هل انتصار حزب العمال فجر جديد لبريطانيا؟
رغم توقع فوز حزب العمال البريطاني في الانتخابات الأخيرة إلا أن الكثيرين اعتبروا ذلك الفوز تحولا كبيرا في المشهد السياسي في المملكة المتحدة. استطاع حزب العمال أن يحصل على 412 مقعدا من أصل 650 مقعدا في البرلمان وهي أغلبية كبيرة تذكر بالانتصار الكبير الذي استطاع تحقيقه توني بلير في انتخابات عام 1997.
ورغم الحماس الشعبي الذي صاحب فوز حزب العمال إلا أن الحقيقة التي لا يمكن تجاوزها أن النصر كان بسبب الطريقة التي أدار بها حزب المحافظين الشأن الداخلي في بريطانيا الأمر الذي أوصلها إلى حالة صعبة من التقشف المالي، ناهيك عن تداعيات قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي الذي ما زال يعتبر أحد أكبر الأخطاء الاستراتيجية البريطانية حيث ترك البلاد منقسمة وضعيفة وتعاني الكثير من التحديات فيما يتعلق بالبنية التحتية والخدمات العامة.. والأدهى والأمر بحسب المحللين البريطانيين أنه أبطأ النمو الاقتصادي بشكل كبير وغير متوقع.
وإذا كان قرار ديفيد كاميرون الذي عرض الخروج من الاتحاد الأوروبي للاستفتاء بداية الانقسامات الحقيقية في حزب المحافظين فإن السلوك الذي سار عليه بوريس جونسون خلال فترة رئاسته يعتبر في بريطانيا قمة الفوضى والقيادة المضطربة التي تسببت في تآكل ثقة الجمهور البريطاني في إدارته.
كان حزب العمال يراقب ذلك المشهد ويبحث عن كل طرق الاستفادة منه، وحظي النهج الذي تبناه ستارمر، والذي يتميز بالمسؤولية المالية والتركيز على «خلق الثروة»، بدعم من مجتمع الأعمال وعامة الناس في بريطانيا، وكان لموقفه العملي والتزامه بمعالجة القضايا الملحة التي تواجه الداخل صدى لدى الناخبين الذين سئموا المشهد السياسي وعدم الاستقرار خلال السنوات الأخيرة.
لكن هذا لا يعني أن حزب العمال سيستطيع تغيير المشهد في بريطانيا بضغطة زر أو حلم صباحي.. سيكون أمام الحزب الحاكم تحد كبير جدا يتمثل في إدارة علاقات بريطانيا المتوترة مع الاتحاد الأوروبي.. وفي الوقت الذي دعا فيه ستارمر إلى الاستقرار الاقتصادي وإعادة بناء البنية التحتية في بريطانيا، فإن عليه أن يتعامل مع تعقيدات أوروبا ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وأن يعزز العلاقات التعاونية معه.
ويضع فوز حزب العمال مسؤولية كبيرة على عاتق ستارمر لمعالجة قضايا العدالة الاجتماعية وتجديد الخدمات العامة، وخاصة خدمة الصحة التي عانت كثيرا خلال السنوات الماضية حتى تحولت إلى مادة للسخرية في الإعلام العالمي.
إن عودة حزب ملتزم بالعدالة الاجتماعية إلى السلطة في واحدة من الدول الكبرى في أوروبا يمكن أن تلهم الحركات التقدمية في جميع أنحاء أوروبا التي تواجه مدا في الأحزاب اليمينية المتطرفة والشعبوية.
سوف يتطلب مسار المملكة المتحدة إلى الأمام التعامل الدقيق مع التعقيدات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ونجاح الإدارة الجديدة يمكن أن يشكل سابقة للحكم التقدمي في أوروبا، ويقدم رؤية مفعمة بالأمل وسط اضطرابات السياسة المعاصرة.