم أثناء الليل لمعرفة المواقيت لقضاء شؤون حياتهم، وفيما يتعلق بمعرفة موعد الإفطار فإذا كان الجو صحوا يعتمدون على غروب الشمس واختفاء الشعاع كليا وإذا كان الجو غائما يعتمدون على ظهور الشفق الأحمر في الغيوم، وبالنسبة لوقت السحور في أغلب الأحيان يكون هناك شخص في البلدة يحاضر ماء الفلج ويكون بالتناوب على طول الليل فيعرف وقت السحور بانقضاء الربع الأول من منتصف الليل، وهو عبارة عن انقضاء خمسة آثار من ماء الفلج، ويمر المحاضر في وقت السحور على منازل الأهالي في القرية ويصيح بأعلى صوته (سحور، سحور..).
توزيع الوجبات للجيران
وعن المظاهر الاجتماعية التي كانت سائدة بين الأهالي في السابق خلال شهر رمضان قال: إن من أهم المظاهر الاجتماعية التي كانت سائدة بين الأهالي في السابق خلال شهر رمضان تتمثل في المحبة والألفة والتعاون فيما بينهم، ومنها إذا عمل احدهم وجبة غداء أو عشاء يوزع على جميع الجيران، وكذلك تجدهم في بعض الأحيان يتبادلون فيما بينهم الوجبات الغذائية وهي تكاد تكون قليلة في ذلك الوقت، وكذلك إذا حضر ضيف في القرية تجد الأهالي يستضيفونه في بيوتهم كل يوم حتى يعود إلى بيته، وكذلك من العادات الطيبة والتي تكاد تكون قليلة في الوقت الحالي تتمثل في أن الجيران كل يوم من بعد صلاة المغرب يجتمعون في بيت أحدهم لتناول القهوة وتبادل أطراف الحديث فيما بينهم.
وتابع قائلا: لقد كان أهالي بلدة العبلة بوادي العين بولاية عبري خلال شهر رمضان يجتمعون لتناول وجبة الإفطار في المسجد أو المجالس العامة المعروفة باسم السبلة وكل شخص يقوم بإحضار وجبة الإفطار من منزله ليجتمعوا لتناولها في جلسة جماعية تسودها الألفة والمودة والمحبة.
مظاهر الاحتفال بالعيد
وعن كيفية حصولهم على ملابس العيد في السابق قال: لقد كان الناس في السابق يشترون قطعا من الثوب الأبيض قبل العيد بفترة زمنية لا تقل عن شهر من سوق عبري القديم وتقوم النساء بخياطتها لعدم توفر محلات الخياطة والتطريز في ذلك الوقت وإذا ما رغب أحدهم بتلوين الملابس تقوم النساء بتلوينها بالمواد المتوفرة في ذلك الزمان.
واختتم الناصري حديثه قائلا: إن من مظاهر العيد لدى الأهالي ببلدة العبلة بوادي العين بولاية عبري خلال العصور السابقة تتمثل في صبيحة يوم العيد، حيث يخرج الأهالي من منازلهم الرجال والأولاد والنساء بالملابس الجديدة، فيذهب الرجال إلى أداء صلاة العيد حاملين معهم السيوف والخناجر والسلاح التقليدي وبعد أداء الصلاة يقومون بالمصافحة مهنئين بعضهم البعض بالعيد السعيد، وبعد ذلك يقوم الأشخاص الحاملون للسلاح التقليدي برمي الهدف أو ما يسمى محليا (الشبح) في تحد حماسي بوضع خمس طلقات من الرصاص مكافأة لمن يصيب الهدف ويتم التنافس والتحدي والاحتفال بفوز من يصيب الهدف وبعدها تبدأ الاحتفالية بالعيد بفن الرزحة والقصائد الشعرية بالإضافة إلى تأدية فن العازي على شكل صفوف مرددين خلف الشاعر الذي يقوم بإلقاء فن العازي في طريقهم متجهين إلى السبلة بوسط القرية وعند وصولهم يتوقف الفن ويقومون بتناول وجبات العيد وهي عبارة عن الهريس والعرسية والحلوى العمانية والقهوة، وبعض المأكولات الشعبية، وبعد ذلك يرجع الأهالي إلى بيوتهم لذبح الأضاحي ومن ثم يذهبون إلى زيارة الأقارب والأصدقاء مهنئين بعضهم بمناسبة العيد السعيد.