أماكن عمانية في ديوان النبهاني
الشاعر الملك سليمان بن سليمان بن مظفر النبهاني عاش في القرن التاسع حتى أول القرن العاشر الهجري، وتكاد تكون شاعريته علامة فارقة بين الحكام من بني نبهان في عهدهم المتأخر.
وكم هو مؤسف أن تغيب أخبار أولئك الأعلام إلا ما ندر، شأن الأغلب من أعلام عمان بين حكام وساسة وقادة وفقهاء وأدباء. ومن طريف ما بقي من شواهد مكتوبة تلك الكتابات الجدارية في جامع مدينة بهلا التاريخي، وهي كتابات تتراوح بين القرن السابع والقرن العاشر الهجري تؤرخ وفيات بعض من الأسرة النبهانية ممن سبقوا الملك الشاعر، وقد نقلها الباحث محمد بن عبدالله السيفي في كتابه (الحلل السندسية من الكتابات المسجدية) منها تاريخ وفاة أبي محمد عمر بن نبهان بن كهلان سنة 694هـ، وتاريخ وفاة أبي المعالي كهلان بن عمر بن نبهان سنة 722هـ، وتاريخ وفاة جد الشاعر وهو مظفر بن سليمان بن نبهان سنة 840هـ.
وبالرجوع إلى ديوان الشاعر النبهاني فإن نشرته الأولى كانت قد صدرت عن المطبعة العمومية بدمشق سنة 1384هـ/1965م، بتحقيق العلامة عز الدين التنوخي (ت:1386هـ/1966م) وهو عالم لغوي وصحفي شاعر، من مؤسسي المجمع العلمي العربي بدمشق، ثم في عهد النهضة أعادت وزارة التراث والثقافة نشر تلك الطبعة بالتصوير دون مقدمة المحقق. والناظر إلى جهد المحقق قد يثير لديه تساؤلا: كيف عرف التنوخي الأماكن العمانية من بلدان وقرى ومواضع؟ في وقت لم تكن فيه مصادر المعرفة ووسائطها متاحة كما هي اليوم؟ والحق أنني توجهتُ بهذا السؤال إلى الشيخ أحمد بن محمد بن عبدالله السالمي، الذي طُبِع الديوان بعنايته مع أخيه الراحل سليمان بن محمد السالمي وعلى نفقتهما، فكان جوابه أن التنوخي كان يجلس إلى والدهما الشيخ الشيبة محمد بن عبدالله السالمي عندما كان مصيفه في دمشق في تلك السنوات، وكانت بينهما معرفة وعلاقة، فكان كلما انتهى من ضبط بعض القصائد يأتي إلى الشيبة السالمي فيعرض عليه عمله ويسأله عما أشكل عليه وعن الأماكن الواردة في النص فيجيبه وهو ينقل عنه.
وقد اعتمد التنوخي في تحقيقه على أربع مخطوطات قدمها له أبناء الشيبة، وقد سماها في تحقيقه: بـ«المنذرية، والحمدية، والدغارية، والكندية» نسبة إلى ناسخيها. ونعرض هاهنا بعض ما جاء في شعر النبهاني من أماكن عمانية أولها «وادي شجب» و«المظّ» في قوله:
خليليّ عوجا بوادي شَجَبْ ** لنقضي لعمرة حقا وجبْ
ولله دركما صاحبيّ ** على المظّ إن عجتما فالأثبْ
وقد علق المحقق: «شجب: وادٍ بنزوى، والمظّ: حدائق بها»، ويُعرَف موضع المظّ حتى اليوم عند أهل سمد نزوى، وفيه قبر العالم أبي عبدالله محمد بن إبراهيم الكندي (ت:508هـ) صاحب كتاب بيان الشرع.
ويذكر النبهاني موضع «العميري» الذي عرّفه المحقق بأنه بلدة صغيرة بنزوى:
حنانيك يا برق جد بالعميري ** لنا منزلا قد عنا واكتهبْ
محلاً بمستن تلك البطاح ** هو المستغاث لكل العربْ
كما جاء ذكر العميري في بيت آخر في قوله:
خليليّ هل حصن العميري عامرٌ ** وهل عقر نزوى مخصباتٌ ملاعبُه
وهنا يُعرِّف المحقق «العميري» بأنه: «موضع بنزوى، والعقر: أكبر محلة بها، وبها القلعة والحصن»، غير أن ذكر «حصن العميري» قد يصرف الذهن إلى حصن بهلا الذي ذُكِر أنه أخذه آل عمير من محمد بن جفير الجبري بثمن ثلاثمائة لكّ، وقد كان أخذه بالغلبة من عامل الإمام بركات بن محمد، وقد يعضد إرادة النبهاني حصن بهلا أنه تغنى وتفاخر بأماكنها أيضًا نحو قوله:
وبالعقر قد صالقت عامر صلقة ** تذاكرها الراوون في الندواتِ
وسل عن ضرابي يوم إزكي حاسرا ** بسيفي وقد فرت جميع حماتي
ويظهر أن النبهاني تردد في شعره غير مرة بين نزوى و بهلا في ذكر المنازل والديار، كما نرى ذلك في قوله:
فسفحي جماح فالفليج فما حوت **حوية عز من ربى وشقائقِ
وفي تعريف هذه المواضع قال المحقق: جماح: «فلج بين بهلا ويبرين، والفليج موضع بين تنوف ونزوى، والحوية محلة ببهلا»، وقد جاء ذكر الفليج في موضع آخر في قوله:
أترى المعالم بالفليجِ ** سمعن بثّي إذ شكوتُ
لا بل مصحنَ كما مصحتُ ** وقد بلين كما بليتُ
وعن غيرها من الأماكن يتغنى النبهاني بجبل معروف يسمى جبل الكور، جاء في التعريف به أنه لبني هناءة بعمان:
أقول لبرق سرى موهنا **على الكور في عارض قد أهبْ
يسر ويبدو بمسحنفر ** إذا حركته الجنوب انسكبْ
ومن طريف الأماكن التي جاءت في شعره إن صح أنها هي التي عناها بلدة صغيرة بوادي حطاط تسمى كبكب، في قوله:
لراية ربع بالعقيق فكبكب ** تلوح كعنوان الكتاب المُعرّبِ
وفي قصيدة بائية جاءت جزيرة قسم وتعرف أيضًا بـ «قشم»، ويسميها العرب أيضا جزيرة جسم أو الجزيرة الطويلة، وتقع في مدخل الخليج العربي في مضيق هرمز، وذكر المحقق أنها كانت تسمى قديمًا كلوان:
دعاني الهوى العذري بالقسم موهنا ** لبرق تنشت من عمان سحائبُه
وقد تعدد ذكر بعض المواضع مرارًا في شعر النبهاني مثل الحوية (محلة في بهلا)، وحَبُوب، وقد نعت المحقق موضع (حَبُوب) شرقي منح، والموضع فيه فلج لأهل إزكي تعدد ذكره في كتب الفقه وكان قد خدمه وأخرجه الفقيه موسى بن علي الإزكوي (ت:231هـ):
سقى الله أكناف الحوية فالصّوى ** فحيث اسبكرّت من حَبُوب أخاشبُه
ونرى الموضعين تكررا في بيت آخر من شعره مع موضعين آخرين هما (الحبيل) وهو في تعريف المحقق: مرتفع بين منح وبلدان العوامر، و(عز) من أعمال منح:
أحلت حبوبا فالحبيل أم انتحت ** أباطح عز فالحوى فالحويةِ
وقد اقتصر المحقق في بعض تعريفاته للأماكن بأنها مواضع في عمان، نحو (الميقع) في قول النبهاني:
وبالميقع المعروف طاعنت عامرا ** لدى الطعن حتى عار متن قناتي
ووادي العرار في قوله:
يا حبذا وادي العرار ونشره ** وهنا فبورك واديا فوّاحا
أما (عرعر) الذي جاء في استهلاله في الرائية التي أُعجِب بها نور الدين السالمي في كتاب (تحفة الأعيان) فقد قال عنه المحقق: «قيل إنه وادٍ بالشرقية قرب وادي بني خالد»، ومطلعها قوله:
أللدار من أكناف قوٍّ فعرعرِ ** فخبت النقا بطن الصفا فالمشقّرِ
ولعل المحقق قد وُفِّقَ في التعريف ببعض تلك الأماكن وقد يكون الصواب جانبه في أخرى، لكنه اجتهد بما أمكنه، وهنا تأتي مهمة من يعيد تحقيق الديوان أو يفيد منه في دراسة في رجع النظر في الأماكن الواردة في شعر النبهاني والتعريف بها على نحو صحيح.
محمد بن عامر العيسري: باحث في التراث العماني.