هنا تكمن المصلحة الوطنية دائما !
عبر التاريخ الإنساني أُريق الكثير من الدماء تحت شعار «المصلحة الوطنية» أو «مصلحة الأمة» أو «طريق المستقبل» لكن دون أن تنبت تلك الدماء أزهارا في بلدانها أو أممها وإنما ساهمت في تأخير مسيرة الدول والشعوب سنوات طويلة كما حدث ويحدث كثيرا في بلدان الوطن العربي.. تفتح جهاز التلفاز وتقرأ أن أول مبرر لأي انقلاب عسكري أو حرب أهلية أو قتال دموي هو «مصلحة الشعب» و«الديمقراطية» و«استحقاقات المستقبل» و«إنهاء سيطرة حزب أو جماعة على السلطة» قبل أن يكتشف الجميع، متأخرا، أن الحقيقة هي ليست أكثر من مصلحة شخصية أو فئوية أو صراع على السلطة فقط أو عمالة خارجية في سبيل بناء توازنات إقليمية مزعومة، أمّا الشعوب فهي الضحية الكبرى دائما، خلال الحروب والثورات وبعد توقفها.
هذا الأمر يطرح دائما سؤالا مهما.. أين تقع المصلحة الوطنية لأي شعب من الشعوب أو لأي أمة من الأمم؟
ومن عجائب الأمور أن تأتي وحدة الدول وتماسكها في مقدمة منظومة المصلحة الوطنية، فيما القتال، أي قتال كان، والانشقاقات على كل مستوياتها تضرب أول ما تضرب الوحدة الوطنية للدول التي يفترض أنها المصلحة الوطنية العليا. ولا يمكن أن تتحقق الوحدة الوطنية في أي مجتمع من المجتمعات إلا بتماسك النسيج الاجتماعي والالتقاء على المبادئ والقيم الوطنية المشتركة بين الجميع وبناء رؤية شاملة نحو المستقبل. وعلى العكس من ذلك فإن ما يحدث في بعض دول الوطن العربي، مع الأسف الشديد، يقوض طموحات الآباء والأجداد التي بنت هذه الدول وبذلت جهودا كبيرة في سبيل نيل استقلالها وبناء الدولة الوطنية فيها.
ولذلك تحتاج دولنا العربية دون استثناء إلى برامج فعّالة من أجل تعزيز الشعور بالانتماء والاعتزاز بالهوية الوطنية واحترام الثقافات المختلفة واعتبارها مصدر قوة لا ثغرة ضعف في أي دولة وطنية من دول الوطن العربي الكبير.
إن المصلحة الوطنية الحقيقية تكمن في دعم الاستقرار الاقتصادي ودعم النمو في الدول والذي لا يمكن أن يتحقق في ظل دول تفقد الاستقرار السياسي وتحترف القتال الطائفي والحزبي من أجل الوصول للسلطة لمجرد السلطة.
والمصلحة الوطنية تكمن كذلك في وجود نظام قانوني قوي وعادل يدعم سيادة القانون ويضمن معاملة كل مواطن على قدم المساواة، والمصلحة الوطنية تكمن في التعليم والابتكار من أجل تعزيز خيارات التنمية الحقيقية والقدرة على المنافسة في الاقتصاد العالمي.
لقد أثبتت تجارب التاريخ الحديث أن الاقتصاد القوي هو الأساس الذي يمكننا من خلاله بناء مجتمع مزدهر وشامل، ولذلك فإن الاستثمار الحقيقي لا بد أن يكون في التعليم والابتكار وفي الصحة وفي بناء كوادر بشرية مبتكرة ومتواكبة مع تطورات العصر التقنية والتكنولوجية.
ولذلك على الشعوب العربية أن تعي تماما حقيقة الشعارات التي ترفع هنا وهناك وتميز حقيقتها عبر وضعها على محك محاور الطريق نحو المستقبل والتي لن يكون من بينها الحروب والاقتتال الداخلي والصراع على السلطة. كما أن على الشعوب العربية أن تقاوم إغراء التراجع نحو القبلية والحزبية والمذهبية والانقسامات الفئوية التي تدفع نحوها بعض الجبهات في بعض الدول العربية لأنه ضد المصلحة الوطنية على الدوام.
ودائما وأبدا تكمن المصلحة الوطنية العليا في السعي نحو الوحدة الوطنية والالتفاف حول القيادة وبشكل أعم حول وحدة الدولة فهي المحور الأبقى دائما.