وشائج الأخوة أقوى من مشاريع الاقتصاد
إذا كانت الصور تحمل مخزونا دلاليا يفوق في الكثير من الأحيان المخزون الدلالي الذي تحمله الكلمات، فإن مشاهد الاستقبال المهيب الذي أجري مساء اليوم لصاحب السمو الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت الشقيقة الذي يقوم بزيارة «دولة» لسلطنة عمان تقول الكثير والكثير عن العلاقات الراسخة بين سلطنة عمان ودولة الكويت على مستوى القيادتين وعلى مستوى الشعبين، وهي علاقة الدم والرحم كما أنها علاقة المبادئ والقيم، وبذلك لا يمكن ربطها ببراجماتية التجاذبات السياسية والاقتصادية التي قد تنشأ بين مختلف دول العالم في ظل التنافس على المكاسب الاستثمارية والمالية.. وبهذا المعنى هي راسخة قبل الاقتصاد وبعده ولا يخشى عليها أن تتزعزع ما دام المبدأ باقيا، ووشائج الدم تسري في عروق الشعبين الشقيقين.
ولذلك كان الاستقبال العماني الأصيل يليق بالأمير الذي يحل ضيفا على عُمان قيادة وشعبا، ويليق ببلده الشقيق، ويليق قبل كل ذلك بعُمان، السلطنة العريقة في التاريخ والحضارة والتي عرف عنها العالم قدرتها على التفاعل البنّاء والمثمر مع مختلف دول العالم من أجل إثراء الحضارة الإنسانية، بنفس القدر الذي عرف عنها تمسكها بقيم الأخوة ومبادئ السياسة المستمدة من الدين الإسلامي والأخلاق العمانية الأصيلة.
لقد جاء ترتيب أحداث الزيارة كاشفا عن جوهرها الذي ينطلق من الأخوة الرصينة، تلك الأخوة التي أفضت إلى سياسات متناغمة ومواقف متشابهة في قراءة الأحداث العالمية وبذل الجهود من أجل إحلال السلام والوئام بين الأخوة والأشقاء وبين الإنسانية جمعاء.. ثم تفضي تلك العلاقات الأخوية والسياسة المتناغمة إلى شراكات اقتصادية متينة وواعدة بالكثير من النمو في المستقبل، فالأخوة القوية والثقة الراسخة هي التي قادت إلى الشراكات الاقتصادية وليس العكس.. ولذلك فإن تفضل حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم وأخيه صاحب السمو الشيخ مشعل الأحمد أمير دولة الكويت، حفظهما الله، بافتتاح أحد أكبر المشاريع الاقتصادية بين البلدين وهو مشروع «مصفاة الدقم» يؤكد أن الشراكات الاقتصادية والاستثمارية هي نتائج لعلاقات أخوية راسخة ولسياسات حكيمة ومتزنة قائمة على مبادئ راسخة لا تراجع عنها.
ولا غرابة أن يكون مشروع مصفاة الدقم بهذا الحجم الاقتصادي فهو يعبر عن حجم الأخوة وحجم التناغم والتفاهم بين البلدين الشقيقين.
وبالنظر إلى مشروع المصفاة من جانب اقتصادي استراتيجي فهو يربط شمال الخليج بجنوبه ويجعل المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم أحد أهم المناطق الاقتصادية في العالم خاصة في مجال الطاقة والمشاريع المرتبطة بها.. سواء كانت تلك الطاقة طاقة النفط والغاز أو الطاقة الخضراء التي تعتبر الدقم أحد أهم مراكزها العالمية، بل إن هذه المنطقة مع الوقت قد تكون أحد أهم الحلول الاستراتيجية للاقتصاد في منطقة الخليج العربي ليبتعد عن كل التحديات التي تحيط بالإقليم.
وتملك «مصفاة الدقم» بعدا استراتيجيا على المديين القريب والمتوسط؛ فهي قادرة على ربط طاقة الخليج العربي بشرق آسيا وبشكل خاص بالصين أحد أهم مستوردي الطاقة في العالم.. وهذا المشهد يكشف عن تزايد أهمية الدقم باعتبارها منطقة اقتصادية تحتل مكانة استثنائية في ملتقى سلاسل التوريد بعيدا عن كل الصراعات الملاحية التي يشهدها العالم الآن أو يمكن أن تبرز خلال المستقبل.
ولذلك يستحق مشروع المصفاة والمشاريع البتروكيماوية المرتبطة به وبمنطقة الدقم أكملها هذا الاحتفاء الكبير سواء من سلطنة عمان أو من دولة الكويت الشريك الاستراتيجي في المصفاة، والشريك الأخوي الذي تجله وتقدره سلطنة عمان عاليا.
حفظ الله البلدين الشقيقين وكلل مساعيهما الخيرة لرفاه شعبيهما وتقدم أمتهما.