ماذا يمكن أن نقرأ في الضربة الإسرائيلية على الحُديدة؟
بعد دقائق من تنفيذ جيش الاحتلال الإسرائيلي السبت ضربة جوية على ميناء الحديدة اليمني قال وزير دفاع دولة الاحتلال يوآف غالانت بكثير من الغرور والغطرسة: «النيران يمكن رؤيتها في جميع أنحاء الشرق الأوسط»، وبعده مباشرة قال رئيس الكنيست الإسرائيلي أمير أوحانا: «هجوم اليمن رسالة للشرق الأوسط كله» وكلها إشارات لا تخفى على أحد مفادها أن أي دولة أو جماعة تفكّر في «إيذاء» إسرائيل فإن مصيرها سيكون مصير الحديدة اليمنية أو مصير غزة الفلسطينية، ومن يود معرفة المصير بشكل واضح فعليه أن يرى النيران المشتعلة في الحديدة فهي تُرى من كل مكان في الشرق الأوسط.
ورغم هذا الخطاب المتغطرس الذي يأتي في أعقاب ضربة جبانة أتت على محطة الكهرباء ومخازن النفط وعمّقت المعاناة الإنسانية على الشعب اليمني الذي يعيش أوضاعا سيئة للغاية لا يشبهه فيه أحد إلا قطاع غزة إلا أنه يستحق التحليل من قبل دول الخليج العربية بشكل خاص في إطار إقليمي واستراتيجي؛ لأسباب كثيرة يتعلق بعضها في كون هذه الضربة هي الأولى من نوعها على منطقة شبه الجزيرة العربية منذ قيام الكيان الإسرائيلي قبل قرابة سبعة عقود ونصف العقد إضافة إلى توجه إسرائيل، ولو على هيئة مغامرة غير محسوبة، نحو فتح جبهة جديدة لها في اليمن وهي التي ما زالت تخشى انفجار الوضع مع حزب الله رغم المواجهات المحدودة التي بدأت مباشرة بعد السابع من أكتوبر العام الماضي.
منذ أشهر كانت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها في مجموعة «حارس الازدهار» توجه ضربات بين حين وآخر على اليمن الذي ما زال يستهدف السفن التجارية التي تعبر في البحر الأحمر إلا أن إسرائيل المتضررة بشكل كبير من تلك الهجمات لم تُقدم على الرد حتى لو عبر الطائرات المسيرة، ما يعني أنها أحست الآن بحجم الخطر بعد الضربة اليمنية التي استهدفت عمق تل أبيب بطائرة مسيّرة قال أنصار الله إن اسمها «يافا».
ويرى بعض المحللين أن ضربة الحديدة كانت تحمل رسائل واضحة لإيران إما بهدف وقف دعمهم لأنصار الله عبر نقل تكنولوجيا صناعة المسيّرات المتقدمة وإما بهدف الضغط عليهم لوقف جميع أعمالهم «المعادية» لإسرائيل الأمر الذي يجعل صورة نيران الحديدة لا تُرى من طهران!
لكن الأمر لا يسير دائما وفق هذه الحسابات الإسرائيلية، فإسرائيل وحدها تعيش أزمة كبيرة في الوقت الحالي، أزمة داخلية وأخرى خارجية، فهي ما زالت تخوض حرب استنزاف أمام حماس، وحربا أخرى لا تقل ضراوة في الشمال في مواجهة حزب الله، وجاءت الهجمة الأخيرة على اليمن التي أرادت عبرها إسرائيل إيصال رسالة أنها ما زالت قادرة على المبادءة بالهجوم حتى على بُعد أكثر من ألفي كيلومتر من أرضها «المغتصبة»، جاءت لتعمّق الأزمة والتخبّط الإسرائيلي، لكن هذه الرسالة ستُحمّل إسرائيل الكثير والكثير سواء من حيث استفزاز أنصار الله الذين لا يملكون الكثير ليخسروه في هذه المواجهة بعد الحصول على شرعية أكبر للمواجهة مع إسرائيل ومصالحها ومصالح أصدقائها، أو من حيث الاستنزاف العسكري الإسرائيلي الذي وصل إلى ذروته الكبرى.
تحتاج دول الخليج أن تقرأ كل هذه التفاصيل بشكل دقيق وبما يحمي مصالحها لا مصالح إسرائيل خاصة وأن جزءا وازنا من الصراع بدا أنه يتجه جنوبا ما يشكل تهديدا مباشرا على أمنها واستقرارها.
ولا شك أن الهجمات «الحوثية» على السفن في البحر الأحمر مرشحة للاستمرار والزيادة الأمر الذي سيبقى يهدد الملاحة في خليج عدن والبحر الأحمر وهذه المنطقة تعد شريانا حيويا للاقتصاد الخليجي والعالمي، وأي تحول جديد في هذا الممر الملاحي من شأنه أن يفاقم التداعيات الاقتصادية على العالم بما في ذلك دول الخليج العربية إلا إن أرادت أن تضحي بمصالحها الاقتصادية والأمنية الآنية على أمل الحصول على أوهام مستقبلية ما زالت تبيعها إسرائيل وأمريكا.. لذلك لا بد من إعادة تقييم للتوازنات الإقليمية التي طفت على السطح خلال العقد الماضي ودراسة حقيقة مساراتها دون إغفال لدروس التاريخ العظيمة.
وفي جميع الأحوال فإن المؤكد الآن أن الضربة الإسرائيلية على اليمن ستفتح فصلا جديدا من التعقيدات الإقليمية، تحمل في طياتها مخاطر متعددة الأبعاد على دول الخليج العربية، سواء من الناحية الأمنية أو الاقتصادية أو الإنسانية.