No Image
رأي عُمان

محارق إسرائيل في غزة.. التاريخ يعيد نفسه

30 أكتوبر 2023
30 أكتوبر 2023

هذا هو الأسبوع الرابع منذ بدء الحرب الهمجية والوحشية التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد قطاع غزة بدعم عسكري وسياسي من بعض الدول الغربية التي رأت أن في انكسار الهيبة الإسرائيلية أمام كتائب المقاومة في غزة انكسارا لهيبة الغرب في لحظة تاريخية خطرة جدا من عمر الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموما، ومن عمر النظام العالمي الذي تحاول بعض القوى في العالم إعادة تشكيله من جديد بما يتوافق مع تحولات القوى.

إن إسرائيل التي طالما استعطفت العالم عبر سردية المحرقة النازية التي تمارسها الآن ولكن عبر نسخة أكثر وحشية وأشد فتكا خاصة على الأطفال الذين يشكلون أكثر من نصف الشهداء، الأمر الذي يجعل سردية المحارق النازية وفق الرواية الإسرائيلية مجرد نزهة عابرة أمام محارق إسرائيل في غزة خلال الأسابيع الأربعة الماضية، على أن المحارق الإسرائيلية بأفرانها المفتوحة تأتي بعد عقد ونصف من وضع سكان غزة في سجن مفتوح عزلهم عن العالم وكاد أن يفقدهم الأمل في المستقبل لولا الإيمان الراسخ بأنهم قادرون على القفز فوق أي انسداد حياتي يريد العدو أن يكرسه في القطاع.

ورغم فداحة ما يحدث في غزة الآن، وهي فداحة إجرام وإرهاب لا فداحة حرب تقوم على أخلاقيات ومبادئ مواجهة، إلا أنه مهم للشعوب أن ترى رأي العين حقيقة «إسرائيل» وحقيقة الغرب الذي يتعامل مع القوانين والأنظمة بازدواجية معايير كشفت زيفه وزيف قيمه، وبدأت في صناعة رأي عام عالمي جديد يمكن أن يعيد للقضية الفلسطينية وهجها العالمي.

لكن لا يمكن أن يقبل أحد أن يكون ثمن تغيير الصورة الذهنية والنمطية الغربية عن القضية الفلسطينية آلافا من جثث الأطفال وهدم البيوت على رؤوس ساكنيها وتهجير الفلسطينيين من أرضهم.. لذلك لا بد الآن من إطفاء أفران المحرقة التي تشعلها إسرائيل في غزة، وعلى إسرائيل أن تبحث عن كتائب حماس وتواجهها مباشرة.. رابع أقوى جيش في العالم، بحسب السرديات الغربية، لن يعجز عن مواجهة كتائب القسام وجها لوجه والميدان مفتوح إن كان يستطيع، أمّا النساء والأطفال فهم خارج قواعد المواجهة بالضرورة وهذا ما تؤكده القوانين والأنظمة ومبادئ الاشتباك في الحروب.

إن الدول العربية، وخاصة التي تقيم علاقات تطبيع مع إسرائيل، وجدت نفسها في وضع حرج جدا أمام الشعوب العربية، خاصة تلك الدول التي لم يكن تطبيعها نتيجة ظروف جيوسياسية في مراحل تاريخية مختلفة كما هو الحال مع مصر والأردن، ولذلك فهي اليوم أمام تحد أخلاقي كبير تحتاج فيه أن تعيد تحديد مواقعها ومراكزها من قضية العرب الأساسية.

أما عموم الموقف العربي فإنه ما زال بحاجة إلى التحول من المواقف الخطابية إلى المواقف الفعلية التي إن لم تستطع تشكيل ضغط مباشر على إسرائيل فإنها تشكل ضغطا على حلفاء إسرائيل وداعميها الأبديين ومع الكثير من الدول العربية مسارات لذلك وأوراق رابحة.. لا يمكن تاريخيا ولا أخلاقيا أن نبقى نشاهد محارق الأطفال في غزة دون أن نفعل شيئا عمليا يوقف هوس إسرائيل بالقتل وبالدماء على وجوه الأطفال. لا تدافع إسرائيل عن نفسها الآن ولا عن النظام الغربي كما يعتقد بعض الغرب.. إنها فقط تمارس قتل الأطفال وبشراهة لا تنتهي.. وهذا إن استمر لأسابيع طويلة أخرى فإنه لن ينهي أصل القضية، ولن يئد المقاومة أو يوقفها، ولن ينهي حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.. وعقلاء إسرائيل- إن كان قد بقي منهم أحد- يعرفون هذه الحقيقة تماما ويعونها جيدا.. ولذلك يبقى القتل مجرد لعبة تشتهيها إسرائيل لا أكثر ولا أقل علها تحل بها بعض الأزمات والمآزق ولكنها في الحقيقة تزيد في تأزيمها.