هل يقود الذكاء الاصطناعي قاطرة الاقتصاد العماني نحو المستقبل؟
لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد خيال علمي نشاهده في الأفلام أو نستمتع بتفاصيله ونحن نقرأ روايات الخيال العلمي، فقد أصبح اليوم قوة حقيقية ومؤثرة تعيد تشكيل اقتصادات العالم وفق مقاييس ومعطيات جديدة.
وأطلقت أمس وزارة الاقتصاد «المبادرة الوطنية لتمكين الاقتصاد الوطني المعزز بالذكاء الاصطناعي» لإدماج تطبيقات وتقنيات الذكاء الاصطناعي في المشروعات والبرامج الإنمائية في قطاعات التنويع المحددة بخطة التنمية الخمسية العاشرة (٢٠٢١-٢٠٢٥).
وتهدف المبادرة، كما قالت الوزارة، إلى تسريع تحقيق مستهدفات قطاعات التنويع الاقتصادي بخطة التنمية الخمسية العاشرة، وتمكين الجهات والمؤسسات الحكومية من استخدام تطبيقات وتقنيات الذكاء الاصطناعي في المشروعات الإنمائية، إلى جانب دعم الفرص الاستثمارية القائمة على التقانة والابتكار.
واعتمدت الوزارة مبلغ ١٠ ملايين ريال عماني مخصصة لمشروعات المبادرة لعام 2024م، وتبدأ المرحلة الأولى من المبادرة مستهدفة المؤسسات والجهات الحكومية والمحافظات، على أن تتطور في المستقبل.
إن تطبيقات الذكاء الاصطناعي تشهد تسارعا كبيرا كل يوم وتعيد تشكيل العالم حتى كأننا لا نستطيع استيعاب حجم التغيرات التي تحصل بين يوم وآخر، لذلك فإن التأخير في اللحاق بهذه التقنيات والاستفادة منها لم يعد يحسب بالسنوات أو بالشهور، إنما يحسب بالساعات وربما بالدقائق، ففي كل لحظة زمنية يقفز العالم قفزات تقنية ضخمة.
إننا ما زلنا مبهورين بتقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال الكتابة والتعبير، وهي فيما يبدو أسهل وأبسط تقنيات الذكاء الاصطناعي. لكن هناك قفزات هائلة قطعها الذكاء الاصطناعي في مجال الاقتصاد على سبيل المثال تحتاج أن نستفيد منها بتوظيفها في خدمة وتطوير الاقتصاد العماني.
ويمكن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في مجال الاقتصاد بعدة مسارات منها على سبيل المثال: زيادة الإنتاجية، وتطوير سلع وخدمات جديدة، وخلق فرص عمل في قطاعات مثل تحليل البيانات، وبرمجة الذكاء الاصطناعي، وصيانة الروبوتات. وتشير الدراسات المنشورة إلى أن التأثير الاقتصادي المحتمل للذكاء الاصطناعي كبير؛ حيث تتوقع برايس ووترهاوس كوبرز أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يسهم بما يصل إلى 15.7 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030، مما يعكس زيادة في الناتج المحلي الإجمالي تصل إلى 14%.
ويمكن لسلطنة عمان الاستفادة لكن الأمر لا يتعلق فقط بالمكاسب والعوائد الاقتصادية ولكن بتعزيز اقتصاد مستدام وقادر على الصمود. وأكدت جائحة كورونا (كوفيد -19) على أهمية التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي في تعزيز المرونة الاقتصادية، وفي هذا السياق يمكن للاستثمارات المبتكرة في الذكاء الاصطناعي أن تدعم الاقتصاد العماني لتجاوز تحديات المستقبل.
ويمكن للذكاء الاصطناعي المساهمة الكبيرة في تحسين القطاعات الحيوية للاقتصاد العماني، حيث يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في تعزيز أنشطة الاستكشاف والإنتاج في قطاع النفط والغاز وتقليل التكاليف وزيادة الإنتاج. يمكن أن تستفيد صناعة السياحة من خوارزميات الذكاء الاصطناعي الشخصية في فهم توجهات السياح وتعزيزها، والأمر نفسه في مجال الرعاية الصحية حيث يمكن للتحليلات التنبؤية التي تعمل بالذكاء الاصطناعي تحسين تخصيص الموارد وكفاءة التكلفة.
لكن من أجل تحقيق نتائج متقدمة في استفادة سلطنة عمان من تطبيقات الذكاء الاصطناعي لا يمكن تجاهل الحاجة الكبيرة للاستثمار في التعليم والتدريب لبناء قوة عاملة مبدعة في مجال التكنولوجيا وقادرة على قيادة ثورة الذكاء الاصطناعي في سلطنة عمان. لذلك تحتاج مبادرة وزارة الاقتصاد أن تدعم بتعزيز موضوع البحث العلمي في مجال الذكاء الاصطناعي وتعزيز الابتكار، إضافة إلى ذلك فإننا في أمسّ الحاجة اليوم إلى بناء إطار تنظيمي قوي يتصدى للتحديات التي تواجه تطور الذكاء الاصطناعي، مثل خصوصية البيانات والاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي.
الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة للتقدم الاقتصادي ولكنه قوة تحويلية يمكنها إعادة تعريف المشهد الاقتصادي في سلطنة عمان، ويمكن أن يؤدي استخدامها الفعال إلى دفع البلاد نحو مستقبل مزدهر ومستدام، مما يسرع من رؤية عمان ٢٠٤٠ في أن تكون سلطنة عمان رائدة في الاقتصاد الرقمي العالمي، فلم يعد تبنّي الذكاء الاصطناعي خيارا، بل أصبح ضرورة وجزءا لا يتجزأ من رحلة عُمان نحو اقتصاد يتسم بالابتكار والمرونة.