هل يذهب العالم نحو حرب عالمية ثالثة؟
لا يمكن مقارنة ما يحدث في العالم اليوم مع ما كان يحدث قبيل الحرب العالمية الثانية لفهم ما إذا كان العالم ذاهبا فعلا إلى حرب عالمية الثالثة. فالعالم تغير كثيرا عما كان عليه في نهاية ثلاثينيات القرن الماضي ولذلك أعواد إشعال حرب عالمية قد تختلف تماما عما كان عليه الوضع قبل آخر حرب كونية مرت على هذا العالم الملتهب بالصراعات.
لكن تحذير روسيا للولايات المتحدة الأمريكية من خطر اندلاع «حرب عالمية ثالثة» يستحق أن يقرأ قراءة سياسية وعسكرية، خاصة وأن روسيا تعتقد اليوم أن الدول الغربية مجتمعة مشتركة في حرب ضدها.
يستحق التصعيد الأوكراني الأخير، وخاصة الهجوم الجريء على منطقة كورسك الروسية، أن ينظر له بوصفه كرة لهب تتدحرج باتجاه مخزن بارود ضخم قادر على إشعال كارثة عالمية.. ويبدو أن روسيا تفهم الموضع بهذا المعنى فهي تحذر الغرب بشكل واضح جدا من خطر «اللعب بالنار» على حد تعبير وزير الخارجية سيرجي لافروف الذي قال بشكل واضح اليوم إن الغرب يبحث عن المتاعب. ولا تنظر روسيا إلى تصعيد أوكرانيا باعتباره هجوما أوكرانيا مضادا، إنما تنظر إليه باعتباره حربا غربية، أمريكية وأطلسية، على روسيا خاصة وأن أوكرانيا تستخدم صواريخ زودتها بها دول غربية معروفة لدى موسكو.
ورغم أن روسيا متماسكة من الداخل وغير متأثرة بالحرب الدائرة مع أوكرانيا منذ أكثر من عامين إلا أن التلويح بحرب عالمية ثالثة من شأنه أن يعيد التفكير الجدي بالحرب النووية، وهو سلاح إذا ما ذهبت لخياره أي دولة في لحظة من لحظات اليأس يعني أنها تنذر بجحيم عالمي واسع لا يعترف بفكرة الحدود الجغرافية أو السياسية.
وبعد أكثر من سنتين من الحرب الروسية الأوكرانية لا يمكن النظر إلى هذه الحرب باعتبارها حربا بين دولتين جارتين، فالهجوم الأخير على كورسك والذي يعتبر الأخطر على الأراضي الروسية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، يكشف إمكانية اشتعال المواجهة على نطاق يتجاوز الدولتين، بل إنه ينذر بحرب عالمية ثالثة لن يكون السلاح النووي بعيدا عنها. وهذا ما يمكن فهمه أيضا من وعد الرئيس الروسي بوتين برد «كبير» حيث إن بلاده تنظر إلى الأمر باعتباره تحديا واضحا لسيادتها. ومع تمسك الجانبين بخياراتهما يتزايد خطر التصعيد، حيث يتحول كل تدبير انتقامي إلى المزيد من الاستفزازات وكل رد يتبعه رد آخر.
وتسلط تعليقات وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الضوء على فهم موسكو لما يحدث، فهي ترى أن «الحرب» لم تعد حربا إقليمية بل حربا بالوكالة تشمل الغرب، وفي المقام الأول الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي. إن تصور روسيا بأن تصرفات أوكرانيا مدفوعة بدعم عسكري غربي يغذي روايتها للعدوان الغربي، مما يزيد من تعقيد أي احتمالات لخفض التصعيد.
ومن جانب آخر، فإن رفع الحظر الغربي لاستخدام أسلحته في أي هجوم مباشر على روسيا من شأنه أن يزيد مستوى استفزاز روسيا، خاصة وأن أوكرانيا تعتبر القيود الحالية على استخدام الأسلحة المستوردة تحد من قدرتها على الدفاع عن نفسها والرد على الأهداف العسكرية الروسية.
ورغم أن الغرب ما زال متخوفا مع رفع الحظر بشكل مباشر إلا أن تورط الأسلحة الغربية يثير مخاوف مشروعة بشأن مدى انتشار الصراع، خاصة إذا فسرت روسيا هذه الإجراءات على أنها تدخل مباشر من جانب حلف شمال الأطلسي، وهذا الخطاب يصل إلى شبه اليقين لدى صناع القرار في موسكو.
إن انعدام الثقة بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص فيما يخص دعمها المباشر والقوي في العمليات التي جرت في كورسك من شأنه أن يؤدي إلى المزيد من التصعيد وخاصة إذا قررت موسكو التعامل مع الهجمات المستقبلية باعتبارها جهودًا منسقة من جانب حلف شمال الأطلسي، والمؤشرات تقول إن روسيا مستعدة لمواجهة ما تراه استراتيجية غربية منسقة ضدها.
ورغم أن الصراع في طريقه إلى الذروة إلا أن أحدا لا يريد تقديم أي تنازلات ما يترك العالم في وضع محفوف بالمخاطر. ويبدو المسار الحالي أنه ذاهب نحو تصعيد أكبر إذا ما لعبت الدبلوماسية دورها في كبح جماح كرة اللهب الذاهبة فعلا نحو حقل البارود الكبير.