هل يقود الحقد إلى التطرف والإرهاب؟!
سلط العالم أضواءه الكاشفة خلال اليومين الماضيين على الحادث الإرهابي الذي وقع بالقرب من العاصمة الروسية موسكو.. كان المشهد أليما عندما أقدم مجموعة من المتطرفين على قتل أكثر من 130 شخصا دون سبب منطقي مباشر يمكن أن يقبله العقل.. وتساءل البعض عن البناء الداخلي لعقل ونفسية الإرهابي أو المتطرف؟! ما الذي يحركه؟ ما الذي يدفع به على ذلك النحو لإنهاء حياة أشخاص لا يعرفهم وليس بينه وبينهم أي عداء مسبق على المستوى الشخصي وربما حتى على المستوى الجمعي؟!
إن أقرب سبب غير منطقي يمكن أن تنطلق منه أي محاولة لفهم ما جرى هو الحقد، سواء كان حقد الأشخاص الذين أقدموا على تنفيذ العملية الإرهابية أو حقد الجهة التي وظفتهم لفعل ذلك. ومثل ذلك الحقد الذي شاهدناه ليس ابن لحظته، بل هو حقد متجذر لا بدّ أنه مرّ بالكثير من مراحل البناء الداخلي ولاحقا التأجيج. وعلماء النفس ينظرون للحقد باعتباره عاطفة شديدة التعقيد ولكنها عميقة الجذور، يمكن أن تتشكل نتيجة لتجارب سلبية متعددة أو أحداث مؤلمة حقيقية، أو عملية بناء شعور بالمظلومية قد لا تكون لها جذور حقيقية وإنما عبر سرديات تاريخية متوهمة. وعادة ما يبدأ الحقد على هيئة شعور بالغضب أو الظلم الناتج عن موقف/ مواقف معينة، لكنه يتطور ويتعمق مع مرور الزمن عبر طرق مختلفة إما نتيجة استمرار تجارب الظلم والمواقف المؤلمة أو عبر عمليات غسيل الأدمغة وبناء السرديات الكاذبة والتحريض المستمر.
ولكن هل يتحول الحقد إلى إرهاب وتطرف؟
إن بحثا سريعا في مراحل تشكل الكثير من المنظمات الإرهابية أو الحركات المتطرفة تؤكد أن الحقد يمكن أن يتحول بالفعل إلى إرهاب في بعض الحالات خاصة عندما تتصاعد المشاعر السلبية وتُترجم إلى أفعال عنيفة. يحدث هذا التحول عندما يُستغل الحقد ويُغذى من قبل أيديولوجيات متطرفة أو جماعات تعتمد على العنف لتحقيق أهدافها، أو حتى عندما يصل الإنسان إلى مرحلة اليأس التام ويشعر أن كل الآفاق قد سدت أمامه، لكن العملية ليس آلية وتخضع للكثير من العوامل النفسية والحاضنات الاجتماعية والدينية التي ينشأ فيها الإنسان.. وتحدث العملية نتيجة لتفاعل معقد بين الظروف الشخصية والنفسية والاجتماعية. على سبيل المثال، قد يشعر الفرد بالحقد نتيجة لتجارب شخصية مؤلمة كالظلم أو الإهانة، وعندما لا يتم التعبير عن هذه المشاعر أو معالجتها بطريقة صحية، فإنها تتفاقم وتتحول إلى رغبة في الانتقام أو إلحاق الضرر بالآخرين.
وتتفاقم المشكلة عندما يجد الأشخاص الذين يحملون هذا النوع من الحقد مسوغات زائفة أو دعمًا ضمن جماعات متطرفة تعزز مشاعرهم السلبية وتحولها إلى عقيدة. في هذا السياق، يمكن أن تتحول العواطف الشخصية إلى أفعال عدائية وأحيانًا إلى أعمال إرهابية.
وهذا الفهم لسيكولوجية الحقد المفضي إلى التطرف والإرهاب معلوم عند الكثير من الأنظمة السياسية وتقوم بتوظيفه لخدمة مصالحها وتوجهاتها ومنه تنطلق عملية صناعة الإرهاب أو حتى صناعة التوحش، ويمكن في هذا السياق الرجوع إلى الحيثيات التي تم عبرها صناعة تنظيم «داعش» الذي تبنى العملية الإرهابية في موسكو.. كيف حولت بعض الأنظمة الغربية عشرات الآلاف من الذين كانوا يشعرون باليأس وبانسداد الأفق إلى إرهابيين ومتوحشين وعلى استعداد أن يفرغوا كل أحقادهم التي شكلها الظلم والقهر بأي طريقة.. وكان المسار المختار التطرف الديني من أجل ضرب الإسلام.
بهذا المعنى فإن العالم اليوم الذي يعيش حالة من الغليان ومن الظلم والقهر واليأس وانسداد كل الثقوب نحو المستقبل هو مشروع جاهز لبناء متطرفين ومتشددين جاهزين للانتقام من الجميع فكيف إذا وافق ذلك تأجيج للنزاعات الدينية والتاريخية والعرقية والاجتماعية والوطنية.
إن المنطقة العربية في أمس الحاجة اليوم إلى فهم حقيقة ما يقوم به الأعداء من استغلال لكل التحديات السياسية والاقتصادي والاجتماعية التي تعيشها منطقتنا العربية للدفع بمئات الآلاف من اليائسين إلى ميادين التطرف والإرهاب، ولترسيخ وعي أن الحل ليس في التطرف وإنما في البناء الداخلي وفي بناء القيم والمبادئ التي تبدأ من الفرد وتعم المجتمع لتشكل بعد ذلك حالة يمكن البناء عليها في المنظومة الأكبر ثم الأكبر.